معبر رفح وغزة: هل مصر قادرة على فك الحصار؟

14 نوفمبر 2023
معبر رفح، مساء الأحد (علي مصطفى/Getty)
+ الخط -

جاءت دعوة الأزهر، كبرى المؤسسات الدينية في مصر والعالم الإسلامي، أمس الاثنين، للتحرك العاجل لكسر الحصار على قطاع غزة لا سيما المستشفيات، لتعيد الحديث مرة أخرى حول مدى استعداد وقدرة الحكومة المصرية على فتح معبر رفح البري، بشكل دائم أمام دخول المساعدات الإنسانية والوقود إلى قطاع غزة، من دون انتظار الإذن من سلطات الاحتلال الإسرائيلية.

وكان من ضمن قرارات القمة العربية ـ الإسلامية التي عقدت في الرياض، السبت الماضي، بند ينص على "كسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية"، إلا أنه حتى الآن لم يتم تنفيذ ذلك. وتواجه السلطات المصرية اتهامات بتشديد الخناق على قطاع غزة عبر معبر رفح، منذ فرض إسرائيل الحصار المطبق على القطاع في عام 2007.

ورأى المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، عبد الله الأشعل، أن "ما يجري يطرح تساؤلات حول مدى سيادة القاهرة على المعبر، رغم كونه أرضاً مصرية، فضلاً عن تساؤلات حول دور مصر في حصار القطاع، ليس الآن فقط، ولكن منذ سنوات طويلة".

واعتبر الأشعل في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التحكم الإسرائيلي المشدد في المعبر، يوهم بأن إسرائيل غدت المتحكم، ويجعل القاهرة وكأنها ضالعة ولو بشكل غير مباشر في إحكام الحصار على القطاع".

وعن الأوراق التي تملكها القاهرة لتخفيف الحصار عن غزة، أوضح الأشعل أن "منها سحب السفير المصري (خالد عزمي) للتشاور، وتجميد العمل ولو مؤقتاً باتفاقية السلام، أو بالاتفاقيات الأخرى الاقتصادية، ووقف كل أشكال التنسيق مع تل أبيب".

وشدد الدبلوماسي السابق على أن "مصر يمكنها بإرادة سياسية والتلويح بأن الخيارات مفتوحة، وقف هذا الحصار والإجرام، أما عدم توظيف الأوراق فهو أمر مثير للاستغراب".

مصر والقدرة على فك الحصار

في المقابل، رفض المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، معصوم مرزوق، الاتهامات الموجهة لمصر بالمشاركة في حصار غزة، واصفاً ذلك بـ"القصة التي لا أساس لها من الصحة، وترددها جهات مشبوهة تتماهي مع رغبة الكيان الصهيوني في محاولة إفساد العلاقات المصرية الفلسطينية، كما جرى من قبل، انطلاقاً من رغبة صهيونية في تخفيف الضغط عليها، وهي القوة المحاصرة للقطاع، بإيجاد مشاركين عرب مزعومين في الحصار".


عبد الله الأشعل: ما يجري يطرح تساؤلات حول مدى سيادة القاهرة على المعبر

وأضاف مرزوق في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "مصر لم ولن تكون أبداً جزءاً من الحصار، بل على العكس تبذل جهوداً مكثفة، وإن كانت غير مرئية لرفع الحصار عن غزة، وضمان انسياب المعونات إلى القطاع المحاصر.

كما أن دخول المعونات وإن كان بوتيرة أقل من المطلوب للقطاع، فقد نتجت من جهود شاركت فيها مصر بقوة، بل إن دبلوماسييها يقومون بجهود غير عادية تفنيداً للرواية الصهيونية، ما ساهم عبر السفارات المصرية في أميركا اللاتينية بدفع أربع دول هناك لقطع علاقاتها مع إسرائيل".

ولفت مرزوق إلى أن "مواقف مصر تحكمها التزامات، فليس هناك معنى لفتح معبر رفح بالقوة إلا الدخول في حرب مع إسرائيل"، موضحاً أن مصر "ليست بحاجة حاليا للدخول في حرب لم تختر موعدها، وليست مهيأة لها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة".

وتابع مرزوق: "الجميع يعرف موقفي من النظام المصري الحالي، لكن وصف مصر بالشريك في حصار غزة خطأ، انطلاقاً من حقيقة أن جميع مؤسسات الدولة المصرية تعتبر الدفاع عن غزة جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي، لذا كان موقفها واضحاً إزاء محاولات تصفية القضية الفلسطينية، وتهجير مواطني غزة إلى سيناء، والعمل لضمان دخول المعونات، وتخفيف الأعباء عن الفلسطينيين. بالتالي، إن جهود مصر تستهدف وقف العدوان على غزة انطلاقاً من إدراكها بأن توسع الصراع واشتعال حرب إقليمية موسعة قد يحرق الأخضر واليابس".

بيد أن مرزوق لم ينف "إمكانية استخدام مصر لورقة معبر رفح لتحقيق مصالحها، سواء لإقناع المقاومة الفلسطينية بتبني مواقف تراها مصر تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني، أو لتوظيفها ضد إسرائيل لكبح جماح التطرف الإسرائيلي، وحصار غزة، وكذلك التأكيد على محورية الدور المصري أمام القوى العالمية الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لتخفيف الضغوط عليها في ملفات عديدة وتأمين مصالحها". واعتبر ذلك "نهجاً براغماتياً تتعامل به كافة الدول والأنظمة وليس حكراً على مصر وحدها".

واتفق الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري، أحمد بهاء الدين شعبان، مع مرزوق، لكنه اعتبر أن القاهرة "لم تتخذ خطوات قوية لردع العدوان وتخفيف الحصار، مثل سحب السفير المصري من تل أبيب، ومطالبة السفيرة الصهيونية (أميرة أورون) بمغادرة القاهرة، وتجميد اتفاقية السلام وكافة أنواع الاتصالات مع إسرائيل، مع لهجة قوية بأن استمرار العدوان على غزة ليس مقبولاً جملة وتفصيلاً، فضلاً عن وقف جميع إجراءات التطبيع واستخدام ثقلها الدبلوماسي لدى الدول العربية لوقف خطوات التطبيع".


معصوم مرزوق: مصر ليست بحاجة حاليا للدخول في حرب لم تختر موعدها

وأضاف شعبان في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "الأوضاع السيئة التي تعاني منها مصر، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، وارتهان سياساتها الاقتصادية لضغوط صندوق النقد الدولي، هي ما تغل يد مصر عن التحرك بقوة، وتتيح للبعض كيل الاتهامات للقاهرة بالمشاركة في حصار غزة، رغم أن هذا الاتهام غير صحيح".

مصر أسهمت بدخول المعونات عبر معبر رفح

أما أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة الإسكندرية، أحمد فؤاد أنور، فأعرب عن دهشته من توجيه هذه الاتهامات إلى مصر بالمشاركة في حصار غزة، وأكد أن "الأولى توجيه السؤال لمحور المقاومة، ودوره في وقف العدوان وتخفيف الحصار".

وأضاف في حديثه لـ"العربي الجديد" أن مصر "تملك رؤية متكاملة للقضية بشكل عام، بدليل أنها أفشلت مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وسعت لتخفيف الحصار عن غزة، وجاءت بالأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريس) إلى المعبر، وأسهمت في دخول المعونات، ولا زالت تضغط لمضاعفة عدد الشاحنات المسموح بدخولها القطاع، فضلاً عن القيام بتحركات مكثفة لدى الدول المنحازة ضد القطاع والفلسطينيين، والضغط للتوصل لهدنة إنسانية مؤقتة، في مقابل ثمن يقدمه الفلسطينيون يجري التفاوض حوله لتحقيق هذه الهدنة".

وحول أسباب عدم قيام مصر باستخدام سلطاتها لإدخال المعونات عبر معبر رفح، أكد أنور أن مصر "لا ترغب في حشد الشاحنات فقط أمام معبر رفح وتصويرها وهي تعبر للقطاع، ولكن يهمها ضمان وصولها بشكل آمن للفلسطينيين، وتجنب قيام إسرائيل بقصفها".

ولفت إلى أن "عدداً من القوافل التي سيرت لرفع الحصار عن غزة عنوة، تعرضت للاعتداء واستمر الحصار على غزة ولم يصل شيء للشعب الفلسطيني".

من الناحية القانونية، أكد أستاذ القانون الدولي العام، الخبير في النزاعات الدولية، محمد محمود مهران، أن "من حق مصر فتح المعبر من جانبها، ولكن من المنطقي أن يتم التنسيق مع الهيئات الأخرى بناءً على اتفاقيات أوسلو الموقعة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية".

وقال مهران في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إن "معبر رفح يخضع لإشراف هيئة ثلاثية تضم ممثلين عن كل من مصر وإسرائيل والسلطة الفلسطينية. بالتالي فإن فتح معبر رفح يتطلب تنسيقاً بين هذه الأطراف الثلاثة، مع تولّي مصر إدارة وضبط الحدود على الجانب المصري من المعبر، وإسرائيل الإشراف على الجانب الفلسطيني من المعبر كون القطاع لا يزال تحت الاحتلال الإسرائيلي".

ولفت مهران إلى أن القانون الدولي "يلزم إسرائيل بفتح معبري رفح وكرم أبو سالم والسماح بمرور البضائع والمساعدات الإنسانية بشكل دائم ومنتظم، ما يستوجب رفع الحصار عن غزة، ووقف انتهاكها لهذه الالتزامات".