مدينتان جديدتان "لليهود فقط" في النقب... ولا اعتراف بقرى العرب

15 مارس 2022
ستكون مدينة مخصصة لليهود المتدينين وأخرى للعلمانيين (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

صادقت الحكومة الإسرائيلية، اليوم الثلاثاء، على إقامة مستوطنتين جديدتين لليهود فقط في النقب وهما: مدينة كاسيف المخصصة لليهود المتدينين (الأرثوذكس المتطرفين) والتي سيتم إنشاؤها بالقرب من منطقة عراد، ومن المتوقع أن تؤوي أكثر من 100 ألف مستوطن، وسوف تشمل مركزاً طبياً ومنطقة صناعية ذات تقنية عالية؛ ومستوطنة نيتسانا لليهود العلمانيين بالقرب من مدخل نيتسانا على الحدود المصرية.

وبحسب الادعاءات الإسرائيلية، فإنّ القرار يأتي على خلفية الأثر السلبي لأزمة السكن على جميع شرائح السكان (اليهود فقط)، ولا سيما المجتمع اليهودي الأرثوذكسي المتطرف، الذي يتميز بنسبة مواليد أعلى من المتوسط.

وطرح وزير البناء والإسكان الإسرائيلي زئيف إلكين، ووزيرة الداخلية الإسرائيلية أيليت شاكيد، اقتراحاً لإنشاء مدينة "كاسيف" للطائفة اليهودية الأرثوذكسية المتطرفة بالقرب من منطقة عراد، للمصادقة عليه من قبل الحكومة يوم الأحد، وستضم المدينة المخطط لها أكثر من 20 ألف وحدة سكنية، ومن المتوقع أن تستوعب ما بين 100 و125 ألف مستوطن. وبالموافقة على الاقتراح الذي أيّده وزير المالية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، من المتوقع أن يبدأ البناء في المنطقة في غضون أشهر قليلة.

وستكون مدينة كاسيف، كما ترى حكومة الاحتلال، "حلاً فريداً" لأزمة السكن في المجتمع اليهودي الأرثوذكسي المتطرف، نظراً لاتساع المساحة المتاحة للبناء في النقب، والتي لا توجد في أي مكان آخر بالأراضي المحتلة عام 1948.

بالإضافة إلى ذلك، تسمح البنية التحتية في المنطقة ببناء مدينة جديدة في وقت قصير، ومن المعروف أنّ المجتمع اليهودي الأرثوذكسي المتطرف يحتاج كل عام إلى حوالي 11 ألف منزل جديد. وترى إسرائيل أنهم في أمسّ الحاجة إلى سقف فوق رؤوسهم، الأمر الذي لا تراه أبداً بالنسبة للمواطنين العرب؛ أصحاب الأرض التي سيتم بناء المدينتين اليهوديتين عليها.

وبحلول عام 2040، من المتوقع وجود 300 ألف أسرة أخرى من اليهود المتدينين، ما يعني الحاجة لأراضٍ أكثر لتوسعة مدينتهم، أو استحداث مدن أو مستوطنات أخرى لهم في النقب إن صح التعبير. وتشير التقديرات إلى أنّ هناك بالفعل نقصاً بحوالي 40 ألف وحدة سكنية للمستوطنين اليهود الأرثوذكس المتشددين.

وسيتم إنشاء كاسيف بالقرب من مدينة عراد اليهودية أيضاً في النقب، وتم التخطيط لمناطق صناعية وتجارية واسعة فيها تبلغ حوالي 520 ألف متر مربع، مما سيوفر الحل لمشاكل العمل لجميع مستوطني المدينة، رغم أنّ المعروف عن اليهود الأرثوذكس أنهم "عالة" على حكومات الاحتلال، ولا يعملون، ولا يحبون العمل، ويرون أن وجودهم في الحياة هو لدراسة التوراة فقط لا غير!

كما سيتم بناء مركز طبي في الموقع سيوفر تدريباً مهنياً في مجالات الطب، ومنطقة ذات تقنية عالية مخطط لها، وتم التركيز بشكل إضافي على تخطيط المدينة الذي يتناول على وجه التحديد احتياجات المجتمع اليهودي الأرثوذكسي المتطرف. وكجزء من هذا التخطيط، سيُبنى نظام للبنية التحتية للكهرباء والمياه، يشمل ما يسمّى (الكوشر) لاستخدامه في أيام السبت، وستحدد مناطق عامة واسعة للمؤسسات التعليمية والمدارس الدينية التلمودية التوراتية وأكثر.

في الوقت نفسه، وافقت حكومة الاحتلال اليوم أيضاً على إقامة مستوطنة "نيتسانا" بالقرب من الحدود مع مصر، في منطقة مجلس رمات نيقيب (النقب) الإقليمي، ومن المقرّر أن تضم حوالي 2200 عائلة، وستكون هذه المستوطنة بداية لإنشاء جميع المستوطنات المخطط لها على أرض النقب، تزامناً مع افتتاح مستوطنة نيتسانا، وستحتوي على حي سكني يضم "مجمع مستوطنة نيتسانا التعليمي"، ومن المتوقع في المرحلة القادمة توسيعها بالقرب من المجمع التعليمي.

"أسوأ أزمة سكنية"

ورحبت وزيرة الداخلية الإسرائيلية أيليت شاكيد بالمشروعين قائلة: "هذه خطوة مهمة، ستساعدنا في التعامل مع أسوأ أزمة سكنية عرفتها دولة إسرائيل على الإطلاق، هذا قرار صهيوني واستراتيجي سيحمل أخباراً مهمة للجمهور في البلاد عامة، والنقب خصوصاً".

وأشار وزير البناء والإسكان الإسرائيلي زئيف إلكين إلى أهمية التعامل مع أزمة الإسكان لدى اليهود الأرثوذكس المتطرفين قائلاً: "ستكون مدينة كاسيف حلاً هاماً لأزمة الإسكان في المجتمع اليهودي الأرثوذكسي، وستسمح للأزواج بتأسيس مجتمع جديد في جنوب البلاد".

في المقابل، فإنّ الحديث عن إنشاء مدينتين لليهود في النقب لم يرافقه أي بصيص أمل لحل المشاكل السكنية الخانقة للعرب أصحاب الأرض الأصليين، الذين يعانون من ظروف حياتية مأساوية جداً، بل تزداد في الآونة الأخيرة.

وتزامناً مع انشغال العالم بالحرب الروسية الأوكرانية، ازدادت وتيرة هدم البيوت في النقب وبالذات للأزواج الشباب، أو من يحاول ترميم بيت قائم منذ زمن، حيث هدمت السلطات الإسرائيلية، خلال الأسبوع الماضي فقط، 3 بيوت لأزواج جدد، وتركتهم دون أي حلول لمشكلة السكن، لا سيما أنها ترى في وجودهم "غزواً" لأراضٍ تعتبرها حكومة الاحتلال أراضي دولة، ولا تضع لهم أي حلول تتضمن بناء مدن بذات المواصفات التي أعدتها للمدينتين اليهوديتين الجديدتين، ولا تسمح للعرب أيضاً بشراء قسائم بناء في هذه المدن، لأنها ترى، وكما ورد على لسان الوزيرة شاكيد، أنّ هذه المدن أو المستوطنات هي عبارة عن مشاريع صهيونية بحتة، وبالتالي لن يكون فيها مكان للوجود العربي.

ورفضت مدينة عراد اليهودية، وعلى مدار السنوات العشر الماضية، إقامة مدينة كاسيف، لأنها ستتسبب بهجرة عكسية لليهود من عراد إلى كاسيف، رغم تطور عراد على كافة الأصعدة. وترى بلدية عراد أنّ هذه الهجرة العكسية ستتيح فرصة كبيرة للشبان العرب للسكن في عراد، وبالتالي تحولها إلى مدينة عربية، وهذا ما لا تبحث عنه أي حكومة إسرائيلية، لذلك لا تزال المداولات في شأن هذه المدينة قائمة لإيجاد حل لهذه الإشكالية.

محاولات إسرائيلية لتهويد النقب

ويقول معيقل الهواشلة، الباحث في المركز الميداني للمجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب: "في الفترة التي نطالب فيها بالاعتراف بقرانا العربية على أراضينا، ترفض دولة الاحتلال ذلك، وتحاول جاهدة تهويد النقب تحقيقاً لرؤية بن غوريون، الذي أراد وجود ملايين اليهود في النقب". ويضيف: "كاسيف ستكون قبالة قرية كسيفة العربية ونيتسانا على أراضي قرية عوجا حفير المهجرة عام 1948، بالقرب من بير هداج غير المعترف بها، وتسكنها عائلات العزازمة قرب الحدود مع مصر، كما حدث في أم الحيران، وفي راس جرابا، التي وافق أهلها على أن تكون حارة تتبع لمدينة ديمونا، فيما رفضت السلطات وجود العرب إطلاقاً من باب تهويد أرض النقب".

ويوضح أنّ "كاسيف مثلاً تقام على أراضٍ عربية تم تهجير أهلها عام 1948، كذلك الحال في نيتسانا التي رحلت عنها أكثر من 12 عشيرة. هنالك مناطق قريبة من نيتسانا مثل الخلصة، لا تزال المعالم العربية فيها شاهدة على جريمة تهجير المواطنين العرب، وكل هذا لم يشفع للمواطن البدوي للحصول على أبسط حقوقه في الأرض والمسكن والحياة الكريمة".

وتوقع الهواشلة أن يرفض اليهود المتدينون السكن في النقب، كما رفضوا ذلك سابقاً على مدار السنوات العشر الماضية، "لأنهم يرونه مكاناً فقيراً لا يناسبهم. ورغم فقر النقب، صمد البدوي وحده فيه، واستطاع التأقلم مع نمط الحياة القاسية على أرضه"، موضحاً أنّ "مثل هذه المخططات تحتاج إلى تكاتف جهود جميع الأطر العربية الفاعلة للتصدي لها، وإلا فإنّ المواطن البسيط وحده لن يتمكّن من ذلك".

بدوره، يشير رئيس "الحزب الديمقراطي العربي" المحامي طلب الصانع، إلى أنّ "نيتسانا كانت بلدة صغيرة على الحدود مع مصر، ويعملون الآن على تحويلها إلى مدينة كبيرة، لتكون تجمعاً يهودياً كبيراً، ومقدمة لتجمعات أخرى، أما كاسيف، فهي مخطط لها قرب كسيفة العربية"، موضحاً أنه "خوفاً من الهجرة العكسية لليهود من عراد إلى كاسيف، تم تجميد القرار على مدار سنوات طويلة، لكن السؤال للحكومة، ما المنطق لإقامة تجمع يهودي قرب الفرعة العربية بدلاً من الاعتراف بالفرعة؟"، معتبراً أنّ هذا "يعني أن تعمل حكومة الاحتلال على بناء مدن وتجمعات يهودية، وتتجاهل وجود السكان العرب، ولا تسمح لهم حتى بامتلاك بيوت للسكن فيها، رغم أن أي يهودي بإمكانه السكن في عراد وعدم تهجير البلدات العربية".

وشدد الصانع على أنه "لا مبرر لإقامة بلد يهودي لليهود فقط"، مشيراً إلى أنه "كان من ضمن المتطلبات خلال السنوات الماضية أن يكون المجال متاحاً للعرب للسكن في هذه المدينة وأن تكون مدينة للجميع، إلا أنّ الحكومة الاحتلالية الحالية تحاول من خلال مثل هذه القرارات، أن تثبت لليهود مراراً وتكراراً أنها حكومة بمبادئ صهيونية بحتة، وأنّ هدفها الأساس الاستمرار بعملية تهجير العرب من أرضهم، والتي بدأت عام 1948 ومستمرة حتى يومنا هذا".

وكاسيف ونيتسانا عبارة عن خطوة في بداية مشوار أصبح واضحاً، يقول إنّ إسرائيل كانت وما زالت تخطط عبر حكوماتها المتعاقبة جميعها، لاستكمال المشروع الاحتلالي الصهيوني المتمثل في إفراغ أرض فلسطين من أصحابها، لإقامة ما يسمّى بالدولة اليهودية للشعب اليهودي فقط، متجاهلة تماماً أن الشعوب لا تفنى ولا تموت أبداً، وأن صاحب الحق سيستمر بالمطالبة به جيلاً بعد جيل.

المساهمون