القيادي في "النهضة" محمد القوماني لـ"العربي الجديد": بيان الحركة في الذكرى الـ 42 لتأسيسها عجّل باستقالتي
أكد القيادي في حركة النهضة، محمد القوماني، في تصريح لـ"العربي الجديد" اليوم السبت، أن استقالته من الحركة قبل يومين، تشمل أيضاً الاستقالة من جبهة الخلاص الوطني، كاشفاً أنه قدم استقالته قبل أشهر، قبل تجميدها بعد تحريك قضايا عديدة ضد رئيس "النهضة"، ليعلن عنها أخيراً، مبيناً أن البيان الذي أصدرته الحركة بمناسبة الذكرى الـ 42 لتأسيسها هو ما عجّل باستقالته منها.
يفسر القوماني استقالته بتراكمات عدة كان "آخرها بيان حركة النهضة في ذكرى تأسيسها في 6 يونيو/حزيران الماضي، الذي حافظ على سردية تقليدية في توصيف الوضع العام، وانتهى إلى خلاصة أن الإجراءات الأخيرة ضد حركة النهضة، وخاصة اعتقال رئيسها ونائبيه، وغلق المقرات، ومنع الاجتماعات، عطّل نشاط الحركة بل أنهى دورها الوطني، كما قال البيان، ومنع انعقاد مؤتمرها المنتظر في هذه الفترة".
وقال القوماني: "إن استحالة المؤتمر وإحالته إلى وقت غير معلوم، دفعني لئلا أنتظر أكثر، فالسياق الطبيعي لتبادل الآراء والمراجعات والتقييم، أصبح شبه معدوم".
وحول صعوبة انعقاد المؤتمر فعلياً في هذه الظروف بيّن القوماني أنه "تأجل عن وقته الطبيعي منذ 2020"، وأنه كانت هناك "فرص عديدة لعقده منذ ذلك التاريخ، واتخاذ سياسات لا تفضي إلى ما نحن فيه من وضع بلغناه، والذي أرى أنه كان يمكن تلافيه، لأن تأخير النقد والمراجعة أدى إلى هذا التعطل الفعلي للحركة".
من أجل التجديد
وبالنسبة لجذور استقالته، قال القوماني: "قمت مع مجموعة من القيادات بمناسبة الذكرى الـ 40 لتأسيس حركة النهضة، في 6 يونيو 2021 أي قبل إجراءات 25 يوليو (الانقلاب) بتقديم ورقة إلى رئيس الحركة راشد الغنوشي حول ضرورة تجديد الحركة، وفي أفق المؤتمر الـ11 للحزب، حتى نساهم في إنقاذ البلاد التي قُدر لها أن تعيش وضعاً متردياً وقتها، وللأسف لم يجر التعامل معها بالجدية المطلوبة، بل جرى تعمد تجاهلها، ووقع ما وقع في زلزال 25 يوليو. وكررنا وقدمنا ورقة تحت عنوان (من أجل تجديد جذري لحركة النهضة)، وأعدنا فيها قراءة ما وقع في 25 يوليو، وأسبابه ومتطلباته في أفق وطني، وللأسف هذه الورقة التي قدمناها للقيادة التنفيذية والشورية والمضمونية للمؤتمر لم تحظ بالاهتمام اللازم كذلك".
وتابع القوماني: "بعد استفتاء 25 يوليو تقدمت بورقة لتقييم المشهد حول الانتقال من الاستثناء، الذي أصبح أصلاً بمفعول دستور قيس سعيد 2022، وبعنوان (لنعترف ولننصرف)، واعتبرت أنه ضروري الاعتراف بأخطاء العشرية، وفشل الطبقة السياسية عموماً في المحافظة على الثورة ومكتسبها الديمقراطي، وأن 25 يوليو أطاح فعلياً ورمزياً بكل رموز الانتقال الديمقراطي من برلمان ودستور واستقلالية القضاء، وحريات وأحزاب. ودعوت إلى مراجعات، وإلى البحث عن أسباب الهوة السحيقة بين المجتمع المنظم، أحزاباً وجمعيات ومنظمات، والمجتمع المهمش، أي عموم الشعب الذي صار يعيش لا مبالاة وموقفاً سلبياً من الطبقة السياسية، ولم يحظ ذلك أيضاً باهتمام".
وأضاف: "ولا أخفي عليك بأني عقب تلك السلسلة قدمت استقالتي لرئيس الحركة، وقلت فيها بأني استنفدت كل محاولاتي في الإقناع بوجهة نظري المختلفة مع القيادة في خطها الرئيسي في تقييم ما حصل في 25 يوليو وكيف نعالجه، وقدمت استقالة مكتوبة في سبتمبر/ أيلول 2022، ولكن منذ تحريك قضايا عديدة ضد رئيس الحركة، جمدت قرار الاستقالة".
تباين في المواقف
وبين القوماني: "مرة أخرى بعد الانتخابات التشريعية في ديسمبر، اعتبرت أن نسبة المشاركة المتدنية ليست عزوفاً عن مشروع 25 يوليو فحسب، بل عزوفاً عن المشهد السياسي بصفة عامة، ودعوت إلى مراجعات. ثم جاءت المسامرة الرمضانية بمناسبة ذكرى تأسيس جبهة الخلاص، وقدمت ورقة بعنوان (إنجازات وتحديات)، وتدخل الأستاذ الغنوشي بعدها في التصريح الذي تسبب في المحاكمة، وكان واضحاً التباين بيننا، وبعد إيقافي في 17 إبريل/نيسان، وإطلاق سراحي مؤقتاً في 19 من الشهر نفسه، جمدت وضعيتي التنظيمية في انتظار استجلاء الوضع، واليوم تعطل نشاط الحزب وتأجل المؤتمر لموعد غير معلوم، وهناك ضبابية كاملة أرى معها أنه من مسؤوليتي إعلان الاستقالة".
وأوضح القوماني: "الإشكال لم يكن فقط مع رئيس الحزب، بل مع عموم القيادة، وأغلبها لم تكن جاهزة للمراجعات، فيتعللون بأنه في زمن الانقلاب والصراعات لا نقوم بالمراجعات علماً أنهم لم يقبلوا بها حتى قبل الانقلاب، وأعتقد أنها بنية ذهنية وإنكار في العمق للإخفاق وللأخطاء، وتعلل بأنه ستجري معالجتها في المؤتمر الذي دائماً يؤجل، إذاً هنالك هروب من الوضعية أنا لا أتحمله، وأعتبر أني استنفدت كل جهدي في الإقناع، وإن كان رأيي أقلية فإني أختار الاستقالة".
غربة سياسية
وحول الاختلاف الجوهري منذ البداية مع الحركة، قال القوماني: "سؤالك ذكرني بأني صرحت في اجتماعات بأني أحياناً أشعر بالغربة. انضممت لحركة الاتجاه الإسلامي في بداية الثمانينيات، وعدت إليها في أواخر 2016، وخلال 36 سنة تقريباً خضت تجارب أخرى ضمن قيادة رابطة حقوق الإنسان لأكثر من 15 سنة، وخضت تجربة الديمقراطي التقدمي (كان يرأسه نجيب الشابي) خلال عشرية، بين سنة 2000 و2009، وتجارب أخرى فكرية ضمن منتدى الجاحظ وفي العمل الثقافي، واعتبر نفسي منخرطاً في ما يسمى التيار النقدي في الفكر العربي المعاصر، ومع أعلام هذا الفكر، مثل الدكتور محمد العابد الجابري، وحسام حنفي، وبرهان غليون، وأنا متأثر بذلك التيار حتى اليوم، وأرى نفسي في المنظومة النقدية عكس التنظيمات الحزبية والأيديولوجية التقليدية التي تميل إلى المحافظة، وتتبرم من النقد".
وحول الانتقادات لتوقيت الاستقالة، وكأنها هروب من المعركة، قال القوماني: "هناك من يتفهم قراري، وهناك أيضاً انتقادات شديدة، ومن يعتبر أني من الدخلاء على النهضة ضمن موجة الانفتاح الذين لم يصمدوا، أرد عليهم بأن هذا غير صحيح، لأن أعلاماً مؤسسين ورموزاً في حركة النهضة غادروها، على غرار الشيخ عبد الفتاح مورو، وحمادي الجبالي، وعبد الحميد الجلاصي، والدكتور بن نجمة، ومئات من المنخرطين، ومن خرجوا مع عبد اللطيف المكي، وغيره بالمئات".
وتابع: "كنت في ساحة المعارضة عندما كانت المعارضة مُكْلفة زمن بن علي، وكنت مديراً ومحرراً في جريدة الموقف المعروفة، وكنت في قلب المعركة، وأنا أكثر هشاشة اجتماعياً، وأبنائي صغار، واشتغل مدرساً في مؤسسة حكومية، ولم أجبن ولم أتراجع، وتصدرت المشهد النهضوي إبان انقلاب 25 يوليو، وترأست لجنة الأزمة، وكنت الوحيد تقريباً، الذي خرجت للإعلام وواجهت الأمر بكل شجاعة، ولا أتراجع عن موقف اتخذته".