ما زالت الأوضاع في السجون المصرية تثير قلق المجتمع المدني والحقوقي والمراقبين الدوليين داخل وخارج البلاد، خصوصاً بعد تجاهل السلطات جميع المناشدات، من منظمات محلية وأجنبية، لتخفيف المعاناة عن السجناء ووقف تمديد الحبس الاحتياطي لآجال غير مسماة، باستغلال ثغرات قانونية مختلفة، أو تدوير المعتقلين في قضايا جديدة باتهامات وهمية، كما حدث مؤخراً مع معتقلي قضية "خلية الأمل" زياد العليمي وحسام مؤنس وهشام فؤاد.
وذكر مصدر أمني مطلع أن السلطات لا تربط البتة بين تحسين أوضاع المعتقلين ووقف التلاعب بمصائرهم، والإعلان المزمع عن استراتيجية حقوق الإنسان المصرية. وكشف عن استمرار وجود خلاف حول موعد وظروف إعلان هذه الاستراتيجية، الذي أصبح يستأثر بتحديده حالياً رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي شخصياً، وأن الموعد سيتم تحديده بناء على معايير معينة مرتبطة بظروف العلاقة بالولايات المتحدة والسياق الدولي والإقليمي.
السلطات لا تربط بين تحسين أوضاع المعتقلين والإعلان المزمع عن استراتيجية حقوق الإنسان
وكشف المصدر، لـ"العربي الجديد"، أنه كان من المقرر أن يعطي السيسي إشارة لقرب صدور الاستراتيجية، خلال الحفل الكبير الذي نظمته الرئاسة في استاد القاهرة قبل عطلة عيد الأضحى، لتدشين المبادرة الحكومية "حياة كريمة"، وذلك في إطار ما يدعيه النظام من إنشاء "الجمهورية الجديدة"، لكن السيسي تجاهل الأمر تماماً، ولم يشر إلى هذا الملف من قريب أو بعيد، بعدما كان متفقاً عليه بين الأجهزة المختلفة.
وفسّر المصدر ذلك بأن السيسي ما زال يرى أن الوقت غير ملائم للإعلان عن الاستراتيجية، واستمرار مراجعته لها بصورة تقلل من الفوارق بين المدوّن وما سيتم تطبيقه على أرض الواقع. وأشار إلى أن الرأي مستقر بين أجهزة النظام على إعلان الاستراتيجية في مناسبة رسمية، وحفل كبير، سيدعى إليه السفراء الأجانب وبعض قيادات العمل الحقوقي والمدني في مصر والعالم العربي وأوروبا. وخلال الأيام الماضية، تركت السلطات المعتقلين المضربين عن الطعام منذ مدة بدون أي تدخل، حتى أنهى اثنان منهم إضرابهما، هما هشام فؤاد بعد 12 يوماً، وأحمد بدوي بعد شهر ونصف الشهر تقريباً، لسوء حالتهما الصحية.
وقال المصدر الأمني، لـ"العربي الجديد"، إن تعليمات مشددة من ديوان وزارة الداخلية صدرت بترك المعتقلين المضربين من دون أي تدخل، مع الاستعداد لنقلهم إلى المستشفى عند الحاجة، وفي الأيام الأخيرة صدرت تعليمات جديدة بترغيبهم ببعض المزايا حال فض الإضراب، مثل السماح بالتريض، أو الزيارة الاستثنائية، أو البقاء في المستشفى بضعة أيام، ولكن دون توسع في هذه الوعود، كي لا تشمل تغيير قواعد الحبس الخاصة بهم، وعلى رأسها استمرار حبس المضربين انفرادياً. وأضاف المصدر أنه تم إبلاغ المعتقلين المضربين وذويهم ومحاميهم بأن الإضراب عن الطعام لن يحقق أياً من مطالبهم، سواء بإخلاء السبيل أو وقف تنفيذ بعض الأحكام، كما في حالة الباحث أحمد سمير سنطاوي الذي أكمل 35 يوماً من الإضراب عن الطعام، قضى منها 32 يوماً محبوساً انفرادياً، وذلك على خلفية صدور حكم بحبسه 4 سنوات وغرامة 500 جنيه (نحو 32 دولارا أميركيا) من محكمة أمن الدولة طوارئ بتهمة نشر أخبار كاذبة. والأمر ذاته بالنسبة إلى المعتقلة علا القرضاوي، التي أكملت أسبوعين من الإضراب عن الطعام، احتجاجاً على سوء أوضاعها واستمرار حبسها بتهم زائفة، مع استمرار منع الزيارة عنها منذ 4 سنوات.
وسطاء وعدوا بقرب صدور موجة جديدة من إخلاءات السبيل خلال الأسبوعين المقبلين
وفي سياق متصل، قالت مصادر حقوقية إن الوسطاء السياسيين والنقابيين، المشاركين في الحوار مع المخابرات العامة والأمن الوطني لتمهيد الإفراج عن النشطاء المعتقلين، وعدوا بقرب صدور موجة جديدة من إخلاءات السبيل خلال الأسبوعين المقبلين. وكان من المفترض أن يشهد المجال العام "انفراجة حقيقية" بالإعلان عن استراتيجية حقوق الإنسان المصرية نهاية الشهر الماضي، ولكن بدلاً من حسم الخلافات الأمنية والاستخباراتية حول تفاصيلها، التي شاركت في وضعها شخصيات حقوقية تُصنف على أنها قريبة للدولة أو مأمونة الجانب، اكتفت المخابرات بتوجيه الإعلاميين للحديث العلني عن "انفراجة متوقعة". وتشير المعطيات إلى أن النظام ما زال يعمل بنفس الآلية القديمة لغلق المجال العام، مع الترويج لـ"انفراجة"، لمغازلة الغرب بشكل عام والولايات المتحدة خصوصاً، لا سيما في ظل وجود عُقد لا تُحل، أهمها قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني.