معادلة إماراتية لسد النهضة: الاستثمارات مقابل الحل النهائي

25 ابريل 2021
تعمل الإمارات على الاستثمار الزراعي في إثيوبيا (فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر دبلوماسية مصرية، أن الإمارات عادت، خلال الأيام الثلاثة الماضية، لطرق أبواب مصر والسودان، لإقناعهما بمنحها فرصة لتأدية دور الوسيط لحلحلة قضية سد النهضة الإثيوبي. وتركّز الإمارات هذه المرة على ملف الاستثمارات في المناطق المتنازع عليها بين السودان وإثيوبيا، فضلاً عن المساعدة في إقامة مشاريع للتنمية المستدامة بين البلدان الثلاثة. وترتبط المشاريع بتوليد الكهرباء من الطاقة المائية وطاقة الرياح في محيط سد النهضة، في ولاية بني شنقول - قمز، بالإضافة إلى تخصيص أراضٍ في المنطقة للزراعات الاستراتيجية لتوريدها إلى الإمارات ومصر.

وذكرت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن الإمارات، الراغبة في حماية استثماراتها التي تدفقت على إثيوبيا في السنوات الأخيرة والتي ستزداد بإنجاز مشروع سد النهضة، تحاول في الوقت نفسه ضمان استمرار النظام المصري في فلكها وعدم ابتعاده عنها، خصوصاً في ظل تقاربه الحالي مع تركيا. وترغب الإمارات أيضاً في قطع الطريق على إمكانية أن تحقق السعودية نجاحاً في التقريب بين الدول الثلاث لحلحلة الأزمة، في إطار محاولاتها المتعثرة أيضاً للوساطة، على ضوء التنافس السعودي الإماراتي إقليمياً على المفاتيح الاستراتيجية في منطقة القرن الأفريقي، وكذلك على الفرص الاستثمارية التي تعد بها إثيوبيا.

دولة الإمارات تستثمر في نحو 100 مشروع في إثيوبيا

 

ومنذ صعود أبي أحمد لرئاسة الحكومة الإثيوبية، عام 2018، اتخذ التنسيق مع الإمارات أبعاداً جديدة، شملت زيارات متبادلة بين المسؤولين الاقتصاديين ورجال الأعمال، ومشاركات متبادلة في المعارض الصناعية والزراعية الرسمية، وتدشين مشاريع تنموية بأموال إماراتية في المناطق الإثيوبية الأكثر احتياجاً. وزادت وتيرة إرسال المساعدات الطبية واللوجستية والغذائية، ونظمت غرف التجارة والصناعة الإماراتية حملات تعريفية بفرص الاستثمار في إثيوبيا، وزاد حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين على 2.252 مليار درهم (نحو 614 مليون دولار) في عام 2019، باعتبار أن السوق الإثيوبية أحد أسرع الاقتصادات الأفريقية نمواً بتعداد سكاني يصل إلى 110 ملايين نسمة، الأمر الذي يراه قادة أبوظبي ودبي فرصة واعدة لضخ الاستثمارات.

وبحسب تقرير حكومي إثيوبي، فإن الإمارات تستثمر في نحو 100 مشروع، تم تنفيذ 35 مشروعاً منها، مع استمرار التجهيزات لنحو 20 مشروعاً أخرى. وتتوزع هذه المشاريع في قطاعات المرافق والبنية التحتية والري والزراعة والصحة والصناعة والعقارات السكنية والسياحية والإنشاءات الحكومية والتعدين. ووقّعت الإمارات وإثيوبيا عام 2019 مذكرة تفاهم عسكرية لتعزيز التعاون في المجالات العسكرية والدفاعية بين البلدين، وقدّمت الإمارات آنذاك دعما يصل إلى 3 مليارات دولار عام 2018 كمساعدات واستثمارات.

وذكرت المصادر المصرية أن الإمارات التي بدأت في طرح معادلة الاستثمارات مقابل الحل النهائي في قضية سد النهضة منذ يناير/كانون الثاني الماضي، لاحظت التحفظ المصري والغضب في أجهزة مختلفة في القاهرة، بسبب الدعم الكبير الذي تقدمه لدولة هي حالياً ألد خصوم مصر الإقليميين. وما كان من القاهرة إلا أن اكتفت بترك المساحة للسودان للتعامل مع تلك العروض الإماراتية المبدئية، من دون انخراط رسمي فيها، مع استمرار مراقبة ما ستؤول إليه العروض. وبالتالي، لم تحضر الاجتماعات التي تمّت في هذا الإطار خلال الشهرين الماضيين في الخرطوم وأبوظبي.

وأوضحت المصادر أن تزامن هذا التوتر مع التقارب المصري التركي دفع الإمارات إلى تقديم تصورات أخرى خلال الأيام الثلاثة الماضية خلال اتصالات تحضيرية سرية، تتضمن ضمان تعظيم استفادة مصر من المشاريع التنموية والاستثمارات الإماراتية في المنطقة، وإدخال مصر شريكاً في بعضها. كما تعهّدت الإمارات بضمان عدم الإضرار بدولتي المصب (مصر والسودان)، وتقديم مساعدات أخرى للمصريين لإنجاز المزيد من المشاريع الداخلية لتلافي الأضرار الناشئة عن سد النهضة وتحسين إدارة المياه.

وأشارت المصادر إلى أن المقاربة الإماراتية الجديدة لا تتضمن، كما حدث في السابق، توقيع اتفاقيات مؤقتة أو إقامة آليات جديدة لتبادل المعلومات حول الملء والتشغيل، بل تركز على الوضع طويل الأجل، الذي بات الجميع في الدول الثلاث والقوى الإقليمية والدولية يؤمنون أنه سيستمر مأزوماً حتى في حالة توقيع اتفاق ملزم على قواعد الملء والتشغيل المستمر. ويستند هؤلاء إلى سوابق التفاف إثيوبيا على اتفاق المبادئ (الموقّع في مارس/آذار 2015) والمخرجات الأخرى السابقة من المفاوضات الثلاثية المباشرة، وما تلاها من مسارات تفاوض فاشلة برعاية الولايات المتحدة ثم الاتحاد الأفريقي.

مقاربة أبوظبي تقوم على أن الوضع الحالي سيستمر مأزوماً

 

واتضحت مؤشرات التوتر بين مصر والإمارات في الفترة الأخيرة، بعدما كانت لها مقدمات على مختلف الصعد في العامين الماضيين، اللذين شهدا شداً وجذباً مكتوماً بين القاهرة وأبوظبي على خلفيات سياسية واقتصادية عديدة. وأبرز الملفات الخلافية كانت طريقة التعامل مع الملف الليبي، في ظلّ اعتقاد المصريين أن المواقف الإماراتية ورّطتهم فيه لسنوات بلا طائل، وإقدام المستثمرين الإماراتيين على الانسحاب من مشاريع، خصوصاً في العاصمة الإدارية الجديدة، وسحب الاستثمارات التي كانوا قد وعدوا بها سابقاً أو التباطؤ في تطويرها، بحجة سوء الإدارة المصرية لها.

كما تقاعست الإمارات عن مد يد العون لمصر في أزمة كورونا، بالتباطؤ الواضح في إرسال اللقاحات، وتصاعد الحديث عن التعاون مع دولة الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ مشاريع تنموية لوجستية، ستؤثر سلباً على المقومات المصرية وأهمها قناة السويس. وحاولت الإمارات تجاوز حالة التوتر مع القاهرة، إعلامياً، بواسطة سياسة دعائية مكثفة عبر وسائل الإعلام المملوكة لها، لصالح الرئيس عبد الفتاح السيسي تروّج لإنجازاته وتهاجم معارضيه. غير أنه في الوقت ذاته؛ تؤدي هذه الوسائل دوراً مغايراً بنشر أنباء وشائعات تحاول تعطيل التقارب المصري التركي تحديداً، وتعيد التركيز على نقاط الخلاف، في الوقت الذي تظهر فيه القاهرة وأنقرة حريصتين، أكثر من أي وقت مضى، على إحراز تقدم في المفاوضات.