أصاب الشلل مسار الحل السياسي السوري، بفعل التطورات الأخيرة، أبرزها التقارب العربي مع النظام وإعادته إلى الجامعة العربية، وتشكيل لجنة وزارية عربية مهمتها التواصل مع دمشق، لتسوية الملفات المطلوب حلها والواردة في بيان عمان الوزاري وقرار الجامعة العربية. وأبرز تلك الملفات، اللاجئين، الكبتاغون، الحل السياسي.
كما باشرت بعض الدول فتح خطوط إقليمية مع النظام، مع بدء أنقرة التفاوض مع دمشق على إنجاز عملية تطبيع، وإن كان من غير الواضح أنها ستفضي إلى نتائج حقيقية، غير أنها خلقت طاولة سياسية جديدة للملف السوري تتمثل في الآلية الرباعية (النظام، تركيا، روسيا، إيران)، إذ تتفاوض دمشق مع أنقرة تحت رعاية وضغط روسي، فيما دخلت إيران على خط المسار لقربها من النظام وتركيا في آن.
توقف اجتماعات اللجنة الدستورية
وأمام كل ذلك، تجمدت مسارات عدة، ومنها اللجنة الدستورية، التي توقفت اجتماعاتها عند أعتاب الجولة التاسعة، المجمّدة منذ يوليو/تموز 2022، بسبب اعتراض موسكو على استمرار انعقادها في جنيف السويسرية. ولم تفضِ اجتماعات اللجنة على مدار حوالي أربع سنوات وثمان جولات إلى نتائج حقيقية، ولا كتابة بند واحد من الدستور الجديد "المفترض" للبلاد.
وأتى التعنت الروسي بعدم الموافقة على تجديد آلية دخول المساعدات إلى سورية في يوليو الماضي، في ظلّ غياب أي مؤشرات واضحة على الموافقة وفقاً لمفاوضات في هذا الصدد، كما كان في المرات السابقة، ليعطي انطباعا بأن الجانب الروسي قد يطلب من الغرب، حامل لواء استمرار دخول المساعدات إلى سورية، تنازلات بشأن الملف السوري.
طارق الكردي: لا طائل من الرهان على صدق نظام الأسد
ومن التنازلات التي قد يطلبها الروس، تخفيف العقوبات على دمشق، بالإضافة إلى تخصيص حصص كبيرة من المساعدات تحت إطار "التعافي المبكر" لتذهب إلى مناطق سيطرة النظام. وفي السياق، تشير منظمات دولية إلى أن النظام يستخدم التعافي المبكر في عمليات "إعادة إعمار" يرفضها الغرب في ظل استمرار الحرب، وأن تلك العمليات صورية يطاولها الكثير من الفساد.
وفي آخر إحاطة دولية له في مجلس الأمن الشهر الماضي، أكد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسون، أن الجهود الدبلوماسية لم تترجم إلى نتائج "ملموسة" للسوريين، داعياً إلى استئناف العملية السياسية. وأشار إلى أن من مصلحة السوريين أن تتواصل أعمال اللجنة الدستورية، لكن الخلافات حول مكان عقد الاجتماعات (سويسرا) ما زالت قائمة، ولم يتم التوصل إلى اتفاق حولها.
وأوضح بيدرسون أن "أشهراً من الدبلوماسية لم تؤد إلى نتائج ملموسة على الأرض، في الداخل أو في الخارج، ولا إلى أي خطوات حقيقية في العملية السياسية"، أملاً في أن يتغير ذلك قريباً. وأضاف: "نحن بحاجة إلى إرادة سياسية للتغلب على القضايا التي تمنع اللجنة من الانعقاد مرة أخرى في جنيف، ولضمان استئناف أعمالها وتحقيق تقدم حقيقي".
ورأى بيدرسون أن "سلة الدستور هي جوهر القرار 2254 الذي ينص ضمن أمور أخرى على عملية صياغة دستور جديد"، معترفاً بأن هذه اللجنة التي تضم ممثلي النظام والمعارضة والمجتمع المدني لم تحقق تقدماً خلال ثماني جولات عقدتها.
من جهته، هاجم نائب السفير الروسي للأمم المتحدة دميتري بوليانسكي في الجلسة ذاتها، ما وصفها بالمحالات الغربية لعرقلة التطبيع، و"تسييس القضايا الإنسانية البحتة كالتعافي المبكر وتيسير عودة اللاجئين"، مشيراً إلى أن عمل اللجنة الدستورية "سيستأنف بعد تحديد الأطراف لسياق أو مكان للاجتماع أنسب من سويسرا، وهذه عملية أوشكت على الاكتمال".
أما عضو "هيئة التفاوض" السورية المعارضة، طارق الكردي، فرأى أنه "منذ اليوم الأول في الثورة السورية (بدأت في مارس/آذار 2011) ونظام الأسد وحلفاؤه يجنحون للحل العسكري ويرفضون الحل السياسي، ابتداء من المبادرة العربية وصولاً إلى قرار مجلس الأمن 2254، لذلك ليس غريباً ما قام ويقوم به نظام الأسد لعرقلة أعمال اللجنة الدستورية بل العملية السياسية برمتها".
وأضاف الكردي في حديث مع "العربي الجديد" أن "موقف هيئة التفاوض السورية واضح وثابت، بأن مكان انعقاد أعمال اللجنة الدستورية هو في مدينة جنيف السويسرية، ولكن هناك سؤال يطرح هل المشكلة حقيقة في مكان انعقاد اللجنة؟ اللجنة عقدت ثماني جولات خلال الفترات الماضية في جنيف ولم تكن هناك مشكلة تثار حول المكان، ومحصلة هذه الجولات هي صفر، والسبب كما تحدثنا ابتداء رفض النظام للحل السياسي، ولذلك هو سيرفض كل شيء وإن كان لا يستطيع الرفض فإنه يلجأ إلى تكتيكات التعطيل".
توقفت اجتماعات اللجنة الدستورية منذ أكثر من عام
وكشف الكردي أن المعارضة "تعتبر أنه من المجدي أكثر أن تركز الأمم المتحدة على استكمال منهجية عمل اللجنة، التي من المفترض أنها تمنع أي طرف من ممارسة التعطيل، وتسمح للجنة بتنفيذ مهمتها لكتابة دستور جديد لسورية".
لا طائل من الرهان على الأسد
وفي معرض تعليقه على تأثير التقارب العربي مع النظام على مسار الحل السياسي، قال الكردي إن "النظام تم تجربته أكثر من مرة قبل وبعد الثورة من قبل الأشقاء العرب والمجتمع الدولي، وكان دائماً يمارس الكذب والتحايل للتهرب من تنفيذ الاستحقاقات الملقاة على عاتقه، ولذلك كان حديثنا مع الأشقاء العرب أنه لا طائل من الرهان على أن نظام الأسد سيكون صادقاً هذه المرة، وأعتقد بدأنا نرى ونسمع عن بوادر فشل هذا المسار (المبادرة العربية) بسبب عدم جدية نظام الأسد والكذب الممارس من قبله".
وذكّر الكردي بموقف هيئة التفاوض السياسي، الداعي إلى التنفيذ الكامل والصارم للقرار 2254 والإفراج عن المعتقلين وتحقيق العدالة وإعادة اللاجئين. وأضاف: "طبعاً لن نغلق باب الحوار مع الأشقاء العرب لما فيه خير سورية والشعب السوري، ووفق المحددات السياسية لثورة الحرية والكرامة".
من جهته رأى المحلل السياسي أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مسار الحل السياسي أخيراً كان مقتصراً فقط على اللجنة الدستورية، وهذا المسار متوقف منذ بداية الحرب الأوكرانية، إذ لم تعقد أي جولة والحديث هنا عن حوالي عام ونصف العام.
ولفت إلى أن "المسارات أو الملفات الأخرى لم تشهد أي تقدم، مثل قضايا المعتقلين أو اللاجئين أو المساعدات الإنسانية، وإجراءات بناء ثقة، وذلك يرتبط بأكثر من مسألة ومنها عدم وجود مناخ دولي يهيئ للحل".
ولا يربط القربي بين التقارب العربي مع النظام وتوقف مسار الحل السياسي، مشيراً إلى أنه "على العكس فالتقارب الذي يقوم على مبدأ خطوة بخطوة يتماشى مع ما طرحه المبعوث الأممي في السابق، رغم أنه لم يحرز أي تقدم لا حالياً ولا في السابق".