محاولات إقليمية لعرقلة التقارب المصري التركي... ومناقشات حول ضم ليبيا لمنتدى شرق المتوسط
قالت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد"، إنّ السلطات في الإمارات واليونان وقبرص تحاول عرقلة التقارب المصري التركي الذي يسير حالياً بخطى أسرع مما كان يتصور مراقبون، خصوصاً بعد بدء إجراء اتصالات على مستوى وزيري الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو والمصري سامح شكري خلال العدوان الإسرائيلي الأخير في الأراضي الفلسطينية للتعاون في تهيئة الظروف لإنجاح المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار، وكذلك استمرار الاتصالات بشأن القضايا محل الخلاف لتبديدها، وتحديد موعد للقاء رسمي بين وزيري الخارجية، يطمح البلدان أن يكون خلال شهر يونيو/حزيران الحالي.
وأضافت المصادر أنّ الاتصالات بين البلدين لا تزال بنّاءة للغاية، على الرغم من وجود بعض الخلافات على الحدود المقبولة لتلبية الشروط المصرية، خصوصاً في ما يتعلق بالتعاون الأمني، والأمور بشكل عام تسير إلى الأمام، على الرغم من وجود منغصات أيضاً داخل كل دولة، تتمثّل في بعض المسؤولين المستفيدين من استمرار القطيعة والذين "يقل عددهم يوماً بعد يوم".
مصادر: الاتصالات بين مصر وتركيا ما زالت بنّاءة للغاية
وذكرت المصادر أنّ اليونان وقبرص تجريان اتصالات بشكل دائم مع الخارجية والمخابرات في مصر، تدرك القاهرة جيداً أنها تأتي بتنسيق مع الإمارات، تهدف إلى التشكيك في نيات أنقرة، والشكوى من ممارسات تركية مزعومة على الحدود البحرية المشتركة التي نتجت عن الاتفاقيات السابق توقيعها بين مصر وقبرص واليونان. غير أن مصر حسمت موقفها بعدم الانجرار إلى هذه اللعبة، وتواصلت مع كل الأطراف المعنية، كما تحرّت الحقائق بواسطة الأجهزة العسكرية المختصة أكثر من مرة، ليثبت أن الهدوء يسود الموقف الميداني في شرق المتوسط حالياً.
وبحسب المصادر، فإنّ القلق الأكبر الذي يسيطر على اليونان وقبرص حالياً يتعلق بمستقبل الطاقة في المنطقة في ظلّ مؤشرات التعاون المصري التركي في ملف الغاز الطبيعي، والذي لا تمانع فيه إسرائيل، وقد يفضي في النهاية إلى انضمام أنقرة إلى منتدى غاز شرق المتوسط. ويأتي هذا القلق على خلفية التنافس المحتمل بين اليونان وقبرص وستدخل تركيا في مضماره أيضاً، على دور الشريك الذي سيخصص كنقطة انطلاق لوجيستية كبرى لنقل الغاز المسال الآتي من وحدتي الإسالة بدمياط وإدكو بمصر، والذي سيكون جزءاً كبيراً منه تابعاً لدولة الاحتلال في إطار الشراكة بين البلدين، والتي أعلن عن انطلاقها أخيراً بالربط بين حقل ليفاثان والوحدتين عن طريق خط الأنابيب البحري. وتمضي المفاوضات في دراسة مقترح اشتراك قبرص واليونان مع دولة الاحتلال في المشروع الطموح لتصدير الغاز لأوروبا، باعتبار مصر ودولة الاحتلال هما المالكتان حالياً لأكبر حقول الغاز في المنطقة، إذا ما قورنت بالحقول المكتشفة في منطقتي قبرص واليونان وكذلك الحقول المكتشفة حديثاً في تركيا.
لكن ثمة مستجد آخر تكشف عنه المصادر لا يبدو أنه يرضي أثينا ونيقوسيا، إذ تجري اتصالات حالياً بين مصر وتركيا والحكومة الليبية الجديدة، التي تحظى بدعم البلدين، وتمثل بأشكال عدة لحظة التفاهم الآنية بينهما في الملف الليبي، حول إمكانية انضمام ليبيا إلى منتدى غاز شرق المتوسط، كخطوة تمهيدية لانضمام تركيا، الأمر الذي سيعجّل بالخلافات مع اليونان تحديداً، التي لا تعترف بترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وطرابلس والذي أودع بالفعل لدى الأمم المتحدة، وردت عليه القاهرة وأثينا في حينه بتسريع ترسيم الحدود البحرية بينهما.
وبحسب المصادر، فإن انضمام ليبيا إلى المنتدى لا يُشترط له في الوقت الحالي ترسيم حدودها البحرية مع مصر، ولكنها ستكون بادرة لتفاهم أوسع بين البلدين حول الثروات المحتملة في المناطق البينية، مشيرة إلى أن القاهرة أبدت استعدادها لمد يد المساعدة لحماية الثروات الليبية وتأمين استكشافها، كما كان الوضع خلال فترة المعارك الأهلية حول الهلال النفطي، بما يضمن نجاح أعمال الشركات العملاقة التي ستجذبها بالتأكيد تلك الثروات وضمانات السلامة المصرية-التركية.
القلق الأكبر الذي يسيطر على اليونان وقبرص حالياً يتعلق بمستقبل الطاقة في المنطقة في ظلّ مؤشرات التعاون المصري التركي في ملف الغاز الطبيعي
ووفقاً للتصورات المصرية النهائية لهذه المستجدات، وارتباطاً أيضاً بالمحادثات الجارية لترسيم الحدود البحرية لقطاع غزة، فإنه سيتم توسيع شبكة الأنابيب المقامة بين مصر وإسرائيل، والمملوكة حالياً لشركة جديدة مقرها هولندا أسست خصيصاً لامتلاك شبكة الأنابيب، بين شركتي "نوبل إنيرجي" الأميركية و"ديليك" الإسرائيلية وشركة "غاز الشرق" المملوكة حالياً للدولة المصرية، ممثلة في جهاز المخابرات العامة وهيئة البترول، لتشمل فلسطين وقبرص واليونان.
وتهدف مباحثات توسيع الشبكة الجارية حالياً، والتي شملت أخيراً تركيا أيضاً، بشكل أساسي إلى استفادة جميع دول المنتدى من مصنعي إسالة الغاز في مصر، وعلى رأسها دولة الاحتلال، وفلسطين، خاصة أن الهدف مرض لمصر اقتصادياً بسبب عدم إمكانية تشغيل وحدتي الإسالة بالغاز المصري فقط في الفترة الحالية، ورغبة مصر في تلافي ما حدث سلفاً عندما وجدت نفسها مطالبة بأكثر من ملياري دولار لصالح شركة "يونيون فينوسا" الإسبانية، مديرة وحدة الإسالة بدمياط بعد توقف صادراتها من الغاز المسال بسبب تراجع كميات الغاز الموردة لها من مصر لصالح السوق المحلية.
انضمام ليبيا إلى منتدى غاز شرق المتوسط لا يُشترط له في الوقت الحالي ترسيم حدودها البحرية مع مصر
وسبق في فبراير/شباط الماضي، قبل تحسن العلاقات المصرية التركية وبدء الاتصالات بين الدولتين، أن أعرب وزير الطاقة بدولة الاحتلال يوفال شتاينتس، عن أنه "كان يريد أن يرى تركيا عضواً بمنتدى غاز شرق المتوسط" على الرغم من الحساسيات الدائمة بين البلدين في ملف الطاقة. كما قالت وزيرة الطاقة القبرصية ناتاسا بيليديس، أمام لجنة الشؤون الخارجية ببرلمان بلادها خلال إجراءات اعتماد ميثاق المنتدى كجزء من التشريع الداخلي القبرصي، إن "قبرص أيضاً تود أن ترى تركيا عضواً في المنتدى، لأنه مفتوح للجميع، لكن المشكلة في أن سلوك أنقرة الحالي يجعل انضمامها صعباً". غير أن مثل تلك التصريحات اختفت بعد الاتصالات المصرية التركية، وطرح فكرة توسيع شبكة الأنابيب.
وأظهر صدور ذلك التصريح عن مسؤولة حكومية لدولة تتبادل الاتهامات مع تركيا بسرقة مكامن الطاقة وتتنازع معها حول الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية من دون أي أفق للحل حتى الآن، أنّ دول المنتدى باتت تدرك أن الدخول في معارك مفتوحة مع الأتراك حول الطاقة ومسارات توريدها إلى أوروبا، لن تجدي الكثير من النفع في المدى المنظور، خاصة أن الولايات المتحدة لا تمضي قدماً في تعهداتها السابقة للثلاثي الإسرائيلي اليوناني القبرصي، بتقديم دعم لا محدود في مواجهة المشروعات التركية.