ما إن أعلن رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، عن بدء معارك "تحرير الأنبار من داعش"، حتى بدأ آلاف المقاتلين من مليشيا "الحشد الشعبي" يتقاطرون من مدن وسط وجنوب العراق، والذين وجدوا أمامهم الآلاف الآخرين من أبناء العشائر متأهبين لمعركة أطلقوا عليها تسمية "الخلاص"، وسط تعهّدات قطعها العبادي على نفسه باستبعاد المليشيات "المسيئة" التي ارتكبت جرائم حرق وسرقة وقتل ميداني في تكريت تجنباً لمصير مماثل ينتظر مدن الأنبار.
محافظة الأنبار، التي تُشكّل ثلث مساحة العراق الإجمالية، والتي يسيطر تنظيم "الدولة الإسلامية"، (داعش)، على معظم مدنها، وتتمتع بحدود مشتركة مع ثلاث دول عربية، هي السعودية والأردن وسورية، شهدت خلال الساعات الأخيرة ستة محاور قتال متفاوتة القوة، تسلّط "العربي الجديد" الضوء عليها، وعلى عديد القوات المهاجمة، فضلاً عن قوات "داعش" ودور التحالف الدولي والحكومة الأردنية.
خطوات استباقية لـ"داعش"
استبق تنظيم "داعش" خطوة العبادي بإعلان الهجوم على الأنبار، بسلسلة إجراءات مختلفة نفذها في مدن المحافظة الإحدى عشرة التي يسيطر عليها، مقابل سيطرة السلطات العراقية على أربع مدن فقط. وكشف مجلس عشائر الأنبار، المناهض لـ"داعش" والمشكّل حديثاً، أن التنظيم أعدم نحو 300 من أبناء عشيرتي الكرابلة والبو محل بشكل جماعي في مناطق أعالي الفرات التي يسيطر عليها، بتهمة تعاونهم مع القوات الأمنية.
وقال عضو المجلس، الشيخ نعيم الكعود، لـ"العربي الجديد"، إن جميع الضحايا الذين تم إعدامهم هم من أبناء العشائر، وجرى ذلك بوحشية أمام ذويهم، لافتاً إلى أن جميعهم شبان تراوح أعمارهم بين 20 و40 عاماً، موضحاً أن "التنظيم قام بهذه الخطوة على ضوء ما يؤمن به من نظرية تصفية جبهته الداخلية".
كما أكد سكان محليون دخول العشرات من المقاتلين عبر البوكمال السورية إلى الأنبار، رافعين رايات سوداء عبر سيارات رباعية الدفع وهم يرددون هتافات حول الجنة ويتوعّدون المهاجمين بعبارات النحر والحرق، في الوقت الذي عزز فيه "داعش" حقول الألغام والمتفجرات حول المدن التي يسيطر عليها، ونفذ سلسلة تفجيرات طالت جسوراً على نهر الفرات وطرقاً مهمة كان يستخدمها الجيش كطرق إمداد لقواته الموجودة في الأنبار.
ستة أشهر من القتال
وكشف مسؤول عسكري عراقي في قيادة عمليات الجيش في الأنبار، لـ"العربي الجديد"، أن الخطة العسكرية قسّمت المحافظة إلى ستة محاور، كل محور منها يعادل مدينتين مثل تكريت، وهي محور الفلوجة الكرمة، ومحور الرمادي السجارية التأميم، ومحور هيت البغدادي، ومحور عنة وراوه وكبيس، ومحمور القائم، ومحور الرطبة. ولن يتم استثناء محور عن آخر في الهجوم بل ستكون العمليات متزامنة في كل المحاور وسيجري الانقضاض على المحور الذي يصبح أكثر هشاشة.
وأوضح المسؤول العراقي، الذي يشغل منصب عميد ركن في الجيش، أن "العدد الكلي للمقاتلين الذين أنيطت بهم مهمة الهجوم على المدن بلغت، حتى صباح الخميس، 42 ألف عنصر، يتوزعون بواقع 18 ألفاً من الجيش العراقي، و6 آلاف من الشرطة والشرطة الاتحادية، والباقون من أبناء العشائر بواقع 11 ألف مسلح، والمليشيات المسلحة المنضوية تحت هيئة "الحشد الشعبي" بواقع سبعة آلاف من حزب الله، فرع العراق وعصائب الحق وبدر ولواء اليوم الموعود".
مقابل ذلك، توقّع العميد الركن "تواجد نحو 21 ألف مقاتل من تنظيم داعش، غالبيتهم عراقيون، في مختلف مدن الأنبار، بدءاً من حدودها مع بغداد وانتهاءً بحدودها مع دول الجوار"، مشيراً إلى أن "التحالف الدولي اتخذ من قاعدتي الحبانية وعين الأسد، شرق الرمادي وغربها، مقرات له وباشر بتوجيه ضربات مكثفة على مواقع التنظيم، منطلقاً أيضاً من قواعد عسكرية أردنية لا تبعد كثيراً عن الأنبار"، لافتاً إلى أنه "أعدت أربع من أصل ست خطط عسكرية طالبنا بالالتزام بها في الهجوم لتقليل الخسائر وتحقيق النصر، حتى وإن طالت المدة التي تفصل عن إعلان تحرير المحافظة، وهي ستة أشهر، وفقاً لما قدّرته قيادة وزارة الدفاع بسبب مساحة الأنبار التي تعادل حجم دولة مثل الأردن".
اقرأ أيضاً: العراق: داعش يظهر بصلاح الدين و"حزب الله" يصل الأنبار
دعم أردني مفتوح
وبالتزامن مع بدء معركة الأنبار التي وُصفت بأنها الفيصل، إذ ستكون في حال نجاح استعادة السيطرة عليها من تنظيم "داعش"، بمثابة إعلان النصر النهائي، زار وزير الدفاع العراقي، خالد العبيدي، الأردن والتقى بقيادات عسكرية رفيعة، فضلاً عن لقاء خاص جمعه مع الملك الأردني عبد الله الثاني، وفقاً لبيان رسمي صدر عن وزارة الدفاع العراقية.
وكشف مصدر في وزارة الدفاع، لـ"العربي الجديد"، أن "العبيدي طلب من الأردن دعم عمليات تحرير الأنبار، خصوصاً في المناطق الحدوديّة مع الأردن، وهي مناطق الرطبة والخسفة والكيلو 160"، موضحاً أنّ "الجانب الأردني وافق على الطلب، لكنّ لم يتم بعد تحديد كل تفاصيل ونوعيّة الدعم الذي سيُقدّم".
وأشار المصدر إلى أنّ "الأردن سيزوّد العشائر العراقيّة بالذخيرة وسيشن طلعات جوية على مواقع داعش الحدوديّة معها، كما سيلعب دوراً بإقناع المعارضة المقيمة بالأردن بدعم تلك العمليات".
مطالبات بإخلاء الأهالي
في هذه الأثناء، طالبت الحكومة المحلية في الأنبار بضرورة إخلاء المدنيين من المدن قبل الوصول إلى المرحلة الثانية من الخطة المتضمنة اقتحام خطوط "داعش" الدفاعية.
وقال رئيس لجنة الأمن في محافظة الأنبار، فرحان محمد، لـ"العربي الجديد"، إن أكثر من ربع مليون مواطن موجودون في مدن الأنبار وهم معرّضون للإبادة، ويجب أن تُخصّص طرق أو معابر لخروجهم لتجنيبهم الحرب والقصف الجوي من التحالف، مضيفاً أن ذلك يجب أن يكون على رأس اهتمام العراقيين والأميركيين القائمين على تلك العملية.
ولا تزال 11 مدينة كبيرة حالياً تحت سيطرة "داعش" في الأنبار، وهي مدن الكرمة والفلوجة والرمادي (مناصفة مع الجيش)، وهيت والقائم وعنة وجبة وراوه وكبيس وآلوس والرطبة، إضافة إلى نحو 30 قرية. كما يحكم التنظيم سيطرته على الحدود مع سورية وأجزاء من حدود العراق مع الأردن، بما في ذلك الطريق الدولي السريع الرابط بين البلدين. في المقابل، تسيطر القوات العراقية والقوات الداعمة لها على مدن الحبانية والخالدية وحديثة والرمادي، وتتقاسم السيطرة مع "داعش"، إذ تسيطر القوات النظامية على الجزء الشمالي، بينما يسيطر التنظيم على الجزء الجنوبي.
ويأتي نداء حكومة الأنبار بعد ساعات من مجزرة ارتكبتها قوات عراقية راح ضحيتها عشرات المدنيين بين قتيل وجريح في الفلوجة جراء قصف صاروخي استهدف سوقاً شعبياً وسط المدينة.
شكوك بقدرات القوات المهاجمة
الإعلان عن انطلاق عمليات "تحرير الأنبار" في وقت لا تزال فيه القوات الأمنية والمليشيات تترنح تحت ضربات مباغتة من جيوب مسلحة داخل تكريت تابعة لتنظيم "داعش"، أثار تساؤلات حول مغزى التوقيت وسرعة الهجوم وسبب ترك الموصل والتوجّه إلى الأنبار التي تُعتبر العقدة الأصعب في العراق بسبب مساحتها الكبيرة والشاسعة وتضاريسها الصعبة وشراسة المقاتلين الموجودين فيها.
ويقول الخبير الأمني العراقي، فؤاد علي، إن "رئيس الحكومة استبق الجميع في إعلان الهجوم على الأنبار، على الرغم من علمه بصعوبة الأمر وعدم كفاية المقاتلين، وفي ظل احتمال تعرّضهم لنكبة كبيرة، وهو ما يجعلنا نتوقع وجود دعم أميركي أردني له في استعادة الأنبار الاستراتيجية من داعش، لكن مع ذلك، وإن وجد الدعم، يجب التأكد أن الموضوع لن يكون مثل تكريت على الإطلاق، وقد نرى حرباً طويلة تستنزف الجيش والمليشيات والعشائر، لذا كان الأولى الهجوم على الموصل وليس الأنبار".
بالعودة إلى المعارك على الأرض، فقد وجّهت قوات التحالف ثماني ضربات عنيفة على مواقع قال الجيش العراقي إنها معسكرات لتنظيم "داعش"، فيما تتواصل المعارك في أكثر من مكان في الأنبار وبضراوة.
اقرأ أيضاً: العراق: انطلاق معركة تحرير الأنبار وقصف حكومي على الفلوجة