في وقت تتراكم فيه أسباب متعددة لإضعاف وتيرة التقارب بين مصر وتركيا، على رأسها مشروع الربط الكهربائي للقاهرة مع اليونان وقبرص، وانزعاج القاهرة من صفقات بيع الطائرات المسيرة التركية إلى إثيوبيا، ومطالبة واشنطن وأوروبا بوقف هذه الصفقات بحسب ما نشرت وكالة "رويترز" أخيراً، فضلاً عن عدم الاتفاق على تفاصيل انتقال السلطة في ليبيا، قالت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد"، إن هناك توافقاً تطور بين البلدين خلال الأيام الأخيرة، على إعطاء المجال الاقتصادي والتجاري أولوية لحل المشاكل العالقة بشأنه خلال الأسابيع المقبلة.
وهذه المشاكل تتنوع وفقاً لرؤية الجانب التركي؛ فهناك ما يتعلق بمشاكل تراخيص الشركات المصدرة للسلع والمنتجات إلى مصر، وتعطل التعامل مع بعض تلك الشركات لعدم استيفاء الشروط المطلوبة للتصدير وفقاً للقواعد المصرية أو لأسباب أمنية وحساسيات سياسية قائمة، أو لتشابه السلع المصدرة مع سلع أخرى تأتي من دول ترغب القاهرة في تدعيم العلاقات معها من خلال وسائل مختلفة منها منح الأفضلية لمستثمريها.
تم التباحث حول المشاكل الاقتصادية في زيارة أجراها فريق من رجال الأعمال الأتراك إلى مصر نهاية الشهر الماضي
وهناك قسم آخر من المشاكل يرتبط بتعطيل تراخيص عدد من المشروعات التركية التي تم الاتفاق عليها في سنوات سابقة لإقامة مصانع مواد غذائية مختلفة ومنسوجات في بعض المناطق الصناعية بمصر، وذلك أيضاً لأسباب أمنية بحتة، أو لدخول الجيش ممثلاً في شركاته المختلفة أو الشراكات التي عقدها مع بعض رجال الأعمال المحليين، في المجالات الإنتاجية نفسها، ورغبته في تقليل فرص المنافسة في هذه المجالات.
أما القسم الثالث من المشاكل، فيخص قواعد التصدير والاستيراد بين البلدين بشكل عام، والتي أدت إلى تراجع الصادرات المصرية إلى تركيا أيضاً، على الرغم من استمرار نشاط حركة التبادل بين البلدين متجاوزاً 6 مليارات دولار خلال العام الحالي، وعلى الرغم من تصدير بضائع ومنتجات تركية إلى مصر في السنوات السبع الأخيرة بنحو 22 مليار دولار، مقابل صادرات مصرية بنحو 12 مليار دولار، وهو معدل لا يرضي دوائر الاستثمار المختلفة في البلدين، نظراً لما يتمتعان به من إمكانات تسمح بمبادلات أكبر من ذلك.
وأوضحت المصادر أنه تم التباحث حول هذه المشاكل في زيارة أجراها فريق من رجال الأعمال الأتراك إلى مصر نهاية الشهر الماضي -لم تعلن عنها القاهرة رسمياً- وتم الاتفاق مع ممثلي وزارة التجارة والصناعة وهيئة الاستثمار، على عقد لقاء آخر خلال الشهر المقبل، فضلاً عن زيارة من اتحاد الغرف التجارية المصرية لأنقرة قبل نهاية العام الحالي، في ما يعتبر إحياءً لقناة الاقتصاد لتحسين العلاقات بين البلدين، بعد تعطل هذا المسار لفترة والتركيز على اللقاءات السياسية والأمنية "الاستكشافية" التي عقدت في القاهرة وأنقرة.
وأشارت المصادر إلى أن الاتصالات الاقتصادية التي كانت تقريباً الوحيدة النشطة خلال فترة الخصومة التامة بين النظامين الحاكمين بعد انقلاب يوليو/تموز 2013 في مصر، تم اللجوء إليها باتفاق ضمني بين الطرفين على تحسين الأوضاع والبحث عن احتمالات لتقارب أوسع في ظل تعثر التوافق السياسي في هذه الأثناء، بسبب تعثر الاتفاق النهائي على عدد من الملفات، أبرزها ليبيا والمعارضون المصريون في تركيا والمطلوبون من جماعة الإخوان المسلمين. وأوضحت المصادر أيضاً أن إحياء التفاهمات الاقتصادية في التوقيت الحالي له أهداف أخرى بعيدة المدى، وهي رغبة عدد من رجال الأعمال والجهات شبه الحكومية في البلدين، في حجز موطئ قدم لها في الشراكات الثنائية والجماعية الوارد عقدها في مجال الطاقة، بمجرد ترسيم حدود المنطقتين الاقتصاديتين للبلدين، وهو أمر يفتح أيضاً شهية عمالقة التنقيب وتجارة الوقود في المنطقة، الذين يراقبون عن كثب تطورات هذا الملف.
إحياء التفاهمات الاقتصادية حالياً له أهداف بعيدة المدى
وبحسب مصدر مطلع في وزارة البترول، فإن عدداً من الشركات التي تتعامل مع مصر في مشروعات عدة، مثل "إيني" الإيطالية و"بي بي" البريطانية، توجهت للوزارة باستفسارات رسمية أخيراً بشأن العلاقات مع تركيا، بعد نشر تقرير "العربي الجديد" في العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي، عن معالم التفاهمات حول ترسيم الحدود والنقاط التي تم الاتفاق عليها بما لا يتعارض مع اتفاقي مصر مع اليونان وقبرص واتفاق أنقرة مع حكومة الوفاق الليبية، في المسافة بين خطي الطول 28 (الحد الشرقي للحدود المصرية اليونانية) و30.05 (الحد الغربي للحدود المصرية القبرصية).