يبدو أن موجة غلاء الأسعار الكبيرة التي ضربت مصر في الأيام القليلة الماضية، تسببت في حالة من الارتباك بين أروقة الحكومة المصرية، والنظام الحاكم بشكل عام، ما أدى إلى اتخاذ بعض الإجراءات التي من شأنها تهدئة الغضب لدى المواطنين، الذين يفاجأون يومياً بزيادات كبيرة في الأسعار بحد يفوق طاقتهم.
وكشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، عن أن الدائرة المقربة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، أصدرت تعليماتها لجميع الوزراء في حكومة مصطفى مدبولي، بضرورة التعامل بشكل مباشر مع الأزمة وإصدار البيانات التي من شأنها تهدئة الشارع.
وأكدت المصادر أن "الحكومة تتوقع موجة جديدة من زيادة الأسعار، بسبب الأوضاع التي يعيشها العالم هذه الأيام، خصوصاً الحرب الروسية الأوكرانية، التي أثرت على ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة على مستوى العالم، كما زادت نسب التضخم العالمية، ذلك بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي المتردي أصلاً والذي تعيشه مصر، لأسباب أخرى متعلقة بتضخم فاتورة الدين وما إلى ذلك".
السيسي وسعر الخبز غير المدعوم
وأوضحت المصادر أنه "بسبب ذلك وجهت الدائرة المقرّبة من السيسي وزراء الحكومة بضرورة البحث عن حلول سريعة وفعالة لمشاكل الناس اليومية، ولو بشكل مؤقت حتى لا تتسبب في تفجر الأوضاع".
وأشارت إلى أن "من ضمن الإجراءات التي حرص عليها الرئيس السيسي، هي إظهار نفسه بمظهر المتابع بشكل شخصي لمشكلات الناس، وأنه يجد حلولاً لها بنفسه".
وضربت المصادر مثلاً بالبيان الصادر عن الحكومة، أول من أمس الأربعاء، والذي قال إنه "في ضوء تكليفات الرئيس عبد الفتاح السيسي، بدراسة تكلفة إنتاج رغيف الخبز الحر غير المدعوم وكذلك تسعيره، وفي إطار حرص الدولة على التصدي للزيادات غير المبررة في أسعاره، وافق مجلس الوزراء على تفويض وزارة التموين والتجارة الداخلية في اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع آلية لتسعير الخبز الحر، على أن يتم تطبيقها لمدة ثلاثة أشهر".
يحاول السيسي إظهار نفسه بمظهر المتابع لمشكلات الناس
وجاء في بيان مجلس الوزراء أنه "تنفيذاً لتوجيهات الرئيس، بدعم المزارعين وتشجيعهم على زيادة الكميات الموردة من القمح المحلي لموسم 2022 من خلال حافز إضافي، وافق مجلس الوزراء على صرف حافز استثنائي للتوريد والنقل، بقيمة 65 جنيهاً (4 دولارات) ليضاف إلى أسعار التوريد المحددة سلفاً".
وعلى الرغم من شعور المواطنين بالزيادة السريعة في أسعار السلع الأساسية، حرص وزير التموين والتجارة الداخلية، علي المصيلحي، على التأكيد أن وزارته "تضخ يومياً كميات كبيرة من السلع بالمجمعات الاستهلاكية تصل إلى 50 في المائة عن المعتاد وبتخفيضات تصل إلى 30 في المائة"، وذلك حسب بيان للوزارة.
وقال المتحدث الرسمي للوزارة إن المصيلحي "يترأس شخصياً غرفة العمليات بالوزارة لمتابعة المعارض الرمضانية بالمحافظات والتي أنشئت بالتعاون مع الاتحاد العام للغرف التجارية والمحافظين، وأكد أنه يتلقى يومياً تقرير من الشركة القابضة للصناعات الغذائية حول ضخ السلع الحرة الرمضانية أيضاً".
أما وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، السيد القصير، فقال في تصريحات صحافية يوم الثلاثاء الماضي، إنه "في إطار توجيهات القيادة السياسية فإن الدولة المصرية دائماً تتخذ الخطوات الاستباقية لمواجهة الأزمات قبل حدوثها، وعلى سبيل المثال حتى عام 2014 كانت الطاقة الاستيعابية للقمح لا تتجاوز 1.5 مليون طن. وحين أطلق الرئيس السيسي المشروع القومي للصوامع تضاعفت الطاقة الاستيعابية وزيادة السعة التخزينية وأصبح لدينا قدرات عالية في هذا الاتجاه".
وتابع الوزير أن "المشروعات القومية التي أطلقها الرئيس سواء الصوامع لاستيعاب كميات تخزين كبيرة وتقليل الفاقد وتحسين جودة التخزين، وأيضاً مشروع التوسع الأفقي الذي ساهم في زيادة مساحة القمح لتصل لأكثر من 3.65 ملايين فدان هذا العام، ومع دخول المشروعات القومية الكبرى في توشكى وسيناء والدلتا الجديدة والصعيد، فإن كل ذلك سوف يسهم في زيادة مساحة الرقعة الزراعية لأكثر من 3 ملايين فدان خلال 3 سنوات، وبالتالي تقليل الفجوات الغذائية وإنتاج المحاصيل الاستراتيجية وتوفير فرص عمل لأنها مشروعات زراعية عمرانية صناعية متكاملة، تنفق عليها الدولة مئات مليارات الجنيهات لتحقيق الأمن الغذائي للمواطنين".
دعوة للناس لعدم التهافت على الشراء
وزير الزراعة سعى إلى تحميل المواطنين مسؤولية عن نقص السلع وارتفاع أسعارها، وطالب المواطنين في بيان بـ"عدم التهافت على الشراء بمناسبة شهر رمضان (مطلع شهر إبريل/نيسان المقبل)"، مؤكداً أن "جميع السلع الغذائية متوافرة ولا داعي للقلق".
وأشار إلى أنه "رغم الظروف التي يشهدها العالم حالياً من موجة في ارتفاع الأسعار والشحن وارتباك حركة النقل الدولي، إلا أن الدولة المصرية هي التي تتحمل عن كاهل المواطن العبء الأكبر من الزيادة في الأسعار".
وقال القصير إن "لجنة الأزمة عقدت اجتماعاً برئاسة مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء وهناك توجيهات لكافة الجهات في الدولة بتوفير السلع بأسعار مناسبة للمواطنين"، مشيراً إلى أن "المخزون الاستراتيجي من القمح يكفي لمدة أربعة أشهر، كما أنه من حسن الطالع أننا على أعتاب موسم جديد لحصاد القمح الشهر المقبل ونتوقع إنتاجية حوالي 10 ملايين طن ونستهدف استلام حوالي 6 ملايين طن منها".
تعليمات مخابراتية بضرورة تهدئة الرأي العام والتأكيد أن أزمة القمح مؤقتة
من ناحية أخرى، كشفت مصادر صحافية عن أن تعليمات صدرت من المسؤولين بجهاز المخابرات العامة لجميع رؤساء تحرير وسائل الإعلام المختلفة من صحف ومواقع وقنوات تلفزيونية، بضرورة تهدئة الرأي العام، وإقناع المواطنين بأن الأزمة مؤقتة وأن الحكومة تقوم بواجبها لعلاجها بشتى الطرق، وأن السيسي يتدخل شخصياً لحل الأزمة.
وأوضحت المصادر أنه "على الرغم من أن البرامج التلفزيونية والصحف تحاول احتواء حالة الغضب كما تنص التعليمات، إلا أنه في الأغلب ما يحدث العكس، وذلك لأن معظم ما يقدم للجمهور على الشاشات يفتقر إلى أي حديث علمي، ويؤدي إلى حالة من التشوش نتيجة إخفاء الحقائق والتعتيم على الأمور، وهو ما يؤدي لتفاقم المشكلة".
وقالت المصادر إنه "على سبيل المثال فإنه عندما تناول الإعلامي عمرو أديب الحديث عن أزمة الأسعار وبخاصة ارتفاع أسعار الدواجن والبيض، طلب من الجمهور عدم تناول البيض (الأورغانيك) وهو ما استفز الناس بصورة كبيرة".
وأكدت المصادر أن "ما يتم تقديمه للمواطنين على قنوات التلفزة، والذي يشوبه عدم الدقة والافتقار للإحصائيات والأرقام التي تعكس حجم المشكلة، يكشف عن ارتباك خطير داخل إدارة الأزمة بالدولة، وهو ما يشعر المشاهد بخطورة الأزمة ووطأتها".
وأضافت المصادر أنه "يتم تهميش المواطن، وتغييب رجل الشارع عن البرامج بشكل ملحوظ، وحتى عندما يستعينون بالمواطن لعمل حوار في الشارع فإن دوره يقتصر فقط على طرح المشكلة أو رفع الشكوى، من دون إعطائه الفرصة للمساهمة في وضع حلول أو رؤية لها، والاكتفاء بما يقوله المسؤولون لطرح الحل من وجهة نظرهم بأسلوب غير واقعي، بينما لا يظهر المواطن سوى لتوضيح مدى معاناته، مما يشعره في النهاية بأنه ليس طرفاً في القضية".