على الرغم من إصدار حكومة إقليم كردستان العراق، بياناً، أكدت فيه أن الطوابع البريدية التي انتشرت أخيراً وتمثل زيارة البابا إلى العراق غير رسمية، ولم يتم المصادقة عليها وقدمت من قبل مصممين وهواة، إلا أن عاصفة الجدل داخل القوى السياسية العراقية وخاصة في كركوك ما زالت متواصلة.
وأثار أحد تلك الطوابع البريدية الجدل واسعاً إذ ظهرت في الطابع خلف صورة البابا فرنسيس خارطة تمثل كردستان وضمت مدناً عراقية مثل كركوك ونينوى وكذلك مدنا داخل تركيا وإيران وهي الخارطة نفسها التي تتبناها حركات قومية كردية ضمن ما يطلقون عليه دولة كردستان الكبرى.
واعتبر المتحدث باسم "المجلس العربي" في كركوك، حاتم الطائي، في تصريح صحافي، اليوم الجمعة، الطابع الذي صدر في الإقليم خلال زيارة البابا بأنه "انفصالي كونه كان يحمل خارطة كردستان الكبرى خلف صورة البابا، ويضع محافظتي نينوى وكركوك ضمن خارطة الإقليم"، رافضاً عد كركوك "جزءًا من كردستان".
وأشار إلى أن إقليم كردستان جزء من الدولة العراقية، وأن "عملية إصدار الطوابع يجب أن تكون من خلال وزارة النقل في الحكومة الاتحادية"، مبدياً اعتراضه على ما وصفه "محاولات زج محافظتي كركوك ونينوى في الصراعات الإقليمية والدولية".
في المقابل، اتهم عضو البرلمان السابق والقيادي في الجبهة التركمانية، نيازي معمار أوغلو، حكومة إقليم كردستان بأنها "تروج منذ سنوات لمثل هذه الخارطة"، مبيناً خلال حديث أوردته محطة تلفزيون محلية عراقية بأن "نشر الطابع البريدي لم يكن عفوياً، بل مخطط له". وطالب البرلمان العراقي بـ"التحقيق وعدم السكوت تجاه هذا الموضوع الحساس".
وخلال زيارة البابا فرانسيس إلى إقليم كردستان، وإقامة قداس في ملعب فرانسوا حريري، وسط مدينة أربيل، كشفت منظمات مدنية في الإقليم عن عدد من الطوابع البريدية التي تحمل صورة البابا من بينها واحد يحمل خارطة لحدود "دولة كردستان" ضمن حدود العراق، وتركيا، وإيران، وسورية.
وأعقب انتشار الطوابع موجة رفض خصوصا من تركيا وإيران، إذ سجلت وزارة الخارجية التركية اعتراضها على الطابع الذي تضمن خارطة تشمل مناطق تركية، مطالبة سلطات الإقليم بتصحيح هذا الخطأ.
كما عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، عن استياء بلاده من الطابع الذي صدر في إقليم كردستان، موضحاً أنه يتعارض مع الأسس والقواعد الدولية، وبين أن إيران تسجل احتجاجها وتطالب بسحب الطابع وتصحيح هذا الإجراء الذي وصفه بـ "غير الودي" فوراً.
ورداً على ذلك، أكد المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان العراق، غوتيار عادل، أن الطابع غير رسمي ولم يعتمد، مضيفاً في بيان رسمي صدر عن الإقليم أن "فنانين قدموا نماذج تصاميم طوابع مقترحة لطباعتها بمناسبة زيارة بابا الفاتيكان إلى العراق"، مضيفاً "لغاية الآن لم يعتمد أي من هذه النماذج".
وهو ما أكده قيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم بالإقليم لـ"العربي الجديد"، مؤكداً في اتصال هاتفي معه أن "الطوابع عادة ما تتم من خلال مسابقة تصاميم للفنانين والهواة وتعتمد فيما بعد الحكومة بأربيل أيهما أنسب وهذا الأمر معروف منذ سنوات طويلة، لكن تم استغلال القضية للتنكيل بحكومة أربيل".
ولفت إلى أن "الخارطة الموجودة فعلاً تمثل مناطق أكثرية للقومية التركية وهو أمر غير خاف على أحد وفي الدول الأربع العراق وسورية وتركيا وايران مزقتها سايكس بيكو قبل مائة عام وطروحات كثيرة بشأن ذلك لكتاب ومفكرين كرد، لكن هذا لا يعني أن حكومة الإقليم تبنته بشكل رسمي ولا يمكن تحميلها مسؤولية أي رسم أو تصميم يصدر بشكل غير رسمي".
لكن عضو التيار المدني العراقي أحمد غالب قال إن "أوضاع العراق لا تحتمل إثارة مثل هذه القضية"، منتقداً في حديث لـ "العربي الجديد"، نشر الخارطة، الذي يشير إلى وجود "رغبة واضحة لدى من يقف وراءها بالانفصال".
وأوضح أن إقليم كردستان سبق أن جرب محاولة الانفصال قبل نحو 4 سنوات، ولم يتحقق ذلك، مضيفاً "بل أنه خسر كثير من المكاسب التي حصل عليها بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأميركية عام 2003".
وضمن مواقف اعتبرت ذات أبعاد انتخابية داخل الإقليم، اعتبر سكرتير "الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني"، محمد حاج محمود، وجود خارطة كردستان على الطابع البريدي الذي صدر أثناء زيارة البابا بأنه "أمر جيد"، مطالباً في مؤتمر صحافي مواطني إقليم كردستان بمساندة هذه الخطوة.
واعتبر أن "على الجميع التعبير عن رأيه وموقفه دون الاهتمام لرأي أحد، أو الخشية من أحد".
يذكر أن سلطات إقليم كردستان سبق أن أجرت في سبتمبر/ أيلول 2017 استفتاء شعبياً للانفصال عن العراق، ما تسبب بموجة رفض واسعة في تركيا وإيران وبغداد، وأغلقت رداً على الخطوة الأجواء والحدود البرية مع الإقليم بينما أطلقت بغداد حملة عسكرية واسعة تجاه كركوك ومدن بلدات أخرى تصنف على أنها متنازع عليها انتهت بإبعاد البيشمركة منها بشكل نهائي، قبل أن تضطر أربيل إلى الإعلان عن تجميد مشروع الاستفتاء بشكل كامل وإجراء تغييرات في الإقليم انتهت باستقالة مسعود البارزاني من رئاسة الإقليم وتعيين نيجيرفان البارزاني بدلاً عنه.