مشاهدات من مخيم عين الحلوة جنوبي لبنان بعد اشتباكات لأيام

01 اغسطس 2023
غالبية الذين تركوا المخيم توجهوا إلى المساجد (العربي الجديد)
+ الخط -

تجددت الاشتباكات، بعد ظهر اليوم الثلاثاء، في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، في جنوب لبنان، بين مجموعات إسلامية متشددة وحركة فتح، في ظل أنباء عن سقوط إصابات.

وقال القيادي في "فتح" العقيد أبو إياد شعلان لـ"العربي الجديد": "تفاجأنا بهجوم لمجموعات إسلامية من حي الطوارئ باتجاه البركسات، تعاملنا معها، وهناك إصابات لم نحصها بعد".

وكان هدوء قد ساد المخيم، صباح اليوم اخترقته بعض أصوات الرشقات النارية المتقطعة على محور الطوارئ البركسات، قبل أن تشتد حدة الاشتباكات، في ساعات بعد الظهر، رغم اتفاق وقف إطلاق النار، في وقت شهد فيه المخيم حركة نزوح لعائلات، بعد 3 أيام من اشتباكات حادة، مستغلّة الهدنة "الحذرة" التي دخلت حيّز التنفيذ ليل أمس الاثنين.

وتشهد ساحة عين الحلوة، اليوم، اجتماعات مكثفة بين قوى فلسطينية، وشخصيات سياسية وروحية، وفعاليات صيدا، في محاولةٍ للحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار الذي لا يزال يترنّح تحت وطأة الخروقات، وسط خشية من عودة الاقتتال بين عناصر حركة فتح ومجموعات إسلامية متشددة، علماً أن الأولى تؤكد التزامها الهدنة، متهمة "الجهاديين" بخرق وقف إطلاق النار.

إلى ذلك، عقدت هيئة العمل الفلسطيني المشترك في لبنان اجتماعاً طارئاً لمتابعة الأحداث الأمنية في مخيم عين الحلوة، واتفق المجتمعون على الدعوة إلى تثبيت وقف إطلاق النار وسحب المسلحين من الشوارع فوراً والعمل على توفير المناخ الآمن لعودة كل العائلات التي نزحت من المخيم، وبناء عليه شكلت هيئة العمل لجنة ميدانية لتنفيذ ذلك.

كذلك، تم تكليف لجنة التحقيق المعينة والمشكلة من هيئة العمل الفلسطيني المشترك المباشرة الفورية بعملها للكشف عن المتورطين في ارتكاب جريمة العرموشي، التي حصلت لتقديمهم للجهات القضائية والأمنية اللبنانية وإنجاز مهمتها بأسرع وقت ممكن ورفع تقريرها لهيئة العمل الفلسطيني المشترك.

وقتل اللواء أبو أشرف العرموشي، يوم الأحد في كمين مسلح بحي البساتين في مخيم عين الحلوة، مع أربعة من مرافقيه.

وتوجهت الهيئة بالتنسيق مع الجيش اللبناني إلى محاور الاقتتال في مخيم عين الحلوة للطلب من الجميع وقف إطلاق النار وتثبيته فوراً تنفيذا للقرارات التي اتخذتها.

من جانبه، وجه الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، في كلمة له مساء اليوم نداءً إلى الجميع في المخيم لوقف القتال، وشدد على ضرورة ألا يستمر هذا القتال لأن تداعياته سيئة على صيدا وجوارها والجنوب وكل لبنان.

فتحت بعض المحال أبوابها، اليوم الثلاثاء، رغم خشية أصحابها من عودة الاشتباكات، بينما توقف العمل في الإدارات الرسمية والمؤسسات العامة بقرار من محافظ الجنوب منصور ضو، بانتظار ما ستؤول إليه حركة الاتصالات والمساعي الفلسطينية والصيداوية، فيما استمرّت حركة النزوح إلى بعض المدارس والجوامع والبيوت، التي فتحت أبوابها لاستقبال الفارّين، ولا سيما العائلات التي تضرّرت أماكن اقامتها بفعل القذائف، وقد كثفت الجمعيات مساعداتها الإنسانية والاغاثية لأكثر من 2000 نازح. 

واندلعت الاشتباكات السبت الماضي، عقب عملية إطلاق نار استهدفت الناشط الإسلامي محمود أبو قتادة، ما أدى إلى جرحه، وهو يعدّ من أبرز المطلوبين للسلطات اللبنانية، وعلى إثر ذلك، اندلعت جولات اقتتال بين جماعات إسلامية وقوات الأمن الوطني التابعة لحركة فتح، وقد أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، الأحد، تعليق جميع خدماتها في المخيم.

لم يكن سهلاً على فريق "العربي الجديد" الوصول إلى محيط مخيم عين الحلوة، في ظل الإجراءات الأمنية المكثفة، والمخاوف من تجدد الاشتباكات، وإغلاق مداخل المخيم، نظراً لخطورة الوضع، وعشوائية القذائف التي تُلقى، وتهدد بعض الأماكن الآمنة التي لجأت إليها العائلات.

وينفذ الجيش اللبناني دوريات مكثفة وإجراءات أمنية مشددة على مداخل عين الحلوة، محذراً المواطنين من الاقتراب أو التواجد في محيط المخيم، وسط مخاوف من تجدد الاشتباكات.

معاناة أهالي مخيم عين الحلوة تتفاقم

يقول مدير مستشفى الهمشري الدكتور رياض أبو العينين، لـ"العربي الجديد"، إن عدد الجرحى وصل لغاية أمس إلى 41 جريحاً، منذ الاشتباكات التي بدأت السبت الماضي، بقي منهم 4 جرحى، لحاجتهم إلى عمليات جراحية، كما هناك 7 ضحايا ضمنهم القيادي في حركة فتح، اللواء أبو أشرف العرموشي، الذي قتل الأحد، في كمين مسلح بحي البساتين في مخيم عين الحلوة مع أربعة من مرافقيه.

ويقول أحد الفلسطينيين، بينما كان يجلس أمام فرنه بجانب مستشفى الهمشري، في محيط مخيم عين الحلوة، الذي يبعد دقائق معدودة عن محاور شهدت اشتباكات، في حديثه مع "العربي الجديد"، إن الوضع كان هادئاً صباحاً لكن التخوف من ساعات الظهر، ولا سيما بعد دفن وتشييع الضحايا، إذ إن من المتوقع أن تتجدّد الاشتباكات رغم تمسك القوى الفلسطينية بتثبيت قرار وقف إطلاق النار.

ولفت إلى أنّ غالبية الذين تركوا المخيم، بأعداد كبيرة، توجهوا إلى المساجد، بينما توجّه بعضهم إلى مسبح مخصص للنساء فتح أبوابه للاجئين.

وفي مسجد الموصللي في محيط مخيم عين الحلوة، يوجد عددٌ من العائلات التي فرّت من الاشتباكات، من جنسيات لبنانية وسورية وفلسطينية، افترشت الأرض في الداخل والخارج، مع معاناة هؤلاء، لاسيما الأطفال وكبار السنّ منهم، من حرارة الطقس الشديدة، وسط نداءات لتأمين الحاجيات الأساسية لهم.

وأكد أحد المتطوعين في المسجد، أن هناك مساعي لإيجاد مكان آخر لإيواء العائلات، لأنه ليس آمناً بالشكل الكافي لقربه من مواقع الاشتباكات حال تجددها المتوقع.

قال أحد الأطفال لـ"العربي الجديد"، إنه هرب مع عائلته من الرصاص والقذائف، للبقاء على قيد الحياة، وسيبقى في المسجد ينام على الأرض، حتى انتهاء الاقتتال.

الحاجة شمسة محمد نايف قالت، لـ"العربي الجديد"، إنها تركت منزلها بفعل الضرر الكبير الذي أصابه، وهي الآن موجودة في المسجد وتقوم أيضاً بالتطوع لمساعدة الفارّين، ومحاولة تأمين القدر الآمن من المياه والخبز والثياب ولا سيما للأطفال. لكنها هي وغيرها من الموجودين هناك يفكرون في ترك المسجد باعتباره مكاناً غير آمن.

أضافت نايف: "دعونا نعيش بأمان، الجهتان شعبنا وأهلنا، لكن يتقوا الله فينا، حرام الفتن التي تحصل، هربنا في ساعات متأخرة من الليل مع أولادنا، هناك ناس مرضى، مسنون، صغار، يتعرّضون للحصار والتشرّد"، مشيرة إلى أن الأوضاع أصلاً سيئة اقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً، ولا نملك أموالاً لإصلاح منازلنا التي تضرّرت بالكامل، ولا للانتقال للسكن في أخرى".

عنصر في الجمعية الطبية الإسلامية قال، لـ"العربي الجديد": "إننا نعمل على تقديم المساعدات قدر الإمكان للعائلات، هناك عددٌ كبيرٌ من الأطفال الذين يحتاجون للحليب والطعام والمياه والأمور الأساسية للعيش، كذلك سجلت حركة نزوح كثيفة، إلى المدارس والمساجد وأماكن عدة استقبلت الأهالي، والترقب يسود حالياً، ونحن على أعلى جهوزية لتلبية أي نداء".

تثبيت وقف إطلاق النار

وفي السياق، يقول النائب عن مدينة صيدا عبدالرحمن البزري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المساعي متواصلة لهدنة فعلية، باعتبار أن الخروق لا تزال مستمرّة، ونعمل على تبني آلية ومحاولة قدر الإمكان الضغط على الأطراف الفلسطينية للسير بها، وقد حصل اجتماع موسع لفعاليات المدينة ونائبيها، ومرجعيات دينية روحية"، مؤكداً ضرورة وقف إطلاق النار، خصوصاً أن هذه الأحداث "تؤذي الفلسطينيين واللبنانيين معاً".

ويشير البزري، إلى أن هناك خروقات سجلت اليوم، "لكن الحركة نسبيا أفضل مما كانت عليه في الأيام الماضية، والأهم هو إعادة الثقة بين الأطراف لعدم تكرار الخروقات".

ولا يؤيد البزري "نظرية أن توقيت الاشتباكات مقصودٌ، أو مرتبطٌ بأجندات إقليمية أو بتجاذبات في الداخل اللبناني، إذ لا يمكن أن ننسى طبيعة المخيم والظروف التي يعيشها المواطنون سواء إنسانياً أو اقتصادياً أو معيشياً، والمخيم عبر الحكومات اللبنانية المتعاقبة، كان جزءا لا يتجزأ من عملية سياسية حوّلته إلى ملجأ للخارجين عن القانون والمطلوبين للعدالة، إذ سُهّل وصول كل من لديه ملف أمني لا تريد القوى السياسية حسم ملفه، إلى المخيم".

يضيف البزري: "هناك مزيجٌ سياسي وأمني وعقائدي في المخيم يجعله قابلاً للانفجار بأية لحظة، وقد اساءت السلطات اللبنانية سياسية وأمنية التعامل مع ملف المخيم، على مرّ عقودٍ، والذي أصلاً يعاني من كثافة سكانية، وهو موجودٌ في منطقة جغرافية صغيرة، كما يعاني من خلافات أيديولوجية وتنظيمية، ولديه تنوعه المناطقي والعائلي، علماً أنه رغم التناقضات، يتمتع بنسيج عظيم ويمثل طبيعة الشعب الفلسطيني، علماً أن هذا المزيج المختلف يكون جميلاً إذا أحسنا تنسيقه، ومتفجّرا إذا أسأنا التعامل معه"، مشدداً على أنه "من واجبنا كقوى سياسية تمثل مدينة صيدا، الحاضنة للقضية الفلسطينية، أن نعمل جاهدين لإيجاد صيغة تخفف من احتمال عودة الاقتتال، خصوصاً أنه ليس الأول من نوعه".

في السياق، يقول النائب عن صيدا أسامة سعد، لـ"العربي الجديد"، إن اجتماعات اليوم والأمس، أفضت إلى تأكيد وقف اطلاق النار، والمعالجة الميدانية لتحقيق هذا الأمر، إلى جانب تشكيل لجنة ميدانية، من أجل تحديد المسؤولية، ومن ارتكب جريمة الاغتيال، وثالثاً، تسليمهم للسلطات اللبنانية، والمطالبة بالتعويض عن الاضرار التي لحقت بالمواطنين اللبنانيين والفلسطينيين". 

ويرى سعد أن استهداف مسؤول أمني رفيع، مثل اللواء العرموشي، "ليس استهدافاً عفوياً، بل مقصود لزعزعة الاستقرار في المخيم، وتعريض أمن مدينة صيدا للخطر، خصوصاً أن اللواء كان من الشخصيات الفاعلة والمؤثرة ومحل تقدير واحترام من كل الفصائل الفلسطينية، مشيراً إلى أن أي حدث أمني من شأنه أن يضاعف أيضاً المخاطر على استقرار لبنان وأمنه، ولا سيما أنه يمرّ بظروف بغاية الدقة والخطورة نتيجة الانسداد السياسي، وانهيار المؤسسات".

ويعتبر سعد أننا أمام "حدث له تأثيراته وارتداداته الخطيرة، لذلك على الجميع أن يتصرف بمسؤولية عالية، لمعالجة ما حصل، وإذا لم يعالج بالشكل المناسب والسليم، قد يكون ذلك نذيراً لمخاطر إضافية تضاف إلى الأوضاع الراهنة، من هنا عملنا مع الفصائل كلها كي تتحلى بروح المسؤولية العالية لضبط الوضع، والأمور إيجابية حتى الساعة، والخروقات محدودة، ونعمل على وقفها نهائياً".

ويلفت سعد إلى أن هناك "فصائل فلسطينية معروفة، مثل منظمة التحرير والتحالف الوطني الفلسطيني وبعض القوى الإسلامية، وهي محط ثقة من السلطات اللبنانية، نتعاطى معها بشكل متواصل عبر الأطر السياسية والأمنية والعسكرية... لكن هناك أطراف في داخل المخيم من الجماعات الإسلامية المتطرفة، تثير المشاكل".

وحول المستفيدين من الذي يحصل، يقول سعد:  "لا يمكن تأكيد أو استبعاد أن يكون العدو الإسرائيلي وراء خروقات معينة، فهو لديه مصلحة بتهديد أمن المخيم والأمن الوطني اللبناني، وهناك ملفات عدة متداخلة، وقضية اللاجئين الفلسطينيين هي من الملفات الحساسة والخطيرة في لبنان ومحل تباين لبناني لبناني واهتمام إقليمي متباين أيضاً، من هنا يجب التعاطي مع هذا الملف بمسؤولية وخلفية وطنية والتزام بالقضية الفلسطينية، وحق العودة، عدا عن الحقوق الإنسانية والاجتماعية للفلسطينيين، وحقهم في الأمن والاستقرار، وهو ما ينسحب أيضاً على لبنان، وحقه في الأمن الوطني، من هنا لا يجب أن يكون الوضع الفلسطيني بمثابة تهديد للأمن الوطني اللبناني والعكس صحيح". 

أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان

من جهته، يقول الباحث الاجتماعي والسياسي خالد الحاج، لـ"العربي الجديد"، إن "مخيم عين الحلوة هو واحدٌ من أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، علماً أن هناك أكثر من 30 تجمّعا للفلسطينيين، اعترفت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بـ15 منها، دُمِّر ثلاثة منها وبقي 12 مخيماً".

ولفت الحاج إلى أنه "كان يُتوقَّع أن يقيم في مخيم عين الحلوة حوالي 15 ألف فلسطيني، لكن المخيم ضم أكثر من 42 ألف فلسطيني، ليرتفع إلى حوالي 130 ألفا عام 2017، تبعاً لأرقام غير نهائية، وذلك ربطاً بالأحداث في سورية"، علماً أن "أونروا" تقول إنها تقدم خدماتها لنحو خمسين ألف لاجئ فلسطيني.

وعن الفصائل الإسلامية المتشددة ضمن المخيم، يقول الحاج: "أول الظواهر الإسلامية، كانت عصبة الأنصار، ويعود تاريخها إلى عام 1985، التي خاضت معارك مع القوات اللبنانية، أي معارك شرق صيدا، وأول مسؤول لها هشام شريدي، الذي اتهمت حركة فتح باغتياله عام1991، وعن هذه العصبة تفرعت مجموعة من جند الشام، ثم فتح الإسلام، وغيرها من جماعات".

ويشير الحاج إلى أن معظم التنظيمات الفلسطينية موجودة في مخيم عين الحلوة، لكن الفصيلين الأساسيين، هما فتح والإسلاميون، حيث تتمكرز فتح في محاور البركسات والصفصاف وجبل الحليب، في حين يتمركز الإسلاميون في حي الطوارئ ومسجد زين العابدين وحي حطين".

المساهمون