أكد قضاة مصر، عبر ممثّلهم رئيس نادي القضاة المصري المستشار محمد عبد المحسن، رفضهم القاطع لقرار رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي بإخضاع المُعيّنين في القطاع الحكومي إلى دورات تدريبية حكومية بـ"الكلية الحربية" كشرط رئيسي ضمن مسوغات التعيين، وشمول المُعيّنين في الهيئات القضائية ضمن هذا الشرط.
وشدّدوا على أن هذا القرار "يمس باستقلال القضاء، ويُعد تدخلاً في أعمال السلطة القضائية"، بحسب خطاب لعبد المحسن حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه.
وحصلت "العربي الجديد" على خطاب مُرسل من رئيس نادي القضاة إلى رئيس محكمة النقض ورئيس المجلس الأعلى للقضاء السابق المستشار محمد عيد محجوب، في أواخر أيام عمله في منصبه قبل رحيله يوم الأحد الموافق 9 يوليو/ تموز الحالي لبلوغه سن التقاعد القانونية، وصدور قرار جمهوري بتعيين المستشار حسني عبد اللطيف بدلاً منه بالمنصب.
واحتوى الخطاب على اعتراض القضاة على قرار مجلس الوزراء بخضوع المُعيّنين في القضاء إلى دورات تدريبية حكومية بـ"الكلية الحربية" مدتها 6 أشهر كشرط رئيسي ضمن مسوغات التعيين.
واعتبر عبد المحسن أن هذا الأمر يمس استقلال القضاء بشكل صريح، وهو تدخل من قِبل الحكومة في أعمال السلطة القضائية المنوطة بها أعمال التدريب واختيار من يعمل في القضاء ويتولى تدريبه. ولفت إلى وجود مركز تدريب لأعضاء النيابة العامة، ويخضع فيه المُعيّنون حديثاً لدورات تدريبية مكثفة في هذا المركز قبل انخراطهم في العمل المهني.
وطلب عبد المحسن من محجوب "التدخل في الأمر بعد رفضه القاطع له، والتعامل معه بالطريقة التي يراها لمنع التدخل في أعمال السلطة القضائية، والمساس باستقلال القضاء الناتج عن هذا القرار". وجاء في الخطاب أن المرشحين للعمل في القضاء لم يتصوروا قرار مجلس الوزراء.
وأشار الخطاب إلى أن "معاوني النيابة الجدد ينتظمون قبل بدء عملهم بمركز تدريب النيابة العامة، الذي أصبح بحسن إدارته يمثل قبلة لكل أعضاء النيابة على مستوى الوطن العربي".
سليمان: إخضاع المُعيّنين الجدد بالنيابة العامة لدورات تدريبية حكومية تعدٍ على سلطة مجلس القضاء الأعلى
وأكد القاضي السابق، المستشار محمد سليمان، لـ"العربي الجديد"، أن "قرار مجلس الوزراء المصري بإخضاع المُعيّنين الجدد بالنيابة العامة لدورات تدريبية حكومية هو تعدٍ حقيقي على سلطة مجلس القضاء الأعلى في الاختيار، وتدخل في شؤونه".
وشدّد على أن "هذا القرار ينتهك استقلال القضاء"، معتبراً أنه "ما كان لأحد أن يجرؤ على انتهاك استقلال القضاء لولا ضعف القضاة وممثلوهم سواء نادي القضاة أو أعلى سلطة لهم ممثلة في المجلس الأعلى للقضاء، وقلة حيلتهم في مواجهة حقيقية أمام هذا التعدّي".
وأوضح سليمان أن خضوع المرشحين لدورة تدريبية لدى جهة حكومية أخرى لتُعدّ تقريراً باجتياز هذا أو إخفاق ذاك، فيه مشاركة في الاختيار وفرض رأي على مجلس القضاء الأعلى.
وأضاف أن ذلك يوحي بأن هناك جهة أعلى تفرض وصايتها على اختيار القضاة وخضوعهم لمعايير بخلاف معايير مجلس القضاء الأعلى. ولفت سليمان إلى أن "تلك المعايير في الدورات الحكومية ربما تكون متعلّقة بضمان الولاء والتوجه في الشأن العام للدولة ولا تكون مستقلة". واعتبر أن ذلك يسلب مجلس القضاء الأعلى فعلياً سلطته المنفردة دون غيره في الاختيار التي كفلها القانون والدستور المصري.
وفي السياق، كشف مصدر قضائي بارز في حديث لـ"العربي الجديد"، عن أسباب صدور خطاب نادي القضاة ومخاطبة المجلس الأعلى للقضاء، قائلاً إن نادي القضاة رصد حالة غضب كبرى لدى القضاة جراء صدور قرار مجلس الوزراء بشأن الدورات التدريبية الحكومية بعيداً عن السلطة القضائية.
مصدر قضائي: نادي القضاة رصد حالة غضب كبرى لدى القضاة
وأضاف المصدر أن "نادي القضاة وصلت إليه اعتراضات على هذا القرار، ومطالب بالتدخل في الأمر، وهو ما دفع النادي إلى مخاطبة المجلس الأعلى للقضاء، ومطالبته بالتحرك أمام القرار".
والجدير بالذكر أنه بعد عام من المقاومة ومحاولة التملّص، استسلم مجلس القضاء الأعلى في مصر إلى ضغوط النظام في العام 2020، بإتمام الاتفاق على "إلحاق المرشحين الناجحين في المقابلات الشخصية من خريجي كليات الحقوق والشريعة والقانون دفعة 2016، تمهيداً للعمل بالنيابة العامة، للدراسة بالأكاديمية الوطنية للتدريب".
وجاء ذلك تحت ضغط "الحاجة الماسة" لإلحاق أعضاء جدد بالنيابة العامة، وعدم وضوح خريطة زمنية لإصدار قانون المجلس الجامع للهيئات القضائية والذي يختص - وفقاً للتعديلات الدستورية الأخيرة في 2019 - بوضع قواعد تعيين موحّدة في جميع الهيئات تحت إشراف الرئاسة ووزارة العدل.