مشروع وقف إطلاق النار في غزة يراوح مكانه.. بايدن "أسير" نتنياهو

09 سبتمبر 2024
بايدن يلتقي نتنياهو في البيت الأبيض 25 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تأجيل مشروع وقف إطلاق النار في غزة:** تم تأجيل مشروع الإدارة الأميركية لوقف إطلاق النار في غزة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر، بسبب مخاوف الرئيس بايدن من مواجهة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.

- **انتقادات الديمقراطيين لبايدن:** انتقد السيناتور كريس فان هولن وبعض النواب الديمقراطيين بايدن لتقصيره في التعامل مع نتنياهو، ونددوا بمقتل الأميركية عائشة نور إزغي إيغي على يد القوات الإسرائيلية.

- **التراجع الإسرائيلي عن الاتفاقات:** تراجع نتنياهو عن وعوده بفتح المعابر ووقف النار المؤقت، مما أدى إلى تصعيد التوترات واغتيال إسماعيل هنية، مما عرقل جهود الإدارة الأميركية لتحقيق اتفاق وقف النار.

عشية دخول حرب غزة شهرها الثاني عشر، تسرّب عن البيت الأبيض أن مشروع الإدارة لوقف إطلاق النار في غزة، والتي كانت تعتزم طرحه تحت عنوان "الفرصة الأخيرة"، قد جرى "تأجيله" بتعبير "واشنطن بوست". وبحسب مصادر أخرى، تقرر ترحيله إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، مع "استبعاد" تحقيقه قبل نهاية رئاسة جو بايدن.

ويعود السبب إلى أنّ بايدن لم يعد يقوى على المجازفة في هذه اللحظة الانتخابية الدقيقة حيث يدرك أن طرحه بهذه الصورة التي تنطوي على ما يشبه الإنذار، يفرض عدم السماح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بنسفه كما سبق ونسف غيره. وهذا يقتضي مواجهة رئيس الليكود لإجباره على القبول، وهو لا يريد سلوك هذا السبيل. لماذا؟ سؤال ما زال بمثابة "اللغز بالنسبة لي"، يقول السيناتور الديمقراطي كريس فان هولن، الذي سبق وأخذ على بايدن تقصيره في التعامل مع نتنياهو "كعقبة" أمام اتفاق وقف النار.

واستغرب السيناتور الذي انطوى مأخذه على تصوير الرئيس وكأنه يتصرف كـ"أسير" لنتنياهو، ألا يفعل في أقله مثل عائلات الأسرى الإسرائيليين الذين يتهمون نتنياهو بالتخريب على اتفاقات وقف النار، فيما آثر بايدن التعايش مع أجندة هذا الأخير، مستهجناً سؤاله في إحدى المرات عما إذا كان بنيّته استخدام ورقة تسليح إسرائيل وفق "قانون لاهاي" لإجبار نتنياهو على الانصياع، مع أنه صدرت مطالبات من هذا القبيل من جانب بعض الديمقراطيين الذين قاطعوا خطاب نتنياهو في الكونغرس يوم 27 يوليو/ تموز الماضي، من دون أن يأبه بايدن بها. كذلك ندد هولن وبعض النواب الديمقراطيين (مثل آدم شيف) بمقتل الأميركية من أصول تركية، عائشة نور إزغي إيغي، في الضفة الغربية، على يد القوات الإسرائيلية، مطالبين بمساءلة الفاعلين.

يُذكر أن السلطات الإسرائيلية التي وعدت بالتحقيق في مقتل أميركيين اثنين آخرين أثناء حرب غزة، لم تبلغ الجهات الأميركية بنتائج تحقيقاتها التي يبدو أنها انتهت إلى تصنيف الجريمة في باب الخطأ أو تجهيل الفاعل، كما حصل في قضية الصحافية المغدورة شيرين أبو عاقلة وقبلها وبعدها كثيرون من شهداء الكلمة والمدنيين الأبرياء. وعادة في مثل هذه الحالات تكتفي واشنطن بالتعبير عن "القلق العميق"، مع مطالبة إسرائيل بالتحقيق... وبالنهاية التسليم بنتائجه المعروفة.

ولحجب العرقلة والتملص الإسرائيلي بخصوص وقف النار، تتحدث الإدارة الآن عن مقترحات بصيغة "مفصلة" يجري إعدادها لعرضها في الأيام القليلة المقبلة، مع كلام عن "الاقتراب من الصفقة"، لكن نتنياهو نفسه وصف هذه التوقعات بأنها "غير دقيقة"، كمقدمة لإطاحة الصيغة، والسوابق تؤكد هذا النهج.

وفي مارس/ آذار الماضي، وعد نتنياهو بايدن بفتح بعض المعابر لمرور المساعدات، إثر الضجة التي أحدثها مقتل سبعة من المتطوعين في "المطبخ المركزي العالمي" الأميركي على يد القوات الإسرائيلية أثناء قيامهم بتوزيع المعونات في القطاع، لكنه سرعان ما استدار باتجاه التأزيم عبر الغارة الإسرائيلية في الأول من إبريل/ نيسان الماضي، على القنصلية الإيرانية في دمشق، والتي أدت إلى مقتل سبعة من كبار العسكريين الإيرانيين وكانت نتيجتها الردود المعروفة، والتي عملت الإدارة على ضبطها لقطع الطريق على توسيع ساحة الحرب.

وفي 27 مايو/ أيار الفائت، وافقت حكومة نتنياهو أو هكذا زعمت، على مطلب ربط المرحلتين الأولى والثانية من الخطة بالعمل على "وقف نار مؤقت خلال المرحلة الأولى، على أن يبقى سارياً أثناء مفاوضات المرحلة الثانية طالما بقيت جارية بنية صافية".

التقط بايدن هذه الخطة التي وصفها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بأنها "عرض إسرائيلي سخي"، وخصص لها خطاباً يوم 31 مايو/ أيار، شرح فيها مراحلها الثلاث، مشدداً على أنها مبادرة إسرائيلية أصلاً، وأنّ نتنياهو وافق عليها. وإثر ذلك، أشاعت الإدارة أجواء تفاؤل، عززتها موافقة حركة حماس على المرحلة الأولى ولو أنها خالية من وقف نار دائم.

ولم يطل الأمر قبل أن يبدأ نتنياهو بالتراجع والالتفاف على الخطة، من خلال إصراره على بقاء القوات الإسرائيلية أثناء المرحلة الأولى، في ممر صلاح الدين، المعروف بممر فيلادلفي. وفي 30 يوليو/ تموز، أقدمت إسرائيل على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، مع عودة التضييق على الغزيين وحرمانهم إلا من المعونات الشحيحة. وسبق بساعات اغتيالها للقيادي العسكري الرفيع في حزب الله فؤاد شكر، كمحاولة فاضحة لتدمير خطة وقف النار، سارعت الإدارة إلى تطويق تداعياتها عبر حشد المزيد من القوة الأميركية الرادعة في المنطقة.

وبعد هدوء بقيت معه الأمور معلّقة لأسبوعين، عملت الإدارة على تزخيم التحرك الدبلوماسي باتجاه التوصل إلى اتفاق لوقف النار مع الإيحاء بأنه بات وشيكاً. الرئيس بايدن لم يتردد في القول يوم 16 أغسطس/ آب إن بلوغ الاتفاق "بات أقرب من أي وقت مضى". نفس البشارة سبق وترددت ولو بمفردات مختلفة. مسؤولون آخرون كانوا أكثر تحفظاً. ولم يذهب المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، إلى أبعد من الحديث عن أن بعض "الفجوات جرى تضييقها والمتبقي منها يمكن تضييقه" عبر المقترح الجديد. وقالت الخارجية الأميركية إن المحاولات جارية "طالما بقي هناك أمل" بإنجاز الاتفاق.

المضمون نفسه تردد في الفترات السابقة، لكن من غير جدوى. ولذلك صار السائد في واشنطن رغم التفاؤل، أن نتنياهو يقرر وبايدن استسلم لهذا الواقع وانصرف إلى لملمة أوراقه.