عبّر قضاة وسياسيون تونسيون عن مخاوفهم من محاولات التدخل في القضاء، مؤكدين أنّ تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد إثر استقباله، أول أمس الاثنين، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، يوسف بوزاخر، تعكس محاولات واضحة للتدخل في القضاء.
ودعا سعيد إلى استقلالية القضاء والتسريع في آجال التقاضي وإعطاء كل ذي حق حقه والتصدي لكل من يحاول "التسلل" إلى قصور العدالة، مشدداً على ضرورة "تطهير" القضاء وعلى أن يلعب دوره التاريخي في هذه المرحلة التي يريد فيها الشعب أن "يطهر" البلاد.
وقالت عضو المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين، لمياء الماجري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، يوم الأربعاء، إنّ الجمعية تابعت اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية برئيس المجلس الأعلى للقضاء، مبينة أنّ "طريقة الخطاب وتقديمه بذلك الشكل كان من المفروض أن تكون مؤسساتية وفي إطار التفاعل بين الطرفين، وليس سلطة واحدة تتكلم والأخرى صامتة وتتلقى الخطاب"، مبرزة أنه "كان من الأنسب أن نستمع أيضاً إلى رد رئيس المجلس الأعلى للقضاء".
وأضافت الماجري أنّ "اللقاء تضمن دعوة لقيام المجلس بدوره ودعوة القضاء لمكافحة الفساد"، مؤكدة أنه "من حيث الدعوة، فالجمعية كانت قد دعت القضاء لتحمل مسؤوليته قبل 25 يوليو/تموز وبعده، ومواقف القضاة لا تتحدد وفق المناخ السياسي والسياقات السياسية".
وفي 25 يوليو/تموز الماضي، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد عما وصفها بـ"تدابير استثنائية" شملت حل البرلمان والحكومة، ليجمع الرئيس بيده السلطات التشريعية والتنفيذية.
ولاحظت أنّ "القضاء من واجبه أن يقوم بتطهير القضاء من بعض الفاسدين داخله"، مبينة أنه "في 2020 و2021 حصلت دعوات لتطهير القضاء وتنقيته خاصة ممن تحوم حولهم شبهات فساد وهذه المسألة بالذات مطلوبة ويتعهد بها القضاء العدلي".
وفي السياق، اتهم حزب "الاتحاد الشعبي الجمهوري"، في بيان له، اليوم الأربعاء، رئيس الجمهورية قيس سعيد، بـ"محاولة تدجين القضاة وترهيبهم ومصادرة استقلالية قراراتهم".
وأكد الحزب أنه "بعد أن استهدف انقلاب 25 يوليو التجربة الديمقراطية على علاتها وأخطائها وألغى السلطة التشريعية وجمد البرلمان واستصدر لخاصة نفسه الأمر 117، والذي به اجتمعت في قبضته السلطتان التنفيذية والتشريعية، ها هو قيس سعيد يصوب أطماعه نحو السلطة القضائية، وهذا ما تبين من خلال لقائه برئيس المجلس الأعلى للقضاء".
وقال الأمين العام لـ"الاتحاد الشعبي الجمهوري"، لطفي المرايحي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "تصريحات سعيد حول القضاء هي الأخطر تقريباً منذ 25 يوليو؛ لأنها استهداف مباشر للقضاة وتدخل في السلطة القضائية"، موضحاً أنّ "وجود قاض فاسد لا يعني فساد كل القضاة"، مشيراً إلى أنّ "قيس سعيّد تميز بخطابه الشعبوي، وبعد حلّه للبرلمان يشكك في كل ما هو مؤسسات قائمة وحتى هيئات دستورية، بتواتر خطاب التخوين وانتقاد نزاهة المؤسسات".
بعدما اجتمعت في قبضته السلطتان التنفيذية والتشريعية، ها هو قيس سعيد يصوب أطماعه نحو السلطة القضائية
وقال المرايحي إنه "بعد التفرد بالسلطة يحاول سعيد الاستحواذ على السلطة القضائية وكأن الشرفاء استثناء"، لافتاً إلى أنّ "هذا الخطاب يلاقي صدى عند الناس؛ لأنهم يبحثون عن التشفي وليس العدالة"، مضيفاً أنّ هذا "يعطي جرعة من الأمل ولكن لا مشروع أصلياً لسعيد غير التصريحات المقلقة".
وقال القاضي أحمد الرحموني إنّ جلوس رئيس المجلس الأعلى للقضاء بين يدي رئيس الجمهورية، يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول، في قصر قرطاج الرئاسي "لم يكن كغيره من اللقاءات التي جمعتهما"، مضيفاً في تدوينة على صفحته في "فيسبوك"، أنّ "سعيد ربما يرغب من وراء إخراج ذلك "الموقف" أن يؤكد للشعب (المجسد في شخصه) أنه يدير كل شيء (خصوصاً بعد المظاهرة المليونية!) وأن ما بقي من سلطات الدولة (وهو القضاء) ليس بعيداً عن مرمى صواريخه".
وأكد الرحموني أنّ سعيد "يهدف إلى ترسيخ صورة القضاء المستضعف، مظنة الرشوة والفساد (إلا قلة شريفة)، وذلك استكمالاً لتصوراته عن السرطان الذي ينخر جسم الدولة"، متسائلاً إن كان سعيد "يرمي مع ذلك إلى ترويع الجميع وخصوصاً القضاة حين يرفع شعار تطهير البلاد وتطهير القضاء؟ باعتبار أنّ ذلك هو أقصر الطرق وأنجعها لإخضاع القضاء".
وبيّن الرحموني أنه لم تكن بيد رئيس المجلس الأعلى للقضاء "مفاتيح الإصلاح ولا سر التطهير حتى يصرخ في وجهه رئيس الدولة، كما لم يكن له وهو الماثل أمام صاحب جميع السلطات، أن يذكر بأنّ ما نعيشه من غياب السلطات العامة الثلاث وتركيزها في يد واحدة والإخلال بمبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها والتدخل في تنظيم العدالة بمراسيم رئاسية ووضع القضاة بالإقامة الجبرية ومنعهم من السفر وترويعهم في كل مناسبة، لم يترك من تلك السلطة شيئاً إلا الحديث في أركان المحاكم!".