مصر: خطة لمواجهة التحفظات على إدارة الملفات الاقتصادية والخارجية

27 مارس 2022
مكتب لتصريف العملات في القاهرة، الأسبوع الماضي (الأناضول)
+ الخط -

أكدت مصادر مصرية خاصة لـ"العربي الجديد"، أن الدائرة المقربة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كلّفت دوائر وشخصيات سياسية وإعلامية لإعداد خطة عمل، لترويج مبررات وتصورات وردود، بعد أن تلقت تقارير حديثة ترصد تخوفات وتحفظات داخل أجهزة الدولة، على طريقة إدارة القيادة السياسية لبعض الملفات الداخلية، وعلى رأسها بيع أصول الدولة، إضافة إلى ملفات إقليمية، يأتي في مقدمتها ما يجري الحديث عنه من بناء تحالف جديد، يضم دولاً عربية إلى جانب إسرائيل.

ولفتت المصادر إلى أن "التقارير كشفت عن أن الاجتماعات التي تجري بشكل دوري داخل مؤسسات حساسة، على مستوى القادة، أصبحت تشهد مناقشات جدلية حول الأوضاع الحالية، وتصاعد أصوات رافضة لطريقة إدارة الدولة، وإدارة السياسة الخارجية، مثل الحديث عن تشكيل ناتو عربي بقيادة إسرائيل، في مواجهة إيران".

رفع شعار "النأي بالنفس"

وقالت المصادر إن التقارير المقدّمة لدائرة السيسي، تشير إلى أنه "على الرغم من أن تلك الأصوات لم تصل إلى حد المعارضة الصريحة لسياسات النظام الحاكم، إلا أن هناك شعوراً لدى دوائر عدة، بأن أجهزة حساسة داخل الدولة، ترى أنه إذا استمرت الأوضاع بهذا الشكل وإلى مزيد من التدهور، فإنها ستفضّل النأي بنفسها عما يحدث، ووقتها يمكن التفكير في التخلي عن المتسبّب في الأزمة". 

وأشارت المصادر إلى أنه "من ضمن الملفات التي تبدي قيادات هذه المؤسسات تحفظات جدية عليها، ملف التعامل مع دول الخليج، واستخدام الجيش كورقة لعب، مما أفسد العلاقة مع الخليج، لأنهم أصبحوا يعلمون جيداً أن شعار (مسافة السكة) مجرد حديث في الهواء لاستدرار المساعدات والأموال".

ووفق المصادر، بدا واضحاً أن هناك سياسة جديدة تتّبعها دول الخليج الغنية بالنفط مع النظام المصري في الوقت الراهن، بشأن المطالب التي قدّمتها القاهرة أخيراً للحصول على مساعدات اقتصادية لمواجهة الأزمة التي تواجهها مصر حالياً، والتي ضاعفتها الحرب الروسية على أوكرانيا وما خلّفته من تداعيات سلبية على أسواق الطاقة والمواد الغذائية.

ويأتي ذلك في وقت كشف فيه مجلس الوزراء المصري عن بدء مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض جديد وصفته الحكومة بـ"برنامج جديد للإصلاح".


الحزمة المالية المتوقعة للاستثمارات السعودية المرتقبة تصل لنحو 3.5 مليارات دولار

وبحسب المصادر نفسها، فإن الجولة الخليجية الأخيرة للسيسي والتي شملت كلاً من الإمارات والكويت والسعودية، لم تكن على المستوى المطلوب، وحملت تدشين سياسة جديدة تتّبعها الأنظمة الخليجية تجاه مصر في أعقاب المساعدات الاقتصادية والودائع الدولارية التي دفعت بها إلى القاهرة منذ عام 2013، وحتى مطلع العام الحالي.

وكشفت المصادر أنه بعد الكشف عن العروض الإماراتية للاستحواذ على حصص الدولة المصرية في عدد من المشاريع الناجحة ذات العوائد الكبيرة، بدأت أخيراً مفاوضات موازية، بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي، ومسؤولين في الحكومة المصرية، بشأن بحث مجموعة من الفرص الاستثمارية المطروحة من جانب الحكومة.

وأشارت إلى أن المفاوضات تتضمن حصصاً حكومية في شركات في قطاع الطاقة البترولية، وأحد المصارف الكبرى. وذكرت المصادر أن الحزمة المالية المتوقعة للاستثمارات السعودية المرتقبة، والتي من المقرر ضخها فور الانتهاء من الاتفاقات بين الجانبين، تصل لنحو 3.5 مليارات دولار.

وأوضحت أن النظام المصري يقدّم تسهيلات واسعة من أجل ضخ مزيد من العملات الأجنبية في السوق المصرية، لدعم موقف العملة المحلية.

وأشارت المصادر إلى أن السبب الذي أدى إلى الإعلان بشكل مبكر عن الاستحواذات الأخيرة، وتأخر ظهور المفاوضات السعودية، هو أن الرياض طلبت وضعاً خاصاً يؤمن استثماراتها في مصر.

ولفتت إلى أن شروط الرياض في هذا الصدد تدور حول صياغة ضمانات متعلقة بحماية استثماراتها من أي تداعيات سلبية قد تتعرض لها مصر على المستوى الاقتصادي، مضيفة، على سبيل المثال، جرى حديث بشأن ما إذا اضطرت الحكومة المصرية إلى تأميم، أو مصادرة أي استثمارات.

وأعلن مجلس الوزراء السعودي، في اجتماع له الأسبوع الماضي، تفويض وزير المالية السعودي، للتباحث مع القاهرة، في ما يتعلق بإبرام اتفاقية استثمار بين البلدين.

وتضمّن القرار الحكومي السعودي، تفويض وزير المالية أو من ينوبه، بشأن مشروع اتفاقية بين حكومة المملكة والحكومة المصرية في استثمار صندوق الاستثمارات العامة السعودي بمصر، والتوقيع عليه، وفقاً لوكالة الأنباء السعودية "واس".

في السياق ذاته، كشفت المصادر أنه في موازاة المفاوضات السعودية بشأن استثمارات في مصر، بدأت مفاوضات أخرى مع اثنين من الصناديق الاستثمارية الكويتية، بشأن فرص استثمارات في مصر. ولفتت إلى أن المفاوضات الكويتية مدعومة، بدعم كويتي للقاهرة عبر وديعة دولارية بقيمة 2.5 مليار دولار، بخلاف الاستثمارات التي سيتم الاتفاق بشأنها، وتقدر بنحو 2.5 مليار دولار أخرى.

وكشفت وكالة "بلومبيرغ" أخيراً عن موافقة مجموعة "القابضة" المملوكة لإمارة أبوظبي على شراء 18 في المائة من أسهم البنك التجاري الدولي المصري، وهو أكبر مصرف مدرج في البورصة على مستوى شمال أفريقيا.

وجاءت تلك الخطوة كجزء من الاتفاق على شراء حصص الحكومة في عدة شركات مصرية. وإلى جانب أسهم البنك التجاري الدولي، والتي تمثل حوالي نصف قيمة الاتفاق، ستشتري "القابضة" حصصاً في 4 شركات أخرى مدرجة في البورصة المصرية وهي "شركة فوري لخدمات الدفع الإلكتروني، وشركة الإسكندرية للحاويات، وشركة أسمدة أبو قير، وشركة موبكو للأسمدة".

وترفع الاستحواذات الجديدة إجمالي الاستثمارات الإماراتية في مصر إلى 17 مليار دولار لتحتل بذلك المرتبة الأولى بين الدول العربية والأجنبية المستثمرة في مصر.

تضخّم الاقتصاد المصري

ويعاني الاقتصاد المصري من موجة تضخمية كبيرة، وهو ما ظهر في بيانات جهاز الإحصاء المصري الذي أوضح ارتفاع معدل التضخم السنوي ليبلغ 10 في المائة لشهر فبراير/شباط الماضي، مسجلاً النسبة الأعلى منذ منتصف عام 2019، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 20.1 في المائة.

وقالت المصادر إنه "بسبب الأزمة الخطيرة التي يواجهها النظام المصري، أصبح مضطراً للموافقة على تنازلات من شأنها الإضرار بالأمن القومي للبلاد، مثل الدخول في تحالف عسكري مع إسرائيل، وبيع أصول الدولة الرابحة لدول الخليج، بأسعار بخسة".

ولفتت المصادر إلى أن "الموضوع الأخطر، هو ما يتعلق بالمستقبل، فليس من الواضح ماذا سيُطلب من مصر بعد ذلك في القريب العاجل".


النظام المصري مضطر للتنازل بسبب الأزمة الاقتصادية

وأشارت المصادر إلى أن "الحرب الروسية الأوكرانية، أربكت كل حسابات النظام المصري، فأصبح مضطراً إلى تقديم التنازلات، واضطر لإجراء خفض قيمة الجنيه، على الرغم من نصائح من كبار خبراء الاقتصاد بعدم فعل ذلك، وتقديمهم بدائل أخرى تعالج الأزمة على المدى الزمني المتوسط".

ولفتت إلى أن "رفض النظام لنصائح الخبراء الوطنيين في مسألة الاقتصاد، واتّباع السياسات التي يتم وضعها بالخارج، من قبل الدول الكبرى والهيئات  مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي وغيرها من المؤسسات، ليس الرفض الأول من نوعه، إذ إنه حدث تقريباً في جميع الملفات المتصلة بالأمن القومي للبلاد، بما فيها قضية المياه والعلاقة مع إسرائيل".

وأشارت المصادر إلى أن "الأخطر من بيع الأصول المصرية للإمارات والسعودية، هو اتّباع سياستهما تجاه إيران، ومعاداة طهران كما تفعل إسرائيل".

وأضافت إلى أنه "حتى وقت قريب، كانت تتمتع مصر بعلاقات عقلانية مع طهران، حافظت لها على بعض التوازن، لكنها إذا انخرطت بشكل قوي في المعسكر المعادي لإيران، فإن ذلك سوف يكون في غير مصلحتها القومية".