مصر وتركيا: هل يصل التنسيق إلى أزمة سد النهضة؟

18 ابريل 2023
سامح شكري وجاووش أوغلو في أنقرة، 13 إبريل (آدم ألتان/فرانس برس)
+ الخط -

سعت مصر لانتزاع أي مكسب بشأن الوضع في ليبيا قبيل الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري، الخميس الماضي، إلى تركيا، والتقى خلالها نظيره التركي مولود جاووش أوغلو. وعلمت "العربي الجديد" أن المسؤولين عن الملف الليبي من الجانب المصري "أجروا اتصالات مكثفة مع رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا، قبيل زيارة شكري إلى أنقرة، بهدف التوافق على رؤية مشتركة يجرى طرحها من الجانب المصري على المسؤولين في تركيا، في الوقت الذي تشهد فيه علاقة القاهرة بالمبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي توتراً بالغاً".

وأكدت مصادر دبلوماسية أن "هناك حالة غضب مصري تجاه المبعوث الأممي"، مرجعة ذلك إلى "عرض الأخير رؤيته لحل الأزمة الليبية على مجلس الأمن الدولي بشكل مسبق من دون عرضها ومناقشتها مع القاهرة، باعتبارها إحدى العواصم المؤثرة في الأحداث هناك".

وكشف باتيلي، في 11 مارس/آذار الماضي، عن ملامح مبادرته الجديدة، التي تستهدف توسيع الحوار بين الأطراف الليبية، لتجاوز حالة الركود الراهنة والدفع نحو إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال العام الحالي. وطرح باتيلي فكرة تشكيل لجنة ليبية رفيعة المستوى للانتخابات بتشجيع من الأمم المتحدة، لاستكمال تقدم العملية الديمقراطية، والذهاب نحو إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في ليبيا قبل نهاية 2023.

قناعات مصرية بشأن ليبيا

وقال مصدر دبلوماسي مصري لـ"العربي الجديد" إن "هناك قناعة تامة لدى القاهرة في الوقت الحالي بأن أنقرة لن تقدّم أي تنازل على صعيد الملف الليبي"، مشيراً إلى أن المسؤولين في مصر "يدركون جيداً أن أنقرة لن تفرّط في وجودها في ليبيا، بل وسيطرتها على المشهد بشكل كامل في غرب ليبيا، كونه هو الضمانة الوحيدة لمصالحها في البحر المتوسط".

مصادر دبلوماسية: هناك حالة غضب مصري تجاه المبعوث الأممي إلى ليبيا

وأضاف المصدر أن القاهرة "وفقاً لتلك القناعة، بدأت في الحديث عن ضمانات بعدم تهديد مصالحها في ليبيا فقط، مع إمكانية التوصل إلى اتفاقات وشراكة هناك في مرحلة لاحقة، بعد استقرار العلاقات بين البلدين".

وأكد المصدر أن "السبب الرئيسي في استباق القاهرة زيارة شكري إلى أنقرة بلقاءات واتصالات مع أطراف ليبية، من بينها باشاغا ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح و(اللواء المتقاعد) خليفة حفتر، هو التأكيد على الحضور المصري الفاعل شرقي ليبيا". وأوضح أن وزير الخارجية التركي "عرض خلال لقاء شكري توسيع نطاق التعاون بين البلدين في ليبيا، وهي صيغة تقبل بها القاهرة"، مؤكداً أن "الحديث عن الوجود العسكري التركي غربي ليبيا لم يعد له مجال في الوقت الراهن من جانب مصر".

وأكد جاووش أوغلو، بعد محادثاته مع شكري في أنقرة الخميس الماضي، أن بلاده "ستتعاون بشكل أوثق مع مصر في ما يتعلق بليبيا". وأضاف خلال مؤتمر صحافي مشترك أنه "جرى التحدث عن ليبيا، ورأينا أنه لا توجد ملفات خلافية كبيرة فيما بيننا بخصوص الملف الليبي، ونحن معنيون بإجراء الانتخابات"، متابعاً: "اتفقنا على العمل مع مصر بشأن حلّ الأزمة في ليبيا".

من جهته، قال شكري: "بخصوص ليبيا، لدينا رغبة مشتركة في تحقيق المؤسسات الليبية مسؤولياتها وصولاً إلى انتخابات تحقق طموحات الشعب الليبي، وفي الوقت ذاته تحفظ وحدة البلاد".

وفي الإطار، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة صقريا في تركيا خيري عمر، لـ"العربي الجديد"، إن "الأزمة في ليبيا متعددة الأطراف، سواء بين المكونات الليبية الداخلية أو عناصر التدخل الأجنبي، فليبيا تخضع لحالة تدخل دولي كثيفة لا تتوقف فقط على وجود تركيا أو دول الجوار، فهناك تدخلات من روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي". وأضاف: "لدينا تساؤل رئيسي، كيف قدّرت مصر وتركيا المخاطر والفرص في الملف الليبي؟".

ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن "مصر هي دولة جوار وحدود، ولديها مخاطر أمنية واسعة، مرتبطة بالتدخل العسكري متعدد الأطراف والقوات العسكرية المختلفة، وعدم وجود جيش وطني قوي في ليبيا، إلى جانب مخاوف من القدرة على نقل السلاح عبر الحدود المصرية - الليبية، كما حدث بكثافة في الفترة من 2011 إلى 2013".

واعتبر عمر أن "وجود عدد كبير من الدول المتدخلة في الشأن الليبي جعل المسألة الليبية متقاسمة بين أطراف عدة، وهذا الأمر أضعف موقف مصر ولم يعد لها ثقل في إدارة هذا الملف". أما عن الوجود التركي في ليبيا، فجاء، بحسب رأيه، "في غضون الحرب على طرابلس 2019 من أجل وقف زحف قوات خليفة حفتر ومنعه من الوصول إلى طرابلس، وتعتبر تركيا وجودها غير مخالف للقوانين لأنه حدث باتفاق، بعكس قوات فاغنر (شركة المرتزقة العسكريين الروس) على سبيل المثال".

وأكد أستاذ العلوم السياسية أن "هناك خسائر مشتركة لمصر وتركيا في هذا الملف، لذا يجب تجاوزه". وأضاف أنه "يمكن تلخيص النقاط الخلافية، في المرحلة الآنية، في رغبة مصر في تنفيذ قرار انسحاب القوات الأجنبية من الأراضي الليبية، والخلاف حول تكييف الانتخابات المقبلة، ومن الطرف الذي سيصل إلى السلطة، فالجانب المصري يميل إلى ضبط العملية الانتخابية بشكل يضمن عدم وقوع صراعات مستقبلية". ولفت كذلك إلى "وجوب الإشارة إلى أنه كما أن هناك خسائر مشتركة، فهناك فرص مشتركة للجانبين التركي والمصري، وقد تحل الانتخابات الليبية المشكلات العالقة في حال نجاحها، كما يمكن أن نشهد تدريباً عسكرياً مشتركاً للقوات الليبية".

دبلوماسي مصري: تحولات كبرى على صعيد التعاون بين أنقرة والقاهرة قد تحدث عقب الانتخابات التركية

من جهته، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا أحمد حسن، لـ"العربي الجديد"، إن "تفاهمات حصلت في الملف الليبي في الفترة الأخيرة، انعكست آثارها على نوع من المرونة التي أبدتها حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، والتوصل إلى اتفاق وقاعدة دستورية لإجراء انتخابات خلال العام الحالي".

وبرأيه، فإن "هذا الأمر لن يحدث إلا في حال توحيد الجيش الليبي، وهو الحديث الجاري هذه الفترة". ولفت إلى أن "المبعوث الأممي قام بجولة إلى تشاد والنيجر والسودان، لمحاولة إخراج قوات المرتزقة من الأراضي الليبية، سواء الموجودة مع قوات حفتر أو مع قوات الوحدة الوطنية، ومن المفترض أن تبدأ لجنة 5+5 المشتركة عملها لتوحيد القوات المسلحة الليبية، ولو حدث هذا الأمر فستنسحب المليشيات ومن بينها القوات التركية".

ورأى حسن أن نجاح هذه الخطوة وإمكانية توحيد الجيش وإجراء انتخابات "تتوقف على حسن نوايا الأطراف الليبية في المقام الأول، وحسن نوايا الداعمين الخارجيين لهذه الأطراف، وإلا فستكون الانتخابات عملية غير معترف بها كما حدث في عام 2014".

سدّ النهضة بين القاهرة وأنقرة

وفي سياق آخر، قال دبلوماسي مصري آخر لـ"العربي الجديد" إن الفترة المقبلة "ربما تشهد مفاجآت على صعيد العلاقة بين القاهرة وأنقرة"، مضيفاً أن "هناك تحولات كبرى على صعيد التعاون بين البلدين قد تحدث عقب الانتخابات الرئاسية التركية، المقررة في مايو/أيار المقبل، والتي سيعقبها لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان حال فوز الأخير".

وأوضح الدبلوماسي المصري أن "هناك رغبة لدى القاهرة في الاعتماد على أنقرة في ملف أزمة سد النهضة الإثيوبي، في ظلّ حالة الخذلان من موقف الأطراف العربية صاحبة التأثير على الحكومة الإثيوبية".

أظهرت أنقرة حماسة لأداء دور في ملف أزمة سد النهضة، بحسب دبلوماسي مصري

وأكد الدبلوماسي أن أجندة اللقاءات الماضية بين مسؤولي البلدين "شهدت طلباً مصرياً مباشراً في هذا الإطار، وهو ما أبدت أنقرة استعداداً مبدئياً بشأنه، ضمن خطوات عملية جادة تقود إلى حل يرضي جميع الأطراف، ويراعي الملاحظات المصرية، حيث تعتبر تركيا صاحبة ثاني أكبر استثمارات أجنبية في إثيوبيا، وتربطها علاقات وثيقة بالحكومة هناك". ولفت الدبلوماسي المصري إلى أن "الحماسة التركية لأداء دور في ملف أزمة سد النهضة جاءت مقترنة بحديث بشأن دور مصري مرتبط بأزمة شرق المتوسط، سواء من منطلق علاقة القاهرة الوثيقة مع اليونان، أو من خلال بدء مشاورات جادة بشأن تعيين الحدود البحرية".

من جهته، رأى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عصام عبد الشافي أن "تعدد الزيارات وتبادل اللقاءات على مستويات متعددة، سياسية واقتصادية، بين مصر وتركيا، من شأنه أن يساهم في تخفيف حدة التوتر وزيادة وتعميق المناقشات بينهما، لكن هناك معوقات حقيقية تواجه الطرفين، وما يسعى كل طرف إلى تحقيقه من الطرف الآخر".

وأضاف عبد الشافي: "إذا كانت السلطة في مصر تريد من تركيا إغلاق ملف المعارضة السياسية المصرية في تركيا، فقد تحقق هذا بشكل كبير خلال العامين الماضيين، حيث تراجع النشاط والحضور والتأثير السياسي والإعلامي الكبير لقوى هذه المعارضة في تركيا". وتابع: "أما إذا كانت مصر تريد وساطة تركيا في ملف السد الإثيوبي، فأعتقد أن هذا صعب إن لم يكن مستحيلاً، لأن هذا ليس قراراً خاصاً بتركيا، وتتداخل فيه العديد من الأطراف الإقليمية والدولية، إلى جانب أن السد أصبح واقعاً فعلياً ومن المستحيل التراجع الإثيوبي عنه". واعتبر في هذا السياق أن "ما يمكن تحقيقه هو التفاوض حول مزيد من التنسيق المصري الإثيوبي الفني والتنظيمي حول كيفية تخفيف الآثار والاستفادة من مخرجات المشروع".

المساهمون