قالت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" إنه "في مقابل المساعي المصرية لوقف الحرب على قطاع غزة، هناك خطة إسرائيلية بعد توقف العمليات العسكرية، يساوم بها الإسرائيليون، تتمثل في الدفع تدريجياً بعدد كبير من سكان قطاع غزة قد يصل إلى مليون شخص، إلى مصر، ومن ثم يتم توزيع هؤلاء على المحافظات المصرية".
وأشارت المصادر إلى أنه "سيكون مسموحاً لهؤلاء السكان، بالعمل والعيش، مع إيجاد فرص عمل في دول خليجية أو حتى أوروبية"، بينما لفتت إلى أن "المخاوف المصرية كبرت بعد إشارات لخطط غربية وأميركية وإسرائيلية، بشأن تصور جديد لخلخلة الكتلة السكانية في القطاع، على حساب مصر".
خطة معدّلة لتهجير الغزّيين
ووفقاً للخطة الإسرائيلية، التي تأتي معدلة على خطط سابقة للتهجير اصطدمت برفض أجهزة مصرية نافذة، وبتصريحات علنية للمستويات السياسية العليا في مصر، فإنه يمكن استيعاب مئات الآلاف من الغزّيين في المدن المصرية، بعد انتهاء الحرب. وهي خطة مبنية على مدى زمني أطول، وخطوات متدرجة، بحيث لا تثير هذه الخطوات رفضاً من الأجهزة المصرية، والمؤسسة العسكرية.
ويضرب الإسرائيليون في هذا السياق مثالاً بشأن قدرة مصر على استيعاب مئات الآلاف من السوريين، عقب اندلاع الأزمة في بلادهم.
مصادر: تقنع جهات غربية مصر بالمخطط عبر عوائده المالية والاقتصادية
ولفتت المصادر إلى أن "العقبة الأساسية في تنفيذ هذا المخطط هي رفض الأجهزة السيادية المصرية، لما يعرض عليها، في أعقاب طلبات للقيادة السياسية، من مسؤولين غربيين تحدثوا مع مستويات سياسية عليا أكثر من مرة بهذا الشأن".
وأضافت أن "جهات غربية وأميركية، تسعى في الوقت الحالي، إلى إقناع الأجهزة المصرية خصوصاً المؤسسة العسكرية بقبول الفكرة تدريجياً، وإقناعها بأن عوائد هذا المشروع ستكون مشجعة مالياً واقتصادياً بمساعدة الاتحاد الأوروبي وأميركا ودول الخليج".
استحالة تطبيق المخطط الإسرائيلي
وتحدّثت المصادر عن "وجود مخاوف مصرية بشأن طبيعة الخطط الإسرائيلية والأميركية، بشأن الوضع مستقبلاً في قطاع غزة"، لافتة إلى أن "النوايا التي كشفت عنها تل أبيب لعدد من الدول المعنية بالأزمة، وفي مقدمتها مصر، بإقامة منطقة عازلة تحيط بقطاع غزة من كافة النواحي، تشير إلى خطة لتقليص مساحة القطاع الحالية التي يعيش عليها 2.3 مليون نسمة، إلى النصف تقريباً".
الأمر الذي يستحيل معه إقامة هذا العدد من السكان في تلك المساحة، حيث تبلغ المساحة الراهنة 360 كيلومترا، وفق المصادر.
وقالت إن "خططاً طُرحت على القاهرة، بشأن تجاوز المرحلة الحالية التي يصعب معها تمرير أي مخطط لتهجير قسري للفلسطينيين من قطاع غزة بشكل مباشر، في ظل سخونة الشارع العربي جراء ما يحدث، ورفض بعض المؤسسات ذات الثقل في الداخل المصري لأية خطط رامية لتوطين سكان القطاع في سيناء".
وأوضحت أن "هناك تصوراً مطروحاً رغم الرفض المصري لخطط التهجير، يتضمن تسهيل انتقال نحو مليون وربع المليون غزّي للعيش في مصر، لكن من دون تحديد منطقة واحدة لهم، بحيث ينتشرون بين المواطنين المصريين في مختلف المحافظات والمدن الجديدة". وهو انتشار "على غرار ما يحدث مع غيرهم من المواطنين اليمنيين والسوريين والسودانيين في الوقت الراهن، مقابل حزم امتيازات اقتصادية واسعة".
قنوات اتصال مفتوحة بين القاهرة وتل أبيب
في موازاة ذلك قالت مصادر مصرية مطلعة على تحركات وجهود القاهرة بشأن وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إنه "رغم مغادرة وفد تابع لجهاز الشاباك (الأمن العام) الإسرائيلي مصر، بعد ساعات من انهيار مفاوضات تمديد الهدنة الإنسانية المؤقتة يوم الجمعة الماضي، إلا أن الاتصالات من جانب حكومة الاحتلال مع المسؤولين في مصر، لم تنقطع منذ ذلك الحين، عبر القنوات الأمنية المعتمدة".
وأوضح مصدر مصري أن القاهرة "تحافظ على عدم قطع المسارات، على أمل إحياء مفاوضات تجديد الهدنة، والبدء في مفاوضات أوسع لوقف كامل لإطلاق النار".
تهجير الفلسطينيين قضية مركزية
في هذه الأثناء، رأى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عصام عبد الشافي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مخطط التهجير في ظل هذه السياقات هو "القضية المركزية التي تسعى إليها كل الدول الغربية الآن".
واعتبر أن "ضخ 10 مليارات دولار لصالح النظام في مصر، وتصريحات رئيسة صندوق النقد الدولي (كريستالينا غورغيفا) عن تقديم كل سبل الدعم للحكومة المصرية، وتغاضي الإدارة الأميركية عن الانتهاكات في ملف حقوق الإنسان، وصفقات السلاح، وهذا الاحتفاء الكبير بالنظام المصري وغيره من النظم العربية، يصب في تنفيذ هذا المخطط".
عبد الشافي: صمود المقاومة يؤجل تنفيذ المخطط الإسرائيلي
ولفت عبد الشافي إلى أن ما يؤجل تنفيذ المخطط "هو الحرب في غزة الآن، وصمود المقاومة، فكلما استطاعت المقاومة أن تصمد، وكلما تمسكت المقاومة بخيار الحرب والمواجهة المستمرة، كلما أدى ذلك إلى تأجيل مخطط التهجير". وأضاف أن "الإفراط في استخدام القوة من جانب الكيان الصهيوني، هدفه الدفع بالتنفيذ الفوري والسريع لمخطط التهجير".
وأشار إلى أن "أحد أركان خطة الحكومة المصرية التي أُعلن عنها قبل فترة، وتتعلق بتطوير شبه جزيرة سيناء -ولو لم يعلن ذلك رسمياً- هو كيفية تنفيذ مخطط التهجير، وذلك عندما تحدثت الخطة عن توطين 8 ونصف مليون مواطن".
وقال عبد الشافي إن "هذا رقم مبالغ فيه لأن كل عدد سكان سيناء حتى الآن لا يتجاوز مليون شخص منذ تحريرها عام 1973"، موضحاً: "نحن نتحدث عن 50 عاماً، وعدد السكان لم يتجاوز المليون نسمة، فكيف يتم الحديث عن توطين هذا الرقم دفعة واحدة، إلا إذا كان الأمر يرتبط بأجندات خارجية ومخطط لتهجير وإعادة التوطين للفلسطينيين".
وبشأن الحديث عن هدنة محتملة قال عبد الشافي، في حديث لـ"العربي الجديد" إن "التوصل إلى تهدئة جديدة في قطاع غزة، يبقى احتمالاً قائماً، لأننا أمام حرب استنزاف دخلت شهرها الثالث". وأضاف: "فكرة استمرار الحرب قائمة أيضاً، لأنه في النهاية، إذا توقفت الحرب الآن كما توقفت في الهدنة السابقة، سينعكس ذلك على الأوضاع في الداخل الإسرائيلي، وسيتم تصدير الأزمة إلى حكومة (بنيامين) نتنياهو واليمين المتطرف".
واعتبر عبد الشافي أن ذلك "قد يترتب عليه مزيد من التوترات وعدم الاستقرار الداخلي، ما قد يدفع باتجاه حرص حكومة نتنياهو واليمين المتطرف على استمرار الحرب لأطول مدى ممكن وتحقيق أي انتصار، حتى لو كان معنوياً يتم ترويجه داخلياً".
ضغط إسرائيلي لنزوح الغزّيين نحو مصر
من جانبها، قالت مديرة برنامج مصر بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، ميريت مبروك، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الخطة الإسرائيلية تقوم على فكرة الترويج لما سيحدث بأنه ليس تهجيراً قسرياً"، مشيرة إلى أن "الحقيقة أنهم (إسرائيل) سيستمرون في الدفع بالفلسطينيين، وكل أملهم أن يستمر هذا الدفع، حتى يصل الفلسطينيون إلى الحائط على الحدود المصرية، ثم يحدث نزوح إلى مصر".
مبروك: إسرائيل تريد للفلسطينيين أن يذوبوا في المجتمع المصري
وشدّدت مبروك، على أن "الإسرائيليين، لا يريدون أي تواجد لفلسطينيين في سيناء، لكنهم يريدون للفلسطينيين أن يذوبوا في المجتمع المصري، لأن وجودهم في سيناء يشكل شوكة في خاصرة إسرائيل".
وأضافت أن مصر وجميع العرب يرفضون هذه الخطة "لأنهم يعلمون جيداً أنه لو خرج الفلسطينيون، فلن يسمح الإسرائيليون بعودتهم مرة أخرى، وهذا طبعاً مخطط إسرائيلي، خصوصاً في ظل هذه الحكومة الأكثر يمينية منذ حرب 1973".
وأوضحت أن "إسرائيل تحاول دفع الفلسطينيين إلى جنوب قطاع غزة، كما فعلوا في الشمال منه، حتى يبقى المكان الوحيد لدفعهم نحوه، هو مصر، ولكن ذلك المخطط ينطوي على خطورة شديدة، لعدم إدراكهم أنهم لو ضغطوا على مصر أكثر من اللازم، فإن ذلك سيهدد الأمن في المنطقة بشكل عام".