مخاوف أميركية جدّية من اجتياح روسي لشرق أوكرانيا

06 ديسمبر 2021
تتسارع التطورات على الحدود الروسية – الأوكرانية (Getty)
+ الخط -

في أقل من أسبوع، تحوّل الاهتمام في واشنطن من الحديث عن خطر اجتياح الصين لتايوان، إلى التركيز على الخطر الجدّي، وربما "الوشيك"، لاحتمال اجتياح الجيش الروسي لشرق أوكرانيا. تغيرت الأولوية الراهنة في ضوء تسارع التطورات على الحدود الروسية – الأوكرانية، والتي استدعت لقاء الوزير أنتوني بلينكن بنظيره الروسي سيرغي لافروف قبل ثلاثة أيام في استوكهولم.

وزاد من الجدّية أن الموضوع أحيل إلى الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين للتباحث بشأنه في لقاء بالفيديو غداً الثلاثاء، بعدما تعذر على الوزيرين التوصل إلى تفاهم لتنفيس الأزمة. وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن وصف الوضع على الحدود الأوكرانية الروسية بأنه "مقلق جداً"، وذلك خلال كلمة ألقاها السبت في "منتدى الدفاع الوطني" بمكتبة الرئيس ريغان في ولاية كاليفورنيا. وإن كان خطابه مخصصاً للموضوع الصيني، إلا أن السؤال الأول الذي طرح عليه كان عن روسيا وليس الصين.

سبق لروسيا أن حشدت قوات على الحدود الشرقية الأوكرانية قبل عدة أشهر، بما أثار الشكوك آنذاك حول نواياها، واحتمال قيامها بعمل عسكري في تلك المنطقة. ثم تراجعت المخاوف بعد سحب قواتها. الفارق هذه المرة حسب المعلومات المتداولة، أن الحشود أكبر، إذ تزيد على "مائة ألف جندي"، مجهزين بمعدات حربية ثقيلة. وحسب التوقعات المنسوبة إلى مصادر حكومية أوكرانية، قد يصل عددها إلى "175 ألفاً، قد تقوم بغزو تلك المنطقة في أواخر يناير/كانون الثاني المقبل". وفي آخر المعلومات، فإن الاستخبارات الأميركية "تحذر" هي الأخرى من مثل هذا الاحتمال.

استحضر هذا السيناريو سيرة السيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم في 2014، والتي بدأ معها مسلسل التصعيد الروسي رداً على التوجهات التي أخذت تتبلور في أوكرانيا للالتحاق بالاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، منذ 2013، إثر الإطاحة بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش، الموالي لموسكو، وما سُمّي آنذاك بثورة أوكرانيا. وما يجري الآن يندرج في هذا السياق، الذي تحولت معه أوكرانيا إلى ساحة صراع روسي أميركي، يشدّ كلاهما لجرّها إلى الدوران في فلكه. والباقي تفاصيل من دواعي الإخراج.

الكرملين زعم أن من حقه حماية المواطنين الروس أو المتحدثين بالروسية في القرم ومناطق شرق أوكرانيا، وواشنطن تعاملت مع ذلك كانتهاك لسيادة أوكرانيا، جرى توظيفه لدفْق المساعدات العسكرية لها، والتي بلغ مجموعها حوالي مليار دولار. وهذه حقيقة غير خافية في واشنطن. يعرفها المؤيدون لدعم أوكرانيا، كما الذين يحذرون من عواقب هذا التوجه.

الفريق الأول يمثل الأكثرية في صفوف الكونغرس والنخب الفكرية ومجتمع السياسة الخارجية، التي لم تغادر بعد عقلية الحرب الباردة، والتي تؤيد الوقوف مع أوكرانيا في مواجهة "العدوان" الروسي، والتصدي لطموحات "القيصر" بوتين. ومن هذا الموقع، هي تدفع نحو الاستمرار في توسيع حلف "الناتو" بحيث يشمل أوكرانيا.

في المقابل، هناك من يربط التوتر مع موسكو بهذا التوسيع بالذات. ومن أصحاب هذا الرأي محافظون أقحاح مثل السياسي والكاتب باتريك بوكانان الذي حذر منذ البداية من مغبة "تطويق روسيا بحلف الناتو". بل هو سبق ودعا إلى فرط الحلف بعد الحرب الباردة بسبب "انتفاء مبرر وجوده". حسب هذا التعليل، أدّت محاصرة موسكو بضم المزيد من جوارها إلى "الناتو"، لدخولها إلى جورجيا، واحتمال دخولها الآن إلى أوكرانيا.

خطر تصعيد مفتوح على تدهور غير محسوب

واقع الحال الآن أن رئاسة بايدن عليها التعامل مع هذا التوتر الذي لا يخلو من خطر التصعيد المفتوح على تدهور غير محسوب، لو اجتاحت القوات الروسية المناطق الشرقية لأوكرانيا. الإدارة حرصت على حصر دعمها لأوكرانيا "بتمكينها للدفاع عن نفسها"، وليس الالتزام بالدفاع عنها. وزير الدفاع أوستن شدد السبت على وضع الدور الأميركي في هذه الحدود. لكن مع ذلك، فإن زيادة التأزم مع موسكو، من شأنها تعقيد العلاقات معها في وقت آخر ما تحتاج إليه واشنطن هو أزمة من عيار حرب روسية أوكرانية، سيحاول الرئيس بايدن استباقها بلقائه الافتراضي غداً الثلاثاء مع بوتين، وهو لا يحمل غير سلاح العقوبات.

لكن سيد الكرملين، الذي يمسك بالمبادرة، والذي يدرك صعوبات بايدن، ليس من المتوقع تراجعه إلا مقابل تنازلات قد لا يقوى رئيس محاصر بأزمات وتحديات شبه مستعصية داخلية وخارجية، على تقديمها.

المساهمون