في أحدث حصر للأحزاب السياسية المصرية، وضع الموقع الرسمي للهيئة العامة للاستعلامات، قائمة تضم 87 حزباً، هي تقريباً جميع الأحزاب المرخص لها بالعمل على أرض مصر. ولكن الواقع الملموس يؤكد أن معظم هذه الأحزاب مجرد كيانات اسمية فقط لا تحظى بأي مساندة شعبية، كما أنها لا تمارس دورها الطبيعي في معارضة الحكومة، باعتبار أنها خارج السلطة.
وصل عدد الأحزاب السياسية في مصر قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني إلى أكثر من 80 حزباً، أغلبها شكلية لها دور محدود في تمثيل التعددية الحزبية. ومع سقوط نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، انفتح المجال العام أمام السياسيين وشباب الثورة والحركات السياسية، لتشكيل المزيد من الأحزاب، ليصل العدد إلى أكثر من 100 حزب. ثم تقلص مرة أخرى إلى 87 حزباً سياسياً، حسب الهيئة العامة للاستعلامات التابعة للحكومة المصرية.
ظلّ دور عشرات الأحزاب السياسية في السنوات الأخيرة محدوداً، حتى إن بعضها لم يكن لها مقار رسمية
ولكن في ظل التجريف السياسي الذي حدث طول السنوات الأخيرة، ظلّ دور عشرات الأحزاب السياسية محدوداً وقاصراً، حتى إن بعض الأحزاب لم يكن لها مقار رسمية أو ليس لها القدرة على تنظيم أي فعالية داخل مقرها من دون إذن أمني. وشهدت السنوات الماضية حالة من الجمود والترقب داخل النشاط الحزبي في مصر، فضلاً عن الاعتقالات المتكررة لأعضاء من هذه الأحزاب.
أحزاب الأجهزة الأمنية
على رأس القائمة التي نشرتها الهيئة العامة للاستعلامات، يأتي حزب "مستقبل وطن"، الذي أسسه أعضاء في إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع المصرية عام 2014، وظهر بعد انقلاب 2013. ونما الحزب نمواً لافتاً خلال فترة قصيرة حتى أصبح أكبر أحزاب مصر من حيث التمثيل البرلماني، ومعروفاً بدعمه المطلق للرئيس عبد الفتاح السيسي، وعلاقاته بكبار مسؤولي الحكومة. وانتقل الإشراف عليه أخيراً إلى جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية.
في أول تجربة برلمانية عام 2015، حصد الحزب 57 مقعداً داخل مجلس النواب، وحصل بعدها على 316 مقعداً في انتخابات مجلس النواب 2020 من أصل 596 مقعداً، وعلى 149 مقعداً في انتخابات مجلس الشيوخ 2020 من أصل 300 مقعد.
هناك أيضاً حزب "حماة الوطن" الذي يضم مجموعة من ضباط القوات المسلحة المتقاعدين، على رأسهم الفريق جلال هريدي، ويحتل المركز الرابع في مجلس النواب المصري بعدد 18 نائباً. وتمت إعادة هيكلة الحزب في فبراير/شباط 2021 وتم تعيين اللواء أحمد العوضي نائباً لرئيس الحزب واللواء طارق نصير أميناً عاماً للحزب. وتوسع الحزب في فتح مقار ووحدات حزبية جديدة على مستوى الجمهورية بلغت ألف وحدة ومقر حزبي جديد، وهو معروف أيضاً بدعمه المطلق للسيسي.
ويوجد أيضاً حزب "فرسان مصر" الذي أسسه ضباط سابقون في الجيش المصري. وخاض الحزب الانتخابات البرلمانية المصرية عام 2015.
وهناك أيضاً أحزاب محسوبة على الأجهزة الأمنية بشكل أو بآخر، مثل "النصر المصري" الذي تأسس في 2011، برئاسة المستشار محمد ممتاز متولي، النائب الأول لرئيس محكمة النقض، و"المواطن المصري" الذي تأسس بعد 2011 من "فلول" الحزب الوطني الديمقراطي المنحل، و"صوت مصر"، و"نصر بلادي"، و"المصريين"، وحزب "الحركة الوطنية المصرية"، الذي أسسه الفريق أحمد شفيق بعد 2011.
أحزاب "دينية"
شهدت الأحزاب ذات الخلفية الدينية، بعد انقلاب عام 2013، إطاحة حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، تراجعاً كبيراً، لا سيما مع الهجوم العنيف الذي تعرضت له من قبل السلطة الجديدة وأيضاً من قبل وسائل الإعلام الداعمة لها. ومن بين تلك الأحزاب يمكن ذكر: "النور"، و"الفضيلة" و"الأصالة"، و"الأصالة والنهضة"، و"الوسط الجديد" وهو حزب بمرجعية دينية، منشق عن جماعة الإخوان، وأسسه أبو العلا ماضي، بعد 2011. وهناك أيضاً حزب "البناء والتنمية".
شهدت الأحزاب ذات الخلفية الدينية تراجعاً كبيراً بعد انقلاب 2013، وإطاحة حكم مرسي
أحزاب بلا دور
هناك أيضاً العديد من الأحزاب التي فقدت تماماً أي حضور جماهيري، فأصبحت لا تمارس أي نشاط حزبي، ومنها حزب "المؤتمر" الذي أسسه الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية، عمرو موسى، وحزب "الغد"، وحزب "الخضر"، وحزب "مصر الحديثة"، وحزب "مصر المستقبل"، وحزب "المواجهة"، وحزب "حقوق الإنسان والمواطنة"، و"السلام الديمقراطي"، و"العمال الديمقراطي"، وحزب "مصر الحرية" الذي أسسه الناشط السياسي عمرو حمزاوي بعد 2011، وحزب "الاتحاد الديمقراطي"، و"الجيل الديمقراطي"، و"الأمة"، و"الدستور الاجتماعي الحر".
وهناك أيضاً أحزاب أيديولوجيتها "غير معلومة" على وجه الدقة ولم تمارس أي دور على الإطلاق، لكنها تبقى كيانات على الورق ومنها: "الإصلاح"، و"الإصلاح والحرية"، و"جبهة التحرير القومي"، و"مصر الحضارة"، و"حياة المصريين"، و"الوحدة والحرية".
وهناك أحزاب تستمد قوتها من قرابة المؤسسين لها للرئيس الراحل محمد أنور السادات، وهي: حزب "السادات"، لمؤسسه عفت السادات، وحزب "السادات الديمقراطي"، لمؤسسه عبد الحكيم أحمد عصمت.
العديد من الأحزاب التي فقدت تماماً أي حضور جماهيري، فأصبحت لا تمارس أي نشاط حزبي
وهناك بعض الأحزاب الأخرى مثل "المصريين الأحرار"، وهو حزب ليبرالي أسسه رجل الأعمال نجيب ساويرس، و"التجمع الوطني التقدمي الوحدوي"، وهو أحد أبرز الأحزاب اليسارية المصرية، وتأسس في 1976 على يد خالد محي الدين، وتصدر عنه جريدة الأهالي. وبسبب مواقفه، انشق عنه عدد من الأعضاء وانضموا إلى التحالف الشعبي الاشتراكي. وحزب "مصر القوية"، الذي أسسه عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي في انتخابات عام 2012، والمعتقل الحالي.
أحزاب الحركة المدنية
تضم "الحركة المدنية الديمقراطية" في مصر 12 حزباً سياسياً، تتراوح أيديولوجياتها بين الليبرالية واليسارية بأطيافها المتفاوتة. أكثر من نصف تلك الأحزاب تأسست بعد ثورة يناير 2011، بمعدل 3 أحزاب بمرجعية ليبرالية: "العدل"، و"الإصلاح والتنمية"، و"الدستور"، ومثلهم من أطياف اليسار: "التحالف الشعبي الاشتراكي"، "الاشتراكي المصري"، "المصري الديمقراطي الاجتماعي"، إلى جانب الكرامة الناصري.
ونظرة على هذه الأحزاب بداية من الحزبين الأقل شأناً وشعبية، وهما "الوفاق الوطني" بأجندته المنتمية للقومية العربية، والذي لا يتعدى عدد أعضائه العشرات على أقصى تقدير، فليس له أي تأثير أو منبر إعلامي، ولو مجرد صفحة معتمدة ونشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، لإيصال خطابه إلى الجمهور. يليه الحزب "الشيوعي" المصري، وهو من أقدم الأحزاب المصرية، ولديه كذلك عشرات الأعضاء، لكنه دوماً ما كان حزباً سرياً، ولكنه في هذا العصر غير سري لكنه غير قانوني أيضاً، وتتعامل معه السلطة في هذه المساحة الملتبسة.
وهناك حزب "المحافظين" الذي تأسس قبل الثورة بعام واحد وجمّد نشاطه، ثم عاد للعمل مجدداً بعد 2011. ينتمي الحزب إلى أحد أطياف الليبرالية ويرأسه حالياً المهندس أكمل قرطام، أحد أعضاء "الحزب الوطني الديمقراطي" المنحل، الذي كان الذراع الحزبي لنظام مبارك.
هناك حزبان ينتميان لـ"التيار الناصري" والقومية العربية: "الحزب العربي الديمقراطي الناصري" برئاسة محمد النمر، وقد تأسس قبل الثورة في عام 1992، حتى إن موقعه الرسمي لم يعد له وجود على الإنترنت.
أما حزب "الكرامة الناصري" الذي أسسه السياسي المصري حمدين صباحي وحصل على مشروعيته القانونية بعد الثورة المصرية، فيعتبر من أبرز الأحزاب لكونه الحزب الناصري الأكبر الذي يضم أعضاء هذا التيار. ولكن يشهد الحزب كذلك أزمات مالية وتضييقات أمنية، فضلاً عن الخلافات والانقسامات الداخلية، خصوصاً بعد استقالة رئيسه السياسي والبرلماني السابق أحمد الطنطاوي في يوليو/ تموز 2022، ليحل محله سيد الطوخي، القائم بأعمال رئيس الحزب. ولم تُعقد انتخابات حزبية حتى اللحظة.
وكان الأمن المصري ألقى القبض على نجوى خشبة، عضوة حزب "الكرامة"، قبل أيام من انطلاق الحوار الوطني، بعد أنباء عن رغبة الحزب في الانسحاب من الحوار الوطني، وأفرج عنها مباشرة بعد مشاركة الحزب وحضوره الجلسة الافتتاحية للحوار.
تضم "الحركة المدنية الديمقراطية" 12 حزباً سياسياً، تتراوح أيديولوجياتها بين الليبرالية واليسارية
وبالحديث عن "العيش والحرية"، أحد أحزاب الحركة المدنية، فهو حزب ينتمي لليسار المصري، أسسه بعض الأعضاء والشباب المستقيلين من "التحالف الشعبي الاشتراكي" في عام 2013. ومنذ تلك اللحظة، لا يزال الحزب تحت التأسيس، حيث لم ينجح في ضم 5 آلاف عضو مؤسس على مدار 10 سنوات، وهو العدد اللازم قانونياً للتقدم رسمياً لتأسيس الحزب.
حزب "العدل" الذي تأسس عقب ثورة يناير كحزب ليبرالي اجتماعي، يترأسه حالياً النائب عبد المنعم إمام، ولم يكن للحزب أي نشاط طوال السنين الماضية، كذلك موقعه الإلكتروني حُذف من شبكة الإنترنت. ولا يختلف الأمر كثيراً عن الحزب "الاشتراكي المصري" الذي يترأسه أحمد بهاء الدين شعبان، أحد مؤسسي "الحركة المصرية من أجل التغيير" (كفاية)، فلا وجود لموقع إلكتروني للحزب.
وبالاطلاع على صفحة "فيسبوك" نجد نشاطاً ضعيفاً جداً، كدعوة لندوة تثقيفية يحضرها بضعة أفراد على فترات متباعدة أو بيانات للتهنئة بالأعياد والمناسبات أو أخرى لإبداء رأي وموقف في بعض القضايا غير الحساسة.
حزب "الإصلاح والتنمية" الذي أسسه البرلماني السابق محمد أنور عصمت السادات بعد ثورة يناير، هو حزب ليبرالي يستمد قوته من اسم مؤسسه، وعلى الرغم من ذلك، فلديه موقعه الإلكتروني وتفاعلاته مع الأحداث الجارية أكثر من غيره. وتعرّض الحزب لأزمة سياسية كبيرة منذ عام تقريباً عندما توفي عضو الحزب ومستشاره الاقتصادي، الباحث أيمن هدهود، بعد أن تعرض للإخفاء القسري من قوات الأمن المصرية وسط اتهامات بالتعذيب، ما وضع السادات في موقف حرج خصوصاً أنه عضو في المجلس القومي لحقوق الإنسان.
أما حزب "الدستور"، فهو أحد أبرز الأحزاب السياسية التي تأسست بعد الثورة بقيادة محمد البرادعي، كي يكون حزباً جامعاً لشباب الثورة بأيديولوجية ليبرالية اجتماعية. أُجريت انتخابات الحزب في العام الماضي وفازت جميلة إسماعيل برئاسة الحزب الذي تضم جمعيته العمومية 600 عضو. وشارك الحزب في الحوار الوطني وحضرت جميلة إسماعيل الجلسة الافتتاحية في 3 مايو/ أيار الحالي مع عدد من شباب الحزب الذين وجهت لهم الدعوات، وبعدها مباشرة أفرجت السلطات المصرية عن أحمد فتحي وأيمن القماش أعضاء الحزب المعتقلين.
وما تزال هناك تضييقات أمنية تمارس على الحزب، على الرغم من السماح لهم بمقر رسمي، وتمتد التضييقات للأنشطة الاجتماعية وليس فقط السياسية، ففي شهر رمضان الماضي، على سبيل المثال، ألغى الأمن المصري حجوزات للحزب كي يعقد حفل إفطار يحضره العشرات، قبل أن يُسمح لهم بعقد التجمع بعد محاولات متكررة.
أما حزب "التحالف الشعبي الاشتراكي" الذي يرأسه فريد زهران، فمثله كباقي الأحزاب دخل فيما يشبه حالة الجمود، في ظل القبضة الأمنية المفروضة عليه وعلى أي نشاط. ولعل أبرز ما فعله الحزب كان نشاطاً صحافياً وإعلامياً بالأساس وليس نشاطاً سياسياً، إذ تبنى موقع "درب" الذي يرأس تحريره الصحافي خالد البلشي، نقيب الصحافيين الحالي، والذي ظل موقعاً محجوباً منذ تأسيسه حتى رُفع عنه الحجب أخيراً، بعد مشاركة الحزب ومجلس النقابة في الحوار الوطني.
وأخيراً، الحزب "المصري الديمقراطي الاجتماعي"، كان من أبرز النماذج الحزبية الواعدة بعد الثورة، قبل أن تتحول بوصلته ويفقد الكثير من مؤيديه، لتأييده النظام. وتعرض الحزب لنقد لاذع في فبراير/ شباط الماضي، عندما توجّه رئيسه فريد زهران مع وفد من الحزب إلى القنصل السوري باسل سكوتي لتقديم العزاء في ضحايا الزلزال، الأمر الذي اعتبره البعض تطبيعاً مع النظام السوري واستغلالاً سياسياً لكارثة إنسانية.