للمرة الثانية خلال الأسبوع الأول من الغزو الروسي لأوكرانيا، يظهر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مناسبات رسمية، متعمداً تجاهل الأزمة العالمية التي أثرت بشكل كبير على بلاده، وهو ما يتسق مع حالة الصمت التي تبنتها إدارته منذ بدء الحرب.
ويأتي ذلك فيما دعت مجموعة الدول السبع الصناعية والاتحاد الأوروبي، مساء أول من أمس الثلاثاء، مصر إلى إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وجاء في بيان مشترك لسفراء دول المجموعة والاتحاد الأوروبي بمصر، أن "محاولة روسيا زعزعة استقرار النظام الدولي سيكون لها صدى أيضاً على منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، بما في ذلك مصر".
بيان يدعو مصر لإدانة الغزو
وأوضح البيان "نحن على يقين أن الحكومة المصرية تتمسك بالمبادئ المتعلقة بالسلم والأمن والاستقرار والسيادة القائمة على القواعد الدولية".
وأضاف: "استطاعت مصر أن يكون لها موقف ثابت فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فقد أيدت ودعمت منذ عهد الرئيس (جمال) عبد الناصر (1956 ـ 1970) مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية كأساس للنظام الدولي الحديث".
وتابع البيان: "كما تؤمن مصر بشدة بأهمية الأمم المتحدة، وكذلك تعتبر مصر مناصراً قوياً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة. ويعرف المصريون قيمة الدبلوماسية والحوار، كما يعرفون كيف ينهضون للدفاع عن حقوق الآخرين".
ودعا البيان إلى "قيام كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتقديم إدانة جماعية لهذا الهجوم، في ضوء العدوان المسلح، للوقوف بجوار أوكرانيا والتأكيد على سيادتها واستقلالها داخل حدودها، والالتزام بميثاق الأمم المتحدة".
لم يتحدث السيسي بعد عن الغزو الروسي لأوكرانيا
لكن السيسي، الذي شهد أمس الأربعاء، افتتاح عدد من المشروعات بقطاعي النقل والإسكان في القاهرة، تجاهل الحديث عن الأزمة الأوكرانية، على الرغم من أنه عادةً ما كان يستغل مثل هذا المناسبات للتطرق إلى الظروف الإقليمية والدولية، إلا أنه لم يأت على ذكر الموضوع الأوكراني من الأساس.
وهو نفس ما حدث قبل أيام عند حضوره فعاليات "المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية"، بمركز المؤتمرات الدولية "الماسة"، في العاصمة الإدارية الجديدة.
شرح التصويت المصري في الجمعية العام للأمم المتحدة
ومنذ اندلاع الأزمة صدر بيان مقتضب من وزارة الخارجية، جاء فيه أن مصر "تتابع بقلق بالغ التطورات المتلاحقة اتصالاً بالأوضاع في أوكرانيا، وتؤكد على أهمية تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية، والمساعي التي من شأنها تسريع تسوية الأزمة سياسياً بما يحافظ على الأمن والاستقرار الدوليين، وبما يضمن عدم تصعيد الموقف أو تدهوره، وتفادياً لتفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية وأثرها على المنطقة والصعيد العالمي".
وبعدها دعت مصر لعقد اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين، وذلك للتباحث حول التطورات الجارية في أوكرانيا، وهو ما فسره مراقبون بأنه "محاولة مصرية للاختباء خلف موقف عربي جامع".
وبعدما صوتت مصر أمس الأربعاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة لمصلحة قرار يطالب روسيا "بالتوقف فورًا عن استخدام القوة ضد أوكرانيا"، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانًا جديداً خصصته لشرح تصويت مصر.
وذكرت وزارة الخارجية المصرية أنه "اتصالا بالقرار الذي تم اعتماده وصوتت مصر لصالحه انطلاقًا من إيمانها الراسخ بقواعد القانون الدولي ومبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، تود مصر أن تؤكد أن البحث عن حل سياسي سريع لإنهاء الأزمة عبر الحوار وبالطرق السلمية ومن خلال دبلوماسية نشطة يجب أن يظل نصب أعيننا جميعًا، والهدف الأساسي للمجتمع الدولي بأسره في التعامل مع الأزمة الراهنة، ومن ثم يتعين إتاحة الحيز السياسي الكفيل بتحقيق ذلك الهدف الأساسي".
وأكدت مصر أنه "لا ينبغي أن يتم غض الطرف عن بحث جذور ومسببات الأزمة الراهنة والتعامل معها بما يضمن نزع فتيل الأزمة وتحقيق الأمن والاستقرار".
ورفضت مصر "منهج توظيف العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولي متعدد الأطراف من منطلق التجارب السابقة، والتي كانت لها آثارها الإنسانية السلبية البالغة، وما أفضت إليه من تفاقم معاناة المدنيين طوال العقود الماضية".
موقف يجسّد فشل السياسة الخارجية المصرية
وقال دبلوماسي مصري سابق في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "موقف مصر من الحرب الروسية - الأوكرانية، يجسّد فشل السياسة الخارجية المصرية في تبني استراتيجية واضحة المعالم، تجاه مختلف القضايا الدولية".
وأوضح أن الحرب الدائرة الآن "خلقت حالة من الاستقطاب الدولي الشديد، وستكون بمثابة فرز للتحالفات الإقليمية والدولية، بمعنى أن كلا من روسيا وأميركا ستعتبر أن من ليس معها فهو ضدها، وذلك سيجعل الدول المتأرجحة والتي لديها مصالح مع الطرفين، مثل مصر والدول العربية في مأزق خطير".
وتطرّق الدبلوماسي إلى جلسة مجلس الأمن، التي عُقدت مساء يوم الجمعة الماضي، التي شكرت روسيا بعدها الدول التي امتنعت عن التصويت لصالح مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة والدول الغربية لـ"التنديد بأشد العبارات بغزو روسيا لأوكرانيا ومطالبة موسكو بانسحاب فوري وغير مشروط من الأراضي الأوكرانية".
وقال إن الولايات المتحدة "ستسجل هذه المواقف ولن تنساها، ومنها موقف الإمارات التي امتنعت عن التصويت".
وأوضح المصدر أن الفيتو الروسي منع مشروع القرار في مجلس الأمن الذي يتحمل طبقاً لميثاق الأمم المتحدة، المسؤولية الرئيسية عن صون السلم والأمن الدوليين، ويضم 15 عضواً، خمسة منها دائمو العضوية، وهي: الصين، وفرنسا، وبريطانيا، وروسيا، والولايات المتحدة، وعشرة أعضاء غير دائمي العضوية، تنتخبهم الجمعية العامة لمدة سنتين، وهم في هذه الدورة: النرويج، وألبانيا، وأيرلندا، وغانا، وكينيا، والغابون، والمكسيك، والبرازيل، والهند، والإمارات.
وقال الدبلوماسي، إن روسيا استخدمت حق الفيتو المكفول للدول دائمي العضوية، بينما امتنعت كل من الصين والهند عن التصويت، وكذلك فعلت الإمارات، على الرغم من أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اتصل بنظيره الإماراتي عبدالله بن زايد لحشد أكبر عدد من الأصوات المؤيدة للقرار داخل مجلس الأمن. أما باقي الأعضاء الـ11 فصوتوا لصالح القرار.
وأوضح الدبلوماسي السابق، أنه "على الرغم من أن الامتناع عن التصويت لا يعتبر رفضاً، كما أنه لا يحجب أي قرار، إلا أن روسيا شكرت الممتنعين واعتبرتهم ضمن معسكرها. والآن تنتظر، مثل الولايات المتحدة، من باقي الدول من خارج أعضاء مجلس الأمن، إعلان مواقفهم من الحرب".
وأضاف أن مصر "تجد نفسها الآن في موقف صعب لا تُحسد عليه، باعتبارها دولة مركزية كبرى في منطقة الشرق الأوسط، ويجب عليها إعلان موقفها من الأزمة، خصوصاً أن باقي دول الشرق الأوسط ذات التأثير، أعلنت مواقفها ومنها إسرائيل وتركيا، اللتان أفصحتا عن دعمهما للموقف الأميركي صراحة ودانتا التدخل الروسي في أوكرانيا".
وأضاف المصدر أن "قوة إقليمية أخرى كبيرة، وهي إيران، أعلنت أيضاً موقفها بشكل واضح، وقالت إنها تتفهم الموقف الروسي، كما أن النظام السوري برئاسة بشار الأسد دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
وفي منطقة الخليج، أشار المصدر إلى إعلان وزارة الخارجية القطرية، التي أكد وزيرها، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن "الدوحة تؤكد على احترام سيادة واستقلال أوكرانيا ووحدة أراضيها في حدودها المعترف بها دولياً".
استفادت القاهرة من موسكو وواشنطن في السنوات الماضية
وتطرق الدبلوماسي السابق إلى تأثير "الحرب الروسية - الأوكرانية على مصر"، معتبراً أنه "يشمل عدة اتجاهات، منها ما هو اقتصادي، باعتبار أن مصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم، تحديداً من روسيا وأوكرانيا، ذلك بالإضافة إلى أنها تستورد معظم احتياجاتها من المواد البترولية التي ارتفعت أسعارها بشدة بسبب الحرب، إذ تجاوز سعر برميل النفط مائة دولار، وهو ما سيؤثر في الموازنة العامة للدولة".
مصالح مصر مع الولايات المتحدة وروسيا
وأضاف المصدر أنه على المستوى السياسي، فإن لمصر "مصالح كبرى مع طرفي الصراع، لكن المصلحة الكبرى تتركز مع الجانب الأميركي، الذي تعتبره القاهرة حليفاً استراتيجياً لا يمكن الاستغناء عنه، لا سيما مع حصول مصر على معونة عسكرية أميركية سنوية تقدر بـ1.3 مليار دولار، كما أن تسليح الجيش المصري في معظمه أميركي الصنع، ولكن مع ذلك يخشى نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي تبني الموقف الأميركي، حتى لا يغضب حليفه الروسي".
ولفت المصدر إلى أن "نظام السيسي استفاد بشدة من حلفائه في موسكو، لا سيما في الفترة التي أعقبت الانقلاب الذي وقع في 30 يونيو/ حزيران 2013، وما تسبب فيه من عدم اعتراف الدول الغربية وعلى رأسها أميركا بالنظام السياسي الحاكم برئاسة السيسي، واعتباره انقلابا عسكريا على الحكم المدني".
ورأى أنه "عندها لجأ السيسي إلى بوتين الذي دعم انقلابه بشكل واضح، ثم استمرت المصالح بينهما في قضايا عدة على رأسها سورية وليبيا".