- الدور الإريتري في الشأن الصومالي: لعبت إريتريا دوراً بارزاً خلال التدخل العسكري الإثيوبي (2006-2009) واستضافت مجموعات صومالية مسلحة، مما أدى إلى تشكيل تحالف ثلاثي بين الصومال وإثيوبيا وإريتريا.
- التحديات والتوقعات المستقبلية: يشير الباحثون إلى غياب تفاصيل تنفيذية واضحة، مما يثير تساؤلات حول مستقبل القوات الصومالية المتدربة في إريتريا، ويتوقع تعزيز العلاقات الدبلوماسية والتجارية ومكافحة حركة الشباب.
وقّع كل من الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود والرئيس الإريتري أسياس أفورقي في أسمرة، أمس الثلاثاء، مذكرة تفاهم جديدة نصّت أهم بنودها على تعزيز التعاون الدبلوماسي والسياسي، والتكامل الاقتصادي وتمتين العلاقات التاريخية بين الدولتين، إلى جانب التعاون الدفاعي والأمني حفاظاً على أمن واستقرار المنطقة.
وتأتي هذه المذكرة تتويجاً لزيارة أجراها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى أسمرة استغرقت أربعة أيام تلبية لدعوة رسمية من نظيره الإريتري، تفقّدا خلالها وحدات الجيش الصومالي التي تدربها إريتريا منذ عام 2018، ضمن اتفاقية أمنية مشركة بين الصومال وإريتريا وإثيوبيا، ويصل قوامها إلى نحو خمسة آلاف جندي صومالي، من بينهم ألف جندي لقوات خفر السواحل.
وبرز الدور الإريتري في الشأن الصومالي إبان التدخل العسكري الإثيوبي في الصومال عام (2006-2009)، واستضافة أسمرة مجموعات متفرقة من الكيانات والحركات الصومالية المسلحة التي رفضت التوغل العسكري الإثيوبي، ونظمت مؤتمرات للكيانات الصومالية التي تقاوم وجود القوات الإثيوبية في مقديشو وأنحاء عدة في جنوب الصومال، باعتبارها قوات محتلة، ليختفي دورها تدريجياً منذ انسحاب القوات الإثيوبية وانتخاب شريف شيخ أحمد رئيساً للصومال عام 2009. عاد هذا الدور ضمن مبادرة سلام إقليمية برعاية رئيس الحكومة الإثيوبية أبي أحمد عام 2018.
وشكلت الدول الثلاث (الصومال وإثيوبيا وإريتريا) تحالفاً ثلاثياً في القرن الأفريقي، توج بتوقيع اتفاقية اقتصادية وأمنية مشتركة في أسمرة في أيلول/ سبتمبر عام 2018.
وحول أهمية التقارب الأمني والدبلوماسي بين الصومال وإريتريا، يقول عمر فارح، محرر وكالة صونا (حكومية) في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن توقيع اتفاقية جديدة بين أسمرة ومقديشو تمهد الطريق فيما يبدو إلى تمتين العلاقات والتقارب بين دول القرن الأفريقي، وخاصة تلك الدول التي لها علاقات جيدة تمتد إلى فترة الستينيات والتسعينيات، وبالنسبة لأسمرة التي استقلت عام 1994 كانت الصومال من الدول التي ساندت استقلال إريتريا منذ الثمانينيات من القرن الماضي.
ويضيف فارح أن مذكرة التفاهم هذه تأتي أيضاً في ظل تحرك صومالي لإجراء مصالحة داخلية وخارجية لدفع عملية الاستقرار السياسي محلياً إلى الأمام، وتأكيداً على شعار الرئيس حسن شيخ محمود الذي يتمحور حول "صومال متصالح ومتصالح مع العالم".
ويتوقع فارح أن تمهد هذه المذكرة بين البلدين إلى تعزيز العلاقات والقنوات الدبلوماسية بفتح السفارات والقنصليات بين الدولتين، مما يعمق التبادل التجاري والتعاون العسكري والأمني، ويدشن الاستثمارات بين مقديشو وأسمرة.
وحول إمكانية أن تساهم القوات المتدربة الصومالية والموجودة حالياً في إريتريا في إلحاق هزيمة بحركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة في البلاد، يرى فارح أن خمسة آلاف جندي متدرب في إريتريا يعُد أكبر عدد تلقى تدريباً عسكرياً فائقاً خارج بلادهم، ما يعزز معنويات الجيش الصومالي ويكسبه سمعة وقدرات عسكرية لأول مرة منذ سقوط الدولة المركزية في أوائل التسعينيات من القرن الماضي.
وتابع فارح أن دور تلك القوات المتدربة يتمثل في المقام الأول بكسر شوكة مقاتلي حركة الشباب، وتحرير المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في جنوب الصومال ووسطها.
يقول الباحث الإريتري عبد القادر محمد علي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ما حدث لم يكن متوقعاً بالنظر إلى العديد من مؤشرات تغير في طبيعة العلاقة بين أسمرة ومقديشو، ومن أهمها أن الرئيس الإريتري لم يهنئ الرئيس الصومالي بتوليه منصب الرئاسة، ولم يرسل وفداً للمشاركة في احتفال تنصيبه خلافاً لكل زعماء المنطقة".
ويشير محمد علي إلى أن ما توصل اليه الرئيسان، حسن شيخ وأسياس، أقرب إلى إعلان نوايا واتفاق على خطوط عريضة من دون أي تبعات تنفيذية، ولا سيما أن مذكرة التفاهم خلت من أي تفصيل يتعلق بآليات تطوير هذه المذكرة إلى اتفاقية مثلاً، أو حتى تنفيذ ما تضمنته.
ويتساءل المتحدث عن مستقبل القوات الصومالية التي أنهت تدريباتها في إريتريا، وتحديد سقف زمني لعودتها إلى وطنها للمشاركة في عمليات حفظ السلام: "رغم أن المذكرة تضمنت بنداً يتعلق بتطوير التعاون الدفاعي فقد خلت هي والزيارة عموماً من أهم أولويات الرئاسة الصومالية المتعلقة بعودة الجنود الصوماليين الذين تلقوا تدريبات في إريتريا إلى موطنهم، وهو ما يخلف علامة استفهام أخرى حول مخرجات هذه الزيارة".
ويوضح الباحث الإريتري أن ما حدث يمثل نصراً إعلامياً لأسمرة فقط، القلقة من تطورات المصالحة الإثيوبية، ولا سيما أن الاتفاق الثلاثي الإثيوبي الصومالي الإريتري تضمن الكثير من محاور مذكرة التفاهم هذه، ولذا فإن مفاعيلها الواقعية ستتضح من المسار الذي ستأخذه العلاقات بين البلدين.
شهد القرن الأفريقي في السنوات الأخيرة تسابقاً دولياً كبيراً، توضح أخيراً ليتجاوز البعد الاقتصادي إلى البعد العسكري والأمني مع الضغط الأميركي لعقد الانتخابات الصومالية، والدعم للرئيس حسن شيخ محمود وإعادة قوات أميركية إلى الصومال، وتطوير إريتريا تحالفاتها مع كل من الصين وروسيا وترحيبها ببناء قاعدة روسية على أراضيها، والاتفاقية العسكرية الروسية الإثيوبية الموقعة العام الماضي، والاتفاقية الأمنية الإثيوبية الصينية لحماية المنشآت المتعلقة بمبادرة الحزام والطريق الصينية في إثيوبيا.
وبالنظر إلى التطورات في شرق أوروبا ودخول العالم في مرحلة حرب باردة جديدة، فإن القرن الأفريقي مرشح ليكون إحدى نقاطها الساخنة.
مدير المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية ياسين أحمد يرى في هذا التقارب الإريتري الصومالي تعزيزاً للاتفاقيات السابقة بين الدولتين، والتحالف الثلاثي بين مقديشو وأديس أبابا وأسمرة، بعد أن راهن كثيرون على نهاية هذا التحالف وتفككه بعد خسارة الرئيس الصومالي السابق محمد عبد الله فرماجو الاستحقاق الرئاسي في الصومال في مايو/ أيار الماضي، فما حصل يثبت عكس ذلك، لأن التحالف هذا لم يتغير بعد بتغير الحكومات.
وبحسب مصادر رسمية، فمن المتوقع أن يجري الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود جولة إقليمية تشمل كلاً من قطر ومصر والسعودية، بهدف السعي لتوفير دعم للحكومة الفيدرالية والاستجابة لنداءات الإغاثة الإنسانية، كما يزور أسمرة لبحث مسألة إعادة القوات الصومالية المتدربة إلى وطنها بهدف المشاركة في العمليات القتالية ضد حركة الشباب، التي يركز الرئيس الجديد على مكافحتها، تمهيداً لفرض استقرار أمني وسياسي في البلاد، بعد عقود من الصراعات الدموية والقلاقل السياسية.