مصر: اتساع المطالبات بسحب مشروع قانون الإجراءات الجنائية

02 سبتمبر 2024
من أمام سجن بدر شرق القاهرة، يناير 2022 (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **مطالبات بسحب مشروع قانون الإجراءات الجنائية**: قانونيون وسياسيون في مصر يطالبون بسحب مشروع قانون الإجراءات الجنائية لعدم اتساقه مع الدستور والاتفاقيات الدولية، والإفراج عن المعتقلين الذين تجاوزوا مدة الحبس الاحتياطي.

- **نقاشات وجلسات حوارية حول القانون**: جلسة نظمها المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة في القاهرة، ناقشت مواد مشروع القانون الجديد، وطالبت بسحبه وإعادة طرحه للحوار المجتمعي، وتقليل مدد الحبس الاحتياطي.

- **مواقف وآراء حول التعديلات المقترحة**: نائب رئيس محكمة النقض السابق أكد على ضرورة إنهاء التحقيق خلال شهرين واستقلال النيابة العامة، بينما رأى الأمين العام للحزب المصري الاشتراكي أن تقنين مدد الحبس الاحتياطي سيسهم في تحسين حقوق الإنسان.

طالب قانونيون وسياسيون ونقابيون في مصر بسحب مشروع قانون الإجراءات الجنائية الذي صاغته لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب المصري، لعدم اتساقه مع أحكام الدستور والاتفاقيات الدولية ذات الصلة التي صدقت عليها مصر. ودعوا إلى الإسراع في إخلاء سبيل كل معتقل تجاوز مدة الحبس الاحتياطي طبقاً للقانون الحالي.

وأثار مشروع قانون الإجراءات الجنائية الذي يناقشه البرلمان المصري حالياً، مخاوف حول وضع الحريات والعدالة. وشدد متابعون ومتخوفون منه على أهمية تضمينه ما يكفل عدم استخدام التعديلات مدخلاً خلفياً لاستمرار مدد الحبس الاحتياطي دون نهاية.

نقاش جديد حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية

وناقش قانونيون وخبراء وصحافيون، اجتمعوا الخميس الماضي في جلسة نظّمها المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة في القاهرة، مواد وأحكام وفلسفة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وتوافق الحاضرون على "المطالبة بسرعة سحب مسودة مشروع القانون من مجلس النواب، وإعادة طرح مشروع القانون للحوار المجتمعي الواسع مع الخبراء وأساتذة القانون والنقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني، وضرورة الإسراع بإصدار قرار بقانون يقضي بتقليل مدد الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في القانون، بما لا يجاوز سنة على الأكثر".

محمد ناجي دربالة: من المهم إلزام جهات التحقيق بإنهاء التحقيق خلال فترة زمنية محددة

واتفق الحاضرون في الجلسة، التي تابعت "العربي الجديد" تفاصيلها، على "ضرورة تفعيل نصوص الحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية الحالي، وما يترتب على ذلك من ضرورة الإفراج عن جميع من تجاوزت مدة حبسهم الحد الأقصى المنصوص عليه في القانون، وذلك لحين صدور قرار بقانون بتقليل مدد الحبس الاحتياطي".

وتوافق الخبراء، الذين كان من بينهم الفقيه الدستوري والمحامي بالنقض عصام الإسلامبولي، والمحامي بالنقض ومدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية، مالك عدلي، والمحامي الحقوقي والمعتقل السابق محمد الباقر، بالإضافة إلى مدير المركز المحامي الحقوقي ناصر أمين، على "تشكيل لجنة قانونية لصياغة نصوص بديلة تتسق مع الدستور والمواثيق الحقوقية للمساهمة في أي نقاش مجتمعي جاد حول هذا القانون".

وحول الضمانات الواجب توافرها في القانون المعدل لضمان عدم التحايل عليه بما يسمح باستمرار الحبس الاحتياطي لفترات مفتوحة، فقد رأى نائب رئيس محكمة النقض السابق، المستشار محمد ناجي دربالة، "ضرورة أن تكون التعديلات المراد إدخالها على قانون الإجراءات الجنائية، جامعة مانعة، وخالية من أي نصوص قد تُفسّر على أوجه عدة".

وأكد دربالة في حديث لـ"العربي الجديد"، "أهمية إلزام جهات التحقيق بإنهاء التحقيق خلال فترة زمنية محددة لا تزيد بأي حال من الأحوال على شهرين، وبعدها تنقضي الدعوى الجنائية لعدم كفاية الأدلة أو يُقدّم المحبوس احتياطياً إلى محاكمة عاجلة".

وشدّد دربالة أيضاً على "ضرورة تمتع النيابة العامة والقضاء بالاستقلال التام، دون تدخل السلطة في شؤونها أو فرض توجهات معينة تحد من حقها في إطلاق سراح المحبوس احتياطياً في أسرع وقت، وليس التمديد الاحتياطي بلا حدود لأهداف سياسية"، مشيراً إلى أنه "كان يفضّل وجود نص دستوري يتعلق بمدة الحبس الاحتياطي، باعتبار أن الضمان الدستوري يقطع الطريق على أي تلاعب في قانون الإجراءات الجنائية".

وذكّر دربالة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه حاول خلال عضويته في الجمعية التأسيسية عام 2012 العمل على تضمين مدد الحبس الاحتياطي في مشروع الدستور، لكن جرى التوافق على قصر الأمر على قانون الإجراءات الجنائية. وشدّد على "ضرورة تضمين تعديلات قانون الإجراءات الجنائية فرض عقوبات سالبة للحرية على أي عضو في الهيئة القضائية أو النيابة العامة، يتهاون في احترام أي تعديل يجري إدخاله على القانون، باعتبار أن التواطؤ في استمرار الحبس الاحتياطي دون وجه حق، يعد جريمة يجب معاقبة مرتكبها بعقوبات مغلظة تصل إلى الحبس، وذلك لمنع تكرار المأساة الحالية مجدداً".

وأشار نائب رئيس محكمة النقض السابق إلى "ضرورة تضمين الحق في التعويضات، حيث تُصرَف تعويضات مجزية للمتضررين من الحبس الاحتياطي دون سند من القانون"، مؤكداً أن "الآلاف من المحبوسين احتياطياً قد فقدوا وظائفهم وتضررت عائلاتهم بشكل واضح، ما يستوجب صرف تعويضات مجزية تكون فيها الكلمة الفصل للقضاء، وليس لتوجيهات السلطة التنفيذية، كما حدث في مناسبات سابقة".

الأمل بانفراجة ينتظر صدق الدولة

ورأى الأمين العام للحزب المصري الاشتراكي، أحمد بهاء الدين شعبان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "تقنين مدد الحبس الاحتياطي وظروفه، سيُسهم بالتأكيد في تحقيق انفراجة حقيقية في ملف حقوق الإنسان في مصر، لأنّ من غير المعقول ترك الحبس الاحتياطي لتقديرات أجهزة الأمن لكي تحوله من مجرد إجراء احترازي، إلى عقوبة غير معلنة تمتد إلى عدد من السنوات، وربما أربع أو خمس سنوات، ثم يمكن للأجهزة تدوير صاحب هذا الحظ السيّئ باختلاق تهم جديدة قبل أن تنقضي مدة الحبس الاحتياطي الأساسية، فيجد نفسه متهماً في تهمة أخرى تلقي به في الزنازين لسنوات طويلة أخرى".

أحمد بهاء الدين شعبان: الحبس الاحتياطي تحول إلى عقوبة دون قدرة على التزام القضاء بتفسير قانوني مقنع للجرائم التي ارتكبها الشخص

وأضاف شعبان أن "الحبس الاحتياطي تحول إلى عقوبة دون قدرة على تقديم مبررات حقيقية أو التزام القضاء تفسيراً قانونياً مقنعاً للجرائم التي ارتكبها الشخص (سيّئ الحظ) الذي تضعه ظروفه أمام مثل هذه الممارسة في قضية الحبس الاحتياطي". وشدّد على أن "إعادة القضية إلى نصابها الحقيقي ووضع ضوابط حقيقية لعدم تحويل الحبس الاحتياطي إلى وسيلة انتقام وترويع للمعارضين السياسيين أو حتى المواطن العادي، ضرورة قصوى"، معرباً عن اعتقاده بأنه "إذا صدقت الدولة في الاستجابة وإجراء هذا التطور، سيكون مؤشراً على أن تضحيات المعارضة وسجن رفاقنا من الشباب والكبار، وتضحيات المثقفين المصريين الوطنيين وآخرهم المهندس يحيى حسين عبد الهادي، لم تذهب سدى، بل آتت أكلها، واستطاعت أن تزحزح صخرة القمع والقبضة الحديدية التي تحكم سيطرتها على مصائر العباد والبلاد".

وقرّر مجلس النقابة العامة للمحامين في اجتماعه مع نقباء المجالس الفرعية، يوم الاثنين الماضي، إعداد مذكرة تفصيلية عاجلة بالنصوص المعترض عليها مقارنة بنصوص قانون الإجراءات الجنائية الحالي، وما شابها من مخالفات دستورية، والمقترحات البديلة بشأن التعديل والحذف والإضافة، على أن تسلّم المذكرة رسمياً لرئيس مجلس النواب (حنفي جبالي)، ورئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في المجلس (إبراهيم الهنيدي).

كذلك طالب مجلس المحامين، مجلس النواب، بعرض مشروع قانون الإجراءات الجنائية على مجلس الشيوخ، لـ"مزيد من المناقشة وفقاً لما أجازه له الدستور والقانون في هذا الشأن"، و"فتح قنوات التواصل كافة مع جميع الجهات المعنية لعمل اللازم نحو إعادة مشروع القانون لاستكمال دراسته الواقعية والتشريعية والحوار القانوني المجتمعي بشأنها".
وأكدت نقابة المحامين أنها "لن تتخلى عن دورها الدستوري شريكاً في إرساء قواعد العدالة، وصون الحقوق والحريات تحت مظلة القانون والدستور".

وفي خطاب من نقيب الصحافيين خالد البلشي، إلى نقيب المحامين عبد الحليم علام، أعلن البلشي "تضامنه الكامل مع كل ما ورد فى بيان نقابة المحامين بشأن مشروع قانون الإجراءات الجنائية"، مؤكداً "أهمية العمل المشترك لخروج القانون بشكل يصون حقوق المجتمع والأفراد، ويكفل حريتهم في إجراءات تقاضي عادلة، وكذلك حقوق الصحافيين في ممارسة عملهم، خصوصاً أن القانون يعد العمود الرئيسي لمنظومة العدالة ودستورها، ونصوصه نصوص مكملة للدستور، وسيظل أحد أركان حماية وصون حقوق وحريات الأفراد والمجتمعات في جميع مراحل التقاضي". وقال البلشي: "إن أي خلل يناله القانون سيقوّض أعمدة هذه المنظومة، وسيتسبب في النيل من ثقة المواطنين في نظام العدالة".

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد وجّه حكومته لـ"اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل توصيات الحوار الوطني في ما يتعلق بتخفيض مدد الحبس الاحتياطي، والحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطي في إجراء وقائي دون التحول إلى عقوبة، مع أهمية التعويض المادي والأدبي وجبر الضرر لمن تعرض للحبس الاحتياطي الخاطئ"، وهو ما يُلزم الحكومة المصرية بتقديم مشروع قانون لتعديل قانون الإجراءات الجنائية للبرلمان.

وكانت الحكومة قد تقدمت بهذه الخطوات منذ أشهر عدة، حيث رفعت للبرلمان طلباً بتعديل 365 مادة من أصل 461، هي مجمل مواد قانون الإجراءات الجنائية. وتعامل البرلمان مع هذا الأمر بتشكيل لجنة فرعية لإعداد مسودة قانون جديد.
وكان الرئيس المصري السابق عدلي منصور قد أصدر في نهاية شهر سبتمبر/أيلول 2013 قانوناً لتعديل قانون الإجراءات الجنائية. ووفقاً لهذا التعديل، إذا كانت العقوبة المقررة للاتهام بين الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة، يُحبس المتهم احتياطياً لمدة 45 يوماً دون التقيد بالمدد المنصوص عليها، التي لا تتجاوز في حدها الأقصى 18 شهراً، لتصل في التعديل الجديد إلى 24 شهراً.

وفي السابق، لم تكن مدد الحبس الاحتياطي تزيد على ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا تتجاوز 6 أشهر في قضايا الجنح و18 شهراً في قضايا الجنايات.

ومع ذلك، جرى تجاهل هذا الأمر في التعامل مع آلاف المعتقلين السياسيين الذين وصلت مدد حبسهم احتياطياً بين 5 و10 سنوات دون إحالتهم على المحاكمة، حيث تقوم النيابة العامة بإعادة تدوير المعتقلين الذين تعدوا الحدود القصوى في قضايا جديدة، باتهامات جديدة أو بالاتهامات نفسها أحياناً.

وطالبت عشرات من الأحزاب السياسية ونشطاء حقوق الإنسان والقوى المعارضة للنظام خارج مصر بضرورة خفض مدد الحبس الاحتياطي إلى الحد الأدنى منذ سنوات طويلة، باعتبار أن الحبس الاحتياطي يشكل نقطة سوداء في جبين النظام، بعدما أصبح البوابة الرئيسية لقمع المعارضين والنشطاء وإضاعة أعمارهم في غياهب السجون.