محامون تونسيون عن ملف "التآمر على الدولة": قضية سياسية وانتهاكات بالجملة

26 فبراير 2023
قيس سعيد اتهم بعض الموقوفين بـ"التآمر" (ياسين غايدي/الأناضول)
+ الخط -

كشف محامون يدافعون عن السياسيين والنشطاء التونسيين الموقوفين فيما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، اليوم الأحد، أن تجاوزات عدة ارتكبت في حق موكليهم، مشيرين إلى أن "كل الملفات فارغة".

ومنذ 11 فبراير/ شباط الجاري، تشنّ السلطات التونسية حملة اعتقالات، شملت سياسيين وإعلاميين ومحامين وقضاة وناشطين ورجال أعمال.

وفي الصدد، أكدت عضو هيئة الدفاع، منية بوعلي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "عمليات الإيقاف لم تخل من التجاوزات والخروقات الإجرائية"، مشيرة إلى أنه "سبق لهيئة الدفاع وجلّ المحامين التنصيص عليها".

وأوضحت بوعلي أن "أذون الاحتفاظ كانت بتاريخ وتوقيت لاحق للإيقافات، بمعنى أن قوات الأمن تصرفت دون إذن من القضاء"، مبينة أن "ظروف الإيقاف نتج عنها العديد من الأضرار المادية والمعنوية لعدد من الموقوفين، على غرار ما حصل مع القيادي في حركة النهضة والمحامي نور الدين البحيري"، مشيرة إلى "وجود رضوض على جسده، كما أنه أجرى عملية جراحية أولى في كتفه، ويعاني من كسر، كما أعتدي على أبنائه وزوجته".

وأضافت المحامية التونسية أن "البحيري أجرى عملية الجمعة وأرجع للسجن السبت، رغم المخلفات الصحية لاختطافه سابقاً طيلة 67 يوماً، والأمراض المزمنة التي يعاني منها"، مشددة على أن "كل هذا غير مقبول".

وأردفت المتحدثة ذاتها أن البحيري "نقل أمس إلى المستشفى لتعكر وضعه الصحي"، محملة السلطات مسؤولية سلامته.

من جهة ثانية، لفتت بوعلي إلى أن "النيابة أكدت أنها تعطي الإذن بالاحتفاظ، ولكنها تجهل طريقة تنفيذه، وهذا هو الخطير فيما يحصل، لأن القضاء يتنصل حتى من مراقبة ما يحصل من تجاوزات". وأشارت إلى أن "جل المداهمات للمحامين لم تحترم الإجراءات المنصوص عليها من إعلام الفرع الجهوي للمحامين وطريقة التفتيش"، مبينة أن ظروف اعتقال أغلب الموقوفين من سياسيين ومحامين "سيئة، حتى إن بعضهم لم يذق الطعام".

تهم تصل عقوباتها إلى الإعدام

وفي 14 فبراير/ شباط، اتهم الرئيس التونسي قيس سعيد بعض الموقوفين بـ"التآمر على أمن الدولة، والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار".

وردت عضو هيئة الدفاع، منية بوعلي، أن "كل الملفات فارغة، وبنيت على محادثات عادية ولقاءات في وضح النهار لا تتناسب مع التهم الموجهة لهم، كالتآمر على أمن الدولة، وقلب نظام الحكم والأمن القومي الاقتصادي، والتخطيط للقتل"، مبينة أن "جلّ التهم تصل عقوباتها إلى الإعدام، وأنها لا تستند إلا على رسائل قصيرة ولقاء مع فلان ودعوة للغداء".

وأوضحت أن "هذه الجريمة (التآمر) تقتضي أدلة ملموسة ووسائل تنفيذ"، مذكرة أن "جريمة التآمر استعملت تاريخياً منذ عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة والرئيس زين العابدين بن علي في 3 أحداث فقط ومناسبات قليلة، وهي مجموعة 1962، وفي أحداث قفصة 1978، وفي 1987 في أحداث انقلاب بن علي".
 
وبحسب بوعلي، فإن جريمة التآمر على الدولة "تقتضي تخطيطاً وأدواراً معينة، ولا تقوم بمجرد التفكير، ولا بد من وجود مجموعة وأدوات لتنفيذ هذا التآمر، وإعداد أسلحة وتبادل خطط، وكل هذه العناصر لا أثر لها في الملف". ولاحظت أن "أغلب الأسئلة التي وجهت للموقوفين تمحورت حول معرفة فلان بفلان ولقائه به أو دعوته للعشاء".

كما ذكرت المحامية ذاتها أن "هيئة الدفاع قررت الانسحاب، لأن الأحكام كانت جاهزة، ووجودنا سيضفي مشروعية على المحاكمات".

ملف سياسي

من جهته، قال المحامي سامي الطريقي إن "معنويات الموقوفين قوية، وهم يفتخرون بنضالهم، ومقاومة انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021"، مضيفاً، في تصريح لـ"لعربي الجديد": "أكدوا أنهم لم يجتمعوا يوماً للتآمر على أمن الدولة، وأنهم أبداً لم يتخابروا مع أي طرف في الخارج".

وأكد الطريفي أن "الموقوفين نفوا جميع التهم الموجهة إليهم، وهي تهم دون إثباتات أو وقائع، والملف سياسي، وبطاقات الإيداع بالسجن كانت جاهزة"، وشدد على "غياب أية دلائل، كمكالمات أو تحركات، والملف فارغ، وهذه حقيقة، ونتمنى نشر الملف".

وشدد المحامي ذاته أن "من اشتغل على الملف أوهم الرئيس قيس سعيد بأنهم حاولوا التآمر عليه، وجميع التهم الموجهة إليهم دون إثباتات أو وقائع".

ترهيب وتخويف للعائلات

من جانبه، قال المحامي سمير بن عمر إن "التجاوزات الكبيرة التي حدثت سجلت منذ بداية الأبحاث وانطلاق حملة الإيقافات، فقد شهدت ترهيباً وتخويفاً للعائلات، إذ لم يحترم القانون، وجرت عمليات التفتيش دون الإدلاء بترخيص من النيابة العمومية، وبحث مع الموقوفين دون حضور محامين، ورفض أغلبهم الإجابة عن أسئلة الباحث، باعتبار أنه لم يجر تمكينهم من الاستعانة بمحام طبقاً لقانون الإجراءات".

وأفاد بن عمر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأن "المعاملة أثناء مدة الاحتفاظ غير إنسانية ومهينة، ولا تشرف تونس، وتؤكد أن هناك نزعة نحو التشفي لدى السلطة من الموقوفين".

وبخصوص ما حصل أمس عند حضور الموقوفين، وبينهم المحامي والقيادي بجبهة الخلاص الوطني رضا بالحاج، والمعارض غازي الشواشي، اللذان جرت إحالتهما في حالة سراح، ليفاجآ بإعادة إيقافهما ليلاً؛ رد أن "المفارقة هنا، حيث حضر الموقوفان صباحاً للنيابة ليفاجآ ليلاً بإيقافهما، فضلاً على أن الملف كان فارغاً وخالياً من التهم".

وتحدث بن عمر عن مثال عضو جبهة الخلاص الوطني شيماء عيسى، والأسئلة التي وجهها قاضي التحقيق لها، حيث سألها عن كل الجوانب التي تهم نشاطها السياسي، ولم يناقشها في التهم الموجهة لها. وقال إن "غالبية الملفات خالية تماماً من قرائن الإدانة"، مشيراً إلى أن "اليوم كل شخص يجتمع مع شخص آخر بات يمثل تهمة".

وقال إن "هذه الحملة اليوم لا تخفى مراميها وأهدافها السياسية، وهدفها ضرب كل نفس حر في البلاد، وإقصاء كل بديل محتمل لقيس سعيد، وهذا طبعاً لا يمكن أن يتم إلا في ضوء نظام بوليسي لا يؤمن بالرأي الآخر ولا بالتعددية والديمقراطية".

وأكد أن "قرار الإيداع بالسجن كان جاهزاً"، مشيراً إلى أن "قاضي التحقيق كان مرتبكاً وغير مقتنع بالقرارات التي يصدرها، ولذلك قرر المحامون المقاطعة وإيقاف الترافع في الملف".

وبخصوص معنويات الموقوفين، قال المتحدث ذاته إن "سجنهم لن يغير من موقفهم من السلطة الحالية، ولن يثنيهم عن مواصلة نضالهم من أجل إنهاء الانقلاب".

وأكد الناشط السياسي المعارض عز الدين الحزقي، والد عضو جبهة الخلاص الوطني الموقوف جوهر بن مبارك، في تدوينة له، أن ابنه أنكر، أمام قاضي التحقيق صباح السبت، التهم المنسوبة إليه، ومنها تهمة "التآمر على أمن الدولة له". وأضاف أن ابنه "بسماعه لنص الإحالة كان يخشى من عدم توجيه تهمة التآمر على أمن الدولة له"، على اعتبار أنها كانت التهمة نفسها التي وجهت للوالد سنة 1973 حين كان عضو جبهة الخلاص الوطني الموقوف في الرابعة من عمره.