مصر وتركيا: رؤى مختلفة داخل نظام السيسي

14 مارس 2021
يناقش مستشارو السيسي وبن زايد طريقة التعاطي مع الإيجابية التركية (فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر دبلوماسية مصرية وأوروبية في القاهرة، أمس السبت، أن مناقشات تجري منذ يومين بين دائرة الرئيس عبد الفتاح السيسي وقيادات استخباراتية ودبلوماسية مع مساعدين لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، حول طريقة التعاطي مع التصريحات التركية التي تحمل مؤشرات إيجابية تجاه مصر والسعودية والإمارات وفرنسا، بالتوازي مع المناقشات التي تدور في المجال ذاته بين القاهرة وباريس.

وعن تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته مولود جاووش أوغلو، أول من أمس الجمعة، أن هناك اتصالات دبلوماسية واستخباراتية قائمة منذ بضعة أيام بين القاهرة وأنقرة لاستكشاف سبل تطوير العلاقات بين البلدين، وصفت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد" الاتصالات بأنها أقل اتساعاً وتأثيراً حتى الآن مما تعكسه التصريحات التركية، التي تتعمد بث إشارات تفاؤلية لأسباب إقليمية ودعائية. وفي المقابل، فإن تلك التصريحات أعمق مما عكسه البيان المصري المتحفظ الذي صدر مساء أول من أمس الجمعة، واضعاً بعض الشروط للارتقاء بمستوى العلاقات، نافياً أن تكون مجمدة، ومؤكداً وجود أواصر مشتركة بين الشعبين. بعض هذه الاتصالات، بحسب المصادر، كان مباشراً على مستويات محدودة، والبعض الآخر غير مباشر من خلال عواصم غربية "حريصة على علاقاتها بالدولتين"، ولم يتم خلالها التطرق إلى مسألة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ولكنها دارت حول الشروط المصرية لتطوير الاتصالات.

لم يتم خلال الاتصالات التطرق إلى مسألة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين

 

وجاء على رأس المواضيع المتداولة ضرورة وقف التدخل العسكري في ليبيا ووقف دعم الأطراف المتنازعة عسكرياً ولوجستياً والاقتصار على التعامل السياسي والدعم المالي، ومسألة استضافة تركيا للمعارضين المصريين وتسليمها المطلوبين المحكومين غيابياً للقضاء المصري، بالإضافة إلى مسألة العلاقات مع قبرص واليونان ومدى إمكانية تراجع أنقرة عن اتفاقية ترسيم الحدود مع حكومة الوفاق الليبية السابقة. في المقابل يبحث الثلاثي المصري ـ القبرصي ـ اليوناني انضمام تركيا، بشروط معينة، إلى منتدى شرق المتوسط للغاز، الأمر الذي لا تمانع فيه أيضاً دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وبالنسبة لملف الاستثمارات التركية في مصر، فإنه لم يتأثر كثيراً بالعلاقات السياسية المتوترة بين البلدين، خصوصاً منذ إعطاء النظامين الحاكمين الضوء الأخضر لمستثمري البلدين لتنمية العلاقات بلا قيود منذ عام 2016. وركّزت الاتصالات الأخيرة على تدعيم تجارب استثمارية تركية بعينها في مصر، وإحياء مشروع كان قد ظهر في عهد السيسي، ولكنه تعثر لأسباب سياسية وأخرى تتعلق بالانكماش لمواجهة وباء كورونا، وهو إنشاء مدينة صناعية تركية في مصر، استمراراً في توسيع إنشاء شركات مساهمة ومصانع مصرية تابعة لمجموعات اقتصادية تركية.

وذكرت المصادر أن الاتصالات المباشرة وغير المباشرة لا يمكن التكهن بمدى إيجابيتها في الوقت الحالي، ليس فقط بسبب الشروط ومحددات كل طرف ومتطلباته الاستراتيجية، بل أيضاً بسبب الشروط والمتطلبات الخاصة بدول أخرى وعلى رأسها الإمارات. وأكدت المصادر أن الموقف الإماراتي في المناقشات الأخيرة مع مصر حول الاتصالات مع تركيا "يحاول إبطاء وتيرة التفاهمات التي تتمنى تركيا أن تكون سريعة"، وذلك من خلال طرح احتمالات مختلفة للاستفادة التركية من "إعادة تموضعها في المنطقة وتحسين علاقاتها الإقليمية"، من دون أن تسحب نفسها بشكل جذري من ليبيا وسورية والعراق. وأشارت المصادر إلى أن الاتجاه الإماراتي في هذا الصدد أكثر راديكالية ضد تركيا من السعودية التي تلقت من أردوغان تصريحات إيجابية أيضاً. وهذا الاتجاه يجد صدى في دائرة صنع القرار في مصر بحسب المصادر، لأن "الرئيس المصري يأخذ تصريحات أردوغان ضده منذ سنوات على محمل شخصي، وهو أمر يبدو الأتراك قد تجاوزوه ويرغبون في تخفيف آثاره بالفعل".

أما الوضع داخل النظام المصري ذاته فيبدو منقسماً إزاء ما يحدث، إذ تبدو الشخصيات الدبلوماسية والاقتصادية والقيادات الاستخباراتية القديمة أكثر ميلاً لتطوير العلاقات، مقارنة بمؤسسة الرئاسة والقيادات الاستخباراتية الجديدة المنقولة من الجيش حديثاً وكذلك الأمنية. وهو "تقسيم" قارنت المصادر بينه وبين ما حدث خلال الأيام السابقة على قمة العلا الخليجية في يناير/كانون الثاني الماضي، من اختلاف في الرأي إزاء المصالحة مع قطر.

ومن المقرر أن يزور مصر وفد من حزب "الشعب الجمهوري"، أكبر حزب معارض في تركيا، خلال الشهر الحالي أو الشهر المقبل. وقال مصدر دبلوماسي مصري إن "هناك محاولات داخل البرلمان التركي من قيادات بالأغلبية لأن يتم توسيع الوفد ليشمل عدداً من نواب الحزب الحاكم، بهدف استئناف العلاقات البرلمانية بين البلدين، لتساعد في دفع الاتصالات الحالية". بدوره، ذكر مصدر رسمي مصري، مساء أول من أمس الجمعة، في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية، إنه ليس هناك ما يمكن أن يطلق عليه توصيف "استئناف الاتصالات الدبلوماسية"، أخذاً في الاعتبار أن البعثتين الدبلوماسيتين المصرية والتركية موجودتان على مستوى القائمين بالأعمال اللذين يتواصلان مع دولة الاعتماد وفقاً للأعراف الدبلوماسية المتبعة.

الإمارات تحاول إبطاء وتيرة التفاهمات التي تتمنى تركيا أن تكون سريعة

 

ووجّه المصدر الرسمي انتقاداً مبطناً للسياسات التركية، سيراً على سابق التصريحات الصادرة في هذا الشأن من وزير الخارجية المصري سامح شكري، قائلاً إن "الارتقاء بمستوى العلاقة بين البلدين يتطلب مراعاة الأطر القانونية والدبلوماسية التي تحكم العلاقات بين الدول على أساس احترام مبدأ السيادة ومقتضيات الأمن القومي العربي، ومصر تتوقع من أي دولة تتطلع إلى إقامة علاقات طبيعية معها أن تلتزم بقواعد القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار وأن تكف عن محاولات التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة".

وفي الشهر الماضي انتقدت تركيا استضافة اليونان ممثلي قبرص ومصر والسعودية والإمارات والبحرين في منتدى فيليا واعتبرته نشاطاً موجّهاً ضدها، ورد وزير الخارجية المصري على ذلك بأن "بلاده لا تقيم وزناً لمثل هذه الاتهامات، والمنتدى يهدف لتحقيق المصالح المشتركة لأعضائه". وبعد يومين من هذه المناوشة الإعلامية أعلنت مصر واليونان وقبرص تفعيل الميثاق التأسيسي لمنتدى غاز شرق المتوسط "وفتح ساحته لكل الدول التي تتشارك القيم والأهداف ذاتها وتتوافر لها الرغبة في التعاون من أجل أمن المنطقة ككل ورخاء شعوبها". وتجددت التكهنات حول ما ترمي إليه الدول الثلاث من وراء هذه الدعوة، في الوقت الذي تسعى فيه مصر لرسم وجه مغاير لسياستها في ليبيا تحديداً في مواجهة النفوذ التركي المتصاعد، تحديداً بعد الانتخابات الأخيرة التي أدت لتشكيل الحكومة الانتقالية. وسبقت تلك الدعوة تصريحات من قبرص ودولة الاحتلال تحديداً عبرت عن "تمني انضمام تركيا للمنتدى" وهو ما لم ترد عليه أنقرة.