مظاهرات "حراك بالتريس الشبابي": تفاصيل يوم استثنائي في ليبيا

02 يوليو 2022
لم تشهد البلاد مثل هذه الاحتجاجات منذ سنوات (حازم تركية/ الأناضول)
+ الخط -

يوم استثنائي عاشته ليبيا، الجمعة، على وقع احتجاجات متزامنة في مدن متفرقة من الشرق والغرب والجنوب، لم تشهدها البلاد منذ سنوات.

ومع أن الاحتجاجات كانت قد دعت إليها تيارات شعبية التأمت تحت مسمّى "حراك بالتريس الشبابي" (التريس تعني الرجال)، منذ مطلع الأسبوع الماضي، للتعبير عن السخط على مظاهر التردي المعيشي، إلا أنها تزامنت مع حالة الانسداد السياسي التي وصلت إليها البلاد بعد إعلان البعثة الأممية، الخميس، عن تعثر تفاهم رئيسي مجلسي النواب عقيلة صالح، والدولة خالد المشري، على إطار دستوري للانتخابات المؤجلة منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، الأمر الذي صعّد من مطالب المحتجين لتصل إلى حدّ إسقاط كل الأجسام السياسية، والتوجه بأقصى سرعة إلى الانتخابات، بل واقتحام مقر مجلس النواب في طبرق.

وشملت التظاهرات مدن طرابلس، ومصراتة، وسرت، وبني وليد، وسبها، وطبرق، والبيضاء، وبنغازي، واجدابيا، وسلوق، وإن توحدت مطالبها حول إسقاط الأجسام السياسية الحالية، وتفويض المجلس الأعلى القضاء أو المجلس الرئاسي حلّها جميعاً، وإعلان حالة الطوارئ، والتعجيل بالانتخابات، وإخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة، ورفض العسكرة وتسلط المليشيات، بالإضافة لحلّ المختنقات المعيشية، كأزمة الكهرباء وغلاء الأسعار، إلا أن التعبير عنها جاء متبايناً.

ففي العاصمة طرابلس، تجمهر عدة آلاف بميدان الشهداء، حاملين صوراً رافضة لجميع القادة السياسيين والعسكريين والماليين، وأيضاً أمام مقر مجلس الوزراء، قبل أن يتفرقوا في أحياء المدينة، ويقوموا بإغلاق الطرقات وحرق إطارات السيارات، بعدما فرقتهم حراسات مقر مجلس الوزراء بإطلاق أعيرة نارية في الهواء.

أما في مصراته، فقد أقدم المحتجون على اقتحام مبنى البلدية، وأعلنوا العصيان المدني، وأغلقوا الطريق الرئيسي، وكذلك في بني وليد وفي سرت، غرب البلاد.

وفي شرق البلاد، اقتحم المحتجون مقر مجلس النواب، وقاموا بتكسير بوابته الرئيسية بواسطة جرافة، قبل إضرام النيران فيه. وفي البيضاء رموا صور اللواء المتقاعد خليفة حفتر المنتشرة في الطرقات بالحجارة، وأعلنوا رفضهم لحكم العسكر وعسكرة الدولة.

وفيما تمكنت أجهزة أمن تابعة لحفتر من منع عشرات المحتجين من التجمهر وسط مدينة اجدابيا، خلت ساحات بنغازي من المتظاهرين، باستثناء أفراد خرجوا في أحد ميادينها، أعلنوا عن تضامنهم مع المحتجين في المدن، لكن إحدى اللافتات التي حملوها كُتبت عليها عبارات تطالب بتفويض حفتر بحكم البلاد.

ووفقاً للناشط المدني المهجر من بنغازي عقيلة الأطرش، فقد تلقى عدد من الناشطين تحذيرات من أجهزة أمن حفتر إذا حاولوا إثارة الشارع وحثه على الخروج، مؤكداً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "أجهزة أمن حفتر نشرت أفرادها في لباس مدني في الساحات استعداداً لوأد أي تظاهرة تخرج عن سيطرتهم".

الدبيبة يضمّ صوته لصوت المتظاهرين

وفيما التزمت الحكومة المكلفة من مجلس النواب الصمت، حاول رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة التماهي والانحياز لمطالب المحتجين، حين غرّد عبر حسابه على "تويتر" في وقت متأخر من ليل أمس، قائلاً: "‏أضم صوتي للمتظاهرين في عموم البلاد. على جميع الأجسام الرحيل بما فيها الحكومة، ولا سبيل لذلك إلا عبر الانتخابات. والأطراف المعرقلة للانتخابات يعلمها الشعب الليبي، ونفسها التي عرقلت الميزانيات وأغلقت النفط والذي ساهم في تفاقم الأزمة المعيشية".

المجلس الرئاسي في انعقاد دائم حتى "تتحقق إرادة الليبيين"

بدوره، أعلن المجلس الرئاسي، اليوم السبت، أنه في حالة انعقاد مستمر ودائم "حتى تتحقق إدارة الليبيين في التغيير".

وقال المجلس، في بيان نشره المكتب الإعلامي، اليوم السبت، إنه "تابع الأحداث الأخيرة على كامل التراب الليبي"، مؤكداً أنه "في حالة انعقاد مستمرّ ودائم، حتى تتحقق إرادة الليبيين في التغيير، وإنتاج سلطة منتخبة يرضى عنها الليبيون". وتابع أن المجلس "لن يخيب آمال، وإرادة شعبنا بالعيش في دولة تنعم بالأمن والاستقرار الدائم".

ولم يوضح المجلس ما إذا كان بيانه هذا استجابة لمطالب المحتجين بإسقاط الأجسام السياسية، وتوليه قيادة البلاد للإشراف على المرحلة المقبلة.

وكان عضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي قد نشر تغريدة، في وقت متأخر من مساء أمس، مشابهة لبيان المجلس، قال فيها إن "المجلس تابع الأحداث الأخيرة، وهو في حالة انعقاد مستمر ودائم، حتى تتحقق إرادة الليبيين في التغيير، وإنتاج سلطة منتخبة".

وليامز: اقتحام مقر مجلس النواب "غير مقبول"

من جانب، آخر اعتبرت المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة للشأن الليبي ستيفاني وليامز أن اقتحام المحتجين لمقر مجلس النواب "غير مقبول"، ودعت في الوقت عينه إلى احترام حق الشعب في الاحتجاج السلمي.

وقالت وليامز، في تغريدة لها اليوم السبت، إن "أعمال الشغب والتخريب كاقتحام مقر مجلس النواب في وقت متأخر يوم أمس في طبرق غير مقبولة على الإطلاق"، مشيرة إلى أنه "من الضروري للغاية الحفاظ على الهدوء، وتعامل القيادة الليبية بمسؤولية تجاه الاحتجاجات، وممارسة الجميع لضبط النفس"، متابعة بقولها "ينبغي احترام وحماية حق الشعب في الاحتجاج السلمي".

إلى ذلك، تباينت مواقف رئاسة مجلس النواب وأعضائه، ففيما دانت رئاسة مجلس النواب، في بيان لها في وقت متأخر من ليل البارحة، ما حدث بمقر المجلس، واعتبرته جريمة يعاقب عليها القانون، طالب عضو مجلس النواب زياد دغيم بـ"استقالة جماعية للنواب، وتسليم الزمام للمجلس الرئاسي"، بحسب تصريح له لإحدى الفضائيات المحلية، ووافقه عضو مجلس النواب بلخير الشعاب، الذي رأى بدوره ضرورة اعترافهم بالفشل في حل الأزمة ومغادرة المشهد.

وفي المقابل، اعتبر جبريل اوحيدة، الموالي لحفتر، اقتحام المجلس "جريمة مدفوعة الأجر"، ودعا النواب لعقد جلسات المجلس في مدينة بنغازي "لأنها آمنة"، برئاسة جديدة، محمّلاً رئيس المجلس عقيلة صالح مسؤولية الإخفاق السياسي، داعياً إياه للتنحي.

ولا يستبعد الأطرش تدخل المجلس الرئاسي، خصوصاً بعد تصريح لرئيسه محمد المنفي، الأسبوع الماضي، أشار فيه لإمكانية "تدخل المجلس، واستخدام سلطته السيادية، في حال فشل لقاء عقيلة والمشري".

وكان المشري وعقيلة قد فشلا في تحقيق توافق تام على تعديل مواد مسودة الدستور، بعد سلسلة اجتماعات انتهت الخميس في جنيف، برعاية أممية، وجاء الفشل بسبب "خلاف حول ترشح مزدوجي الجنسية لسباق الرئاسة، والاستقالة من المناصب قبل الترشح"، ما جعل الكثير من المراقبين يعتقدون بوقوف حفتر وراء فشل اللقاء.

ووفقاً لرأي رئيس حزب الائتلاف الإصلاحي شعبان بن نور، فإن الاحتجاجات لن تتمكن من تغيير الواقع السياسي، فـ"قادة الأجسام السياسية أصبحت لديهم خبرة في التلون والتشكيل مع كل متغير ومرحلة، وقريباً سنرى تصريحات وبيانات تشبه تغريدة الدبيبة".

ويوضح بن نور في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الأزمة ليست في الأجسام السياسية، بل بمن يحميهم ويرتبط معهم بمصالح، وأعني المسلحين بمختلف مسمياتهم في البلاد"، لافتاً إلى أن "طبرق خالية من المسلحين، ولو اقتحم المحتجون في طرابلس مقر مجلس الدولة أو مجلس الوزراء لرأينا إطلاق الرصاص المباشر عليهم، وكذلك في بنغازي التي يحكمها حفتر".

وتساءل بن نور "أين مواقف العواصم الدولية والإقليمية التي كانت تتابع سفاراتها أصغر الأحداث في البلاد، وأين الأمم المتحدة؟"، قائلاً: "أعتقد أن هذا الصمت سيحبط الشارع، وستنتهي الاحتجاجات لشعار يستغله كل طرف في تصريحات، تماماً كاستغلالهم لتسجيل 2.8 مليون ناخب في منظومة الانتخابات، مع أنهم هم الذين يعرقلون رغبة الناخبين".

لكن الأطرش يرى أن الحكم على نتائج خروج الشارع لا يزال مبكراً، مشيراً إلى أن "الناشطين دعوا إلى استمرار الاحتجاجات وتصعيد المطالب".

وفي وقت متأخر من ليل أمس الجمعة، أعلن "تيار بالتريس الشبابي" عزمه على الاستمرار في "مواصلة مشوار التظاهر السلمي حتى آخر رمق، إلى حين تحقيق أهدافنا"، مؤكداً رفضه "المساومة أو الاستغلال لتغيير مسار هذه الانتفاضة الشبابية".

وقال، في بيان نشره على صفحته على "فيسبوك": "لم يعد لدى الشباب رصيد من الصبر تجاه الوضع المتردّي، وإن لم تلبَّ المطالب في وقت قريب، فإن كافة وسائل التعبير السلمي عن الرأي متاحة أمامنا، بما فيها العصيان المدني التام".

وطالب التيار "جميع الأجهزة الأمنية والعسكرية في ليبيا بضرورة احترام حقنا الشرعي المكفول قانوناً، ووفق المسودة الدستورية في التعبير السلمي والتظاهر".

ويقول الأطرش إن "الأطراف الخارجية لها حساباتها، وأكثر ما تخشاه تفجر الشارع وخروجه عن السيطرة، فهي تخشى الفراغ الحكومي، فضلاً عن الفراغ السياسي إذا اتسعت دائرة الاحتجاج وأرغمت الأجسام السياسية على المغادرة".

وفيما يعبّر الأطرش عن خشيته من المواجهة الخشنة من جانب المسلحين في طرابلس وبنغازي للتظاهرات إذا اشتدت واتسعت رقعتها، يتوقع موقفاً دولياً وشيكاً يتم خلاله الضغط، من بوابة الأمم المتحدة، للدفع نحو إجراء انتخابات قريبة بأي صيغة، وتحت أي جسم ولو كان المجلس الأعلى للقضاء.

المساهمون