في 12 يوليو/تموز الحالي، نشرت الجريدة الرسمية في مصر (الوقائع المصرية)، في عددها رقم 151، قرار محكمة جنايات القاهرة الدائرة 12 جنوب إعادة إدراج عدد من الإعلاميين ومقدمي البرامج المصريين في قائمة جديدة للإرهاب مدة خمس سنوات، مع ما يترتب على ذلك من الآثار القانونية التي تضمنتها المادة 7 من قانون الكيانات الإرهابية. وحملت القضية الجديدة رقم 1 لسنة 2023، المنسوخة من القضية رقم 760 لسنة 2017، ما يعني أن هذا الإدراج هو تجديد لقرار سابق صدر في عام 2017 ولمدة خمس سنوات انتهت فعلياً، ومن ثم جرى تجديد الإدراج لخمس سنوات إضافية، وهو ما اعتبره حقوقيون وقانونيون استمراراً لسياسة التنكيل بمعارضي النظام.
أغراض مسيّسة لـ"قوائم الإرهاب"
وتعليقاً على القرارات الأخيرة بالإدراج على قوائم الإرهاب، قال رئيس محكمة سوهاج السابق المستشار محمد سليمان، في حديث لـ"العربي الجديد": "هذه الأحكام المتعلقة بوضع المئات على قوائم الإرهاب لا يمكن وصفها إلا بكونها قرارات مسيّسة غير مبنية على سند قانوني ودستوري حقيقي، ولها أغراض لا علاقة لها بالقانون وإجراءات التقاضي الطبيعية السليمة".
من 2015 إلى 2023، رصدت منظمات حقوقية إدراج نحو 5314 شخصاً على قوائم الإرهاب
وتابع: "هي أولاً لم تحظ بإجراءات قانونية سليمة ولم يحصل هؤلاء ومحاموهم على فرصة الاطلاع أو الاعتراض أو المشاركة في العملية القانونية بأي وسيلة، وبالتالي لا تحمل أي صبغة دستورية". وأضاف أن "تلك الأحكام ليس لها سوى هدف سياسي، وهو ترهيب تلك الشخصيات والكيانات، ومحاصرتها حتى لا تنخرط في أي نشاط سياسي، وبطبيعة الحال، لا يمكن لأي بلد في العالم أن يتعامل معها بجدية".
وفي السياق، قال المدير الإقليمي للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا الحقوقي والمحامي مصطفى عزب، لـ"العربي الجديد": "تعتبر قوائم الإرهاب انتهاكاً كبيراً من الناحية القانونية والأخلاقية. فعلى الرغم من وجود قانون مكافحة الإرهاب في مصر، الذي ينص على ضرورة تجميد أموال الأفراد والكيانات المشتبه فيها بالارتباط بالإرهاب، إلا أن القانون يشرعن العديد من الجرائم بحق المعارضين، ولم تكن تلك القوائم منذ بدايتها إلا عصفاً بحقوق الإنسان والحريات الأساسية".
وأضاف عزب: "على الرغم من أنه قد يكون هناك أفراد وكيانات فعلاً مرتبطين بأعمال إرهابية، إلا أن قوائم الإرهاب في مصر لم تضم إلا العديد من النشطاء والمعارضين السياسيين، بشكل يؤكد عبثية هذه القوائم واستخدامها لتكميم الأصوات المناهضة للحكم".
وشدّد عزب على أن قوائم الإرهاب "تمثل انتهاكاً صريحاً للحقوق والحريات الأساسية للأفراد التي تشمل الحق في التعبير وحرية الفكر والتجمع". وأضاف: "على سبيل المثال، يجرى تجميد أموال الأفراد ومصادرة ممتلكاتهم من دون توجيه تهمة محددة أو منحهم فرصة للدفاع عن أنفسهم، وهذا انتهاك واضح لمبادئ العدالة".
غياب ضمانات العدالة
من جهته، قال رئيس برنامج حقوق الإنسان في معهد الدوحة للدراسات معتز الفجيري، لـ"العربي الجديد": "كانت مصر من أوائل دول المنطقة العربية التي توسعت في استخدام قوانين الإرهاب منذ منتصف التسعينيات، بشكل يتجاوز الحدود التي وضعت من أجلها، وقد تلقّت السلطات المصرية انتقادات متكررة من الأمم المتحدة تتعلق بالتعريف الواسع والغامض للجريمة الإرهابية بالصلاحيات التعسفية التي تقدّمها هذه القوانين للأجهزة الأمنية".
وأضاف: "استغلت السلطات المصرية قوانين مكافحة الإرهاب بشكل شديد الفجاجة منذ عام 2015، وأدخلت تعديلات متكررة على هذه القرارات، أدت إلى تشوه في ضمانات عدالة المحاكمات والتحقيقات الجنائية، وأدخلت قيوداً واسعة على حريات التعبير والتنظيم والتظاهر السلمي".
وأكد الفجيري أن "وضع آلاف الأشخاص في قوائم الإرهاب، أو اتهامهم في جرائم ذات صلة بالإرهاب مقابل ممارسة نشاط سياسي أو مدني سلمي، أمر غير مسبوق بين دول العالم". ولفت إلى أن "هذه الاتهامات الجماعية غير منطقية من الناحية الإجرائية، حيث يستحيل أن تكون السلطات قد قدمت تحريات وأدلة ملموسة ضد جميع هؤلاء الأشخاص، خصوصاً أن كثيراً من الأسماء التي أعلنت في هذه القوائم من المعروفين بعملهم السلمي في العمل العام السياسي أو الإعلامي أو الحقوقي".
معتز الفجيري: الاتهامات الجماعية غير منطقية من الناحية الإجرائية
ورأى الفجيري أن "هذه الترسانة من قوانين مكافحة الإرهاب التعسفية، ابتذلت جدية محاربة الإرهاب في مصر، وأنهكت أجهزة الأمن في الملاحقات ذات الطابع السياسي، بحيث لم يعد ضحايا قوانين الإرهاب الإرهابيين الذين وضعت هذه القوانين لمواجهتهم". وبرأيه، فإن "هذه الممارسات التعسفية تفقد الثقة والمصداقية لسياسات مكافحة الإرهاب في مصر والثقة بإجراءات وأحكام القضاء المصري على المستوى الدولي".
وفي 11 مايو/أيار الماضي، نشر عدد الجريدة الرسمية المؤرخ بتاريخ 16 إبريل/نيسان 2023، والذي لم يُنشر إلا بعد قرابة شهر من تاريخه، نصّ قرار محكمة الجنايات الصادر في 12 إبريل، بالموافقة على مدّ الطلب رقم 5 لسنة 2018، بإدراج 1526 شخصاً على قوائم الإرهاب لمدة 5 سنوات إضافية، أغلبهم في القضية رقم 620 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا.
القائمة ضمّت أسماء وافتها المنية قبل سنوات، مثل الرئيس الراحل محمد مرسي، الذي توفي داخل محبسه في 2019، والرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي، الذي توفي في سبتمبر/أيلول 2022.
القائمة ضمّت أيضاً الناشطة الحقوقية عائشة خيرت الشاطر، المحتجزة حالياً بموجب حكم بالحبس 10 سنوات من محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، ونائب رئيس حزب مصر القوية محمد القصاص، المحكوم عليه بالسجن 10 سنوات في القضية رقم 440 لسنة 2018، فضلاً عن الصحافي هشام جعفر، والحقوقي أحمد عماشة.
وفي منتصف إبريل الماضي، جرى إدراج 81 مواطناً مصرياً بينهم حقوقيون ونشطاء سياسيون، على قوائم الإرهاب.
رامي شعث: النظام يستخدم تلك القوائم لحصار من هم داخل مصر حتى بعد الإفراج عنهم
كما سبق أن أضيف البرلماني السابق زياد العليمي والناشط رامي شعث إلى قوائم الإرهاب في إبريل 2020. وبالمثل، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أُدرج الناشط السياسي علاء عبد الفتاح والمحامي الحقوقي محمد الباقر على القوائم نفسها. وفي سبتمبر 2021، جرى ضم الحقوقية هدى عبد المنعم، عضو التنسيقية المصرية للحقوق والحريات لقوائم الإرهاب، ومن بعدها عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية في مايو 2022.
ومنذ صدور قانون الكيانات الإرهابية رقم 8 لسنة 2015، وحتى 30 مارس/آذار 2023، رصدت منظمات حقوقية إدراج نحو 5314 شخصاً على قوائم الإرهاب.
وتعليقاً على تلك الأحكام، قال الناشط السياسي رامي شعث لـ"العربي الجديد": "فكرة (قوائم الإرهاب)، التي ابتدعها النظام المصري قبل سنوات، فكرة مهينة للمواطن من ناحية وللدولة ومؤسساتها من ناحية أخرى، فهذه القوائم لا يُعتد بها في أغلب دول العالم، باستثناء بعض الدول العربية الداعمة للنظام المصري، ولا يُنظر إليها إلا باعتبارها أحد أسلحة النظام لترهيب خصومه ومعارضيه من كتّاب ونشطاء وحقوقيين وإعلاميين وسياسيين".
وتابع: "هي إحدى أدواته لملاحقة هؤلاء الخصوم بلا أي سند قانوني أو دستوري، ليس داخل مصر فحسب بل حتى خارجها، وكأنه ترهيب عابر للقارات". وأضاف شعث أن "النظام يستخدم تلك القوائم كذلك لحصار من هم داخل مصر حتى بعد أن يُفرج عنهم، فيُبقي على أسمائهم في تلك القوائم لمنعهم من ممارسة أي نشاط سياسي".