محاكمة ترامب... الشعبوي مستفيداً؟

06 ابريل 2023
ترامب في مقرّ المحكمة بمانهاتن، مساء الثلاثاء (جايبن بوتسفورد/Getty)
+ الخط -

بوصوله إلى مقر محكمة مانهاتن الجنائية في نيويورك أول من أمس ومثوله أمامها حيث وُجّه إليه رسمياً الاتّهام بتزوير مستندات محاسبية، يكون قد افتتح رسمياً ملف محاكمة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بانتظار عقد جلسة استماع جديدة في 4 ديسمبر/كانون الأول المقبل، في نيويورك أيضاً، من المفترض أن تحسم مسألة البدء بالمحاكمة في يناير/كانون الثاني المقبل من عدمه.

الاتهامات الـ34

ومع أن الاتهامات الـ34 الموجهة لترامب، والتي تشكل سابقة، هي من الدرجة "إي" وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، وهي أدنى فئة من الجرائم الجنائية في ولاية نيويورك، وتبلغ العقوبة القصوى للسجن فيها أربع سنوات، إلا أنه في حال أُدين ترامب، يُمكن للقاضي أن يحكم عليه بالمراقبة.

ويأتي تزامن تواريخ الاستماع في ديسمبر المقبل، واحتمال بدء المحاكمة في يناير المقبل، مع قرب موعد الانتخابات التمهيدية للرئاسيات الأميركية، في صفوف الحزبين الجمهوري والديمقراطي، المقررة بدءاً من شهر فبراير/شباط المقبل، ليزيد من حالة عدم اليقين المحيطة بالسباق إلى البيت الأبيض عام 2024 بعدما بات الرئيس الجمهوري السابق مهدداً بمحاكمة جنائية.

ويواجه ترامب، الذي يتمتع حالياً بزخمٍ واسع داخل القواعد الجمهورية، اختبارات جدّية، قد تؤدي إما إلى عودته إلى البيت الأبيض من بوابة الانتخابات الرئاسية المقررة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أو إلى إزاحته نهائياً من السباق الرئاسي.

ويحاول ترامب توظيف الوضع الراهن إلى حدوده القصوى للخروج من هذه المعركة مستفيداً شعبياً وسياسياً، إذ يتصرّف حالياً كمُضطهد سياسي، وفق تعابيره، خصوصاً أنه عاد إلى نبرته الشعبوية الاعتيادية التي رافقت مرحلة ما بعد رئاسيات 2020، التي وجّه فيها اتهامات لم تؤكد، حول حصول تزوير في الانتخابات، واتهامه أيضاً قضاة في مختلف القضايا التي يواجهها، بالتسييس، لانتمائهم إلى الحزب الديمقراطي.


الادعاء في مانهاتن يوجه 34 تهمة إلى الرئيس السابق في قضية ستورمي دانييلز تحت شعار "تزوير السجلات التجارية"

 

ومع أن نجم الرئيس السابق خبا بعض الشيء في الأشهر الماضية، تحديداً على خلفية اقتحام أنصاره مبنى "كابيتول هيل" في واشنطن، وتراجع حماسة أنصاره في تنظيم تجمّعات شعبية صاخبة، إلا أن تعاطيه مع مسألة اتهامات المحكمة الجنائية في مانهاتن بنيويورك ضده، والتفاف كبار الحزب الجمهوري حوله، أعادا رسم خريطة سياسية جديدة، تنبثق من قدرته على تأليب الجمهوريين معه، وتعزيز موقعه مرشحاً رئاسياً أول للحزب.

مع ذلك يبقى ترامب أمام المجهول، في حال قررت المحكمة المباشرة بمحاكمته في يناير المقبل، مما سيُضعف موقعه الانتخابي، ويعزز مواقع خصومه.

وفي الشق القانوني، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن الاتهامات الـ34 لترامب، متصلة حصراً بقضية دفعه 130 ألف دولار، عبر محاميه السابق مايكل كوهين، إلى الممثلة الإباحية ستورمي دانييلز، في عام 2016، لمنعها من الحديث عن علاقتها به، في خضمّ الحملة الانتخابية الرئاسية.

تزوير السجلات التجارية

وتحت شعار "تزوير السجلات التجارية"، وجّه الادعاء في المحكمة الجنائية في مانهاتن بنيويورك إلى ترامب، 11 تهمة تتعلق بتوقيع الشيكات، و11 أخرى مرتبطة بالفواتير الشهرية التي قدمها كوهين إلى شركة "منظمة ترامب"، و12 تنطوي على إدخالات في دفتر الأستاذ العام (السجل المحاسبي) الخاص بترامب.

ولم يصرّح ترامب عن مبلغ الـ130 ألف دولار في حسابات حملته للانتخابات الرئاسية يومها، في انتهاك محتمل لقوانين الولاية الانتخابية، وسجّله على أنه "نفقات قانونية" في حسابات شركته ومقرّها في نيويورك.

غير أنه مساء الثلاثاء تم التطرق إلى قضيتين أخريين، مساء الثلاثاء، أي قضية شراء ترامب صمت عارضة الأزياء كارين ماكدوغال بـ150 ألف دولار، أيضاً من أجل عدم الحديث عن علاقتهما، وقضية ادّعاء بوّاب سابق في "برج ترامب" أن الرئيس السابق دفع 30 ألف دولار له، كي لا يتحدث عن ابن سرّي أنجبه خارج إطار الزواج.

وحول هاتين القضيتين، اعتبرت "نيويورك تايمز" أن فريق الادعاء استند إليهما من أجل "إظهار أنه كان لترامب نية لارتكاب أو إخفاء جناية ثانية"، من أجل تمتين الاتهامات الـ34 في قضية دانييلز.

وفي قضية ماكدوغال، فقد دفعت لها صحيفة "ناشيونال إنكوايرر"، المقرّبة من ترامب، 150 ألف دولار، لشراء حقوق قصتها، التي لم تُنشر. كما دفعت الصحيفة نفسها 30 ألف دولار للبوّاب، للسبب نفسه.

وهو ما اعتبره فريق الادعاء بأن شراء صمت دانييلز لم يكن حدثاً فردياً، بل جزء من استراتيجية أوسع لترامب للتأثير على الانتخابات الرئاسية لعام 2016.

ومن الآن حتى موعد جلسة الاستماع المقبلة في 4 ديسمبر المقبل، يعكف فريق ترامب القانوني على وضع استراتيجية مواجهة، للسماح له بتجاوز المحاكمة وإثبات براءته، والاستعداد للانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في فبراير المقبل، في أولى مراحل السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض.

وأكد أحد وكلاء الدفاع، تود بلانش، محاربة الاتهامات الـ34 "بشراسة"، مديناً "توجيه الاتهام بحدّ ذاته". وفي الأشهر الثمانية المقبلة، التي تسبق جلسة الاستماع، فإن ترامب سينطلق من ثابتتين أساسيتين. الثابتة الأولى، الحديث في التجمعات الشعبية والمقابلات الإعلامية عن اضطهاد سياسي يقوده الحزب الديمقراطي ضده، فيما تتمحور الثابتة الثانية، حول إزاحة خصومه المحتملين في الحزب الجمهوري، وعلى رأسهم حاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتيس، من السباق الرئاسي.

ومع أنه أول رئيس أميركي سابق أو في السلطة يوجه إليه اتهام جنائي، إلا أن ترامب لا يزال متقدماً على جميع الجمهوريين. في البداية، لم يُعلن ديسانتيس ترشحه للرئاسيات رسمياً، بل أجّل حملته إلى نهاية فصل الربيع الحالي، أي إلى الأسبوع الثاني من يونيو/حزيران المقبل. ويراقب حاكم فلوريدا بحذر استطلاعات الرأي الداعمة لترامب.

استطلاعات داعمة لترامب

وأظهرت استطلاعات أُجريت في الأيام الماضية أي بعد توجيه الاتهامات له وطلب مثوله أمام المحكمة، صعود نجم ترامب داخل الصفوف الجمهورية، فقد منحه مؤشر "يوغوف" 52 في المائة في مقابل 21 في المائة لديسانتيس، بينما منحه مؤشر "إنسايدر أدفانتاج" 57 في المائة، في مقابل 24 في المائة لديسانتيس.

وأيضاً تقدم ترامب في مؤشر "ترافالغار" بنسبة 56 في المائة في مقابل 23 في المائة لديسانتيس، وفي "مورنينغ كونسالت" بنسبة 55 في المائة في مقابل 26 في المائة لحاكم فلوريدا، الذي تدنت نسبة التأييد له إلى 19 في المائة في مؤشر وكالة "رويترز" في مقابل 48 في المائة لترامب.

وتعني هذه الأرقام حالياً، أن ديسانتيس، الذي كان أقوى المرشحين خلف ترامب، لم يعد في وضع يسمح له بمزاحمة الرئيس السابق في الوقت الحالي، وكذلك الأمر بالنسبة للمندوبة الأميركية السابقة إلى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، ولنائب ترامب السابق مايك بنس، اللذين لم ينالا أكثر من 7 و8 في المائة من أصوات المستفتين في مختلف الاستطلاعات.

وإذا كان وضع ترامب مريحاً لدى قواعد الحزب الجمهوري، في ظلّ اصطفاف قياديين للدفاع عنه، وإن مرغمين، إلا أن أمامه قضايا أخرى قد تُضعف موقفه في استمرار معركته الرئاسية.

فقضية اقتحام أنصاره مبنى "كابيتول هيل"، مقر الكونغرٍس، في واشنطن في 6 يناير 2021، لم تُقفل، بل إن رئيس الهيئة القضائية في واشنطن جيمس بوسبرغ قرّر، في 28 مارس/آذار الماضي، وجوب أن يمثل بنس أمام هيئة محلفين في محكمة فيدرالية، وأن يجيب عن كل الأسئلة في إطار التحقيق الذي ينظر في احتمال ضلوع الرئيس حينها في عمل جرمي.

كما تلاحق الرئيس الـ45 للولايات المتحدة، الاتهامات بممارسة ضغوط على مسؤولين عن العملية الانتخابية في ولاية جورجيا في 2020، المرتبطة بضغطه على أكبر مسؤول عن العملية الانتخابية في الولاية "لإيجاد" أصوات كافية لتحويل هزيمته فيها إلى فوز، وذلك طبقاً لمكالمة هاتفية مسجلة نشرتها وسائل الإعلام الأميركية في مطلع عام 2021.

كما يواجه ترامب قضية العثور على وثائق سرية في منتجعه في مارآلاغو بفلوريدا، التي نقلها معه من البيت الأبيض. وحتى تُحسم مختلف هذه القضايا، فإن الرئيس السابق لا يزال في موقع قوي نسبياً، إذ إن الرئيس الحالي جو بايدن، لم يعلن رسمياً ترشحه لولاية رئاسية ثانية، فيما سعى لإبقاء نفسه بعيداً عن قضايا ترامب، مع إعلان البيت الأبيض أن مثول الرئيس السابق أمام المحكمة "ليس أولوية" بالنسبة لبايدن.

ترامب والخطاب التقليدي

وحيال هذه التطورات، تمسك ترامب بخطابه التقليدي فلوريدا أمام تجمع انتخابي، مساء الثلاثاء، إثر عودته من المحكمة، وقال: "الجريمة الوحيدة التي ارتكبتها، هي الدفاع بشجاعة عن أمتنا في وجه هؤلاء الذين يسعون الى تدميرها".

وأضاف ترامب أمام مئات من المانحين والحلفاء السياسيين وغيرهم من المؤيدين بعد عودته إلى مارآلاغو: "لم أتخيل أن شيئاً كهذا يمكن أن يحدث في أميركا".

وأشار إلى أنه "تم رفع هذه القضية المزيفة فقط للتدخل في انتخابات 2024 المقبلة، ويجب إسقاطها على الفور". ووصف ترامب في خطابه، المدعي ألفين براغ، الديمقراطي، بأنه "مدع عام يساري راديكالي مدعوم من جورج سوروس (رجل أعمال معروف بتمويل حملات سياسية)".

كما وصف ترامب المدعية العامة للولاية ليتيشا جيمس، وهي سوداء، بأنها "عنصرية في الاتجاه المعاكس". ودام خطاب ترامب 25 دقيقة، وهو وقت قصير قياساً على خطاباته التي تستمر أحياناً نحو ساعتين. وكان لافتاً أن ترامب لم يدع أنصاره إلى احتجاجات جديدة، لكنه شدّد على عودته إلى مسار حملته الانتخابية قريباً، من دون الإدلاء بتفاصيل إضافية.


استطلاعات الرأي تمنح تقدماً لترامب... ومنافسه الأساسي رون ديسانتيس يرجئ ترشحه رسمياً لرئاسيات 2024

 

مع العلم أن أنصار ترامب امتنعوا عن النزول إلى الشوارع، في مقابل استنفار أمني مشدّد حول مبنى المحكمة في مانهاتن. وتوقع أستاذ العلوم السياسية، مدير الإدارة السياسية في جامعة جورج واشنطن، تود بيلت، ألا تكون التهم قوية بما يكفي لإدانة الرئيس السابق، وبشكل عام لا يمنعه الدستور من الترشح للرئاسة، مشيراً في حديثٍ لموقع قناة "أي بي سي" إلى أن هذه التهم يراها أنصار ترامب حملة ممنهجة ضده، ولن تؤثر على قاعدته الشعبية وسط أنصاره ومؤيديه.

وأضاف أن هذه القضية تجعل ترامب بطلاً في نظر أنصاره، وهو يعلم كيف يحركهم جيداً، وبذلك سيضمن هذه الأصوات في السباق الرئاسي.

واعتبر أن ترامب يعرف كيف يلعب دور الضحية بسهولة، ومن المؤكد أنه سيستغل ما يحدث لصالحه. ورأى بيلت أنه حتى لو لم تعرقل المشاكل القانونية العودة السياسية لترامب، فإنها قد تضر بالمرشحين الجمهوريين الآخرين في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لافتاً إلى أن هذه المحاكمة ستخلق خلافاً داخل الحزب الجمهوري، وبذلك ستتفرق الأصوات التي سيحصل عليها مرشحو الحزب في الانتخابات، ما سيصب في مصلحة ترامب، لا سيما أن معظم استطلاعات الرأي تظهر أن ترامب يتعامل بارتياح شديد مع الحشود، وسيفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري بفارق كبير.

في المقابل، فإن الديمقراطيين باتوا في حالة ترقّب، فمن جهة يرفضون التعليق على قضية ترامب، عدا التأكيدات بأن "لا أحد فوق القانون"، ومن جهة أخرى لم يحسموا رأيهم في مسألة دعم بايدن لولاية رئاسية ثانية، في ظلّ عدم حسمه هو هذه الجزئية بعد.

ويدرك الديمقراطيون أن الوقت بات يضيق وأن استثمار الصمود في الانتخابات النصفية التي أُجريت في نوفمبر الماضي، قد لا يبقى مفعوله كبيراً في الأشهر المقبلة.

وما يزيد من الضغوط على بايدن والإدارة الديمقراطية، هو قرار خفض مجموعة "أوبك +" إنتاج النفط بإجمالي أكثر من مليون برميل يومياً، ما سيرفع الأسعار النفطية في الفترة المقبلة، خصوصاً في واشنطن، بعد فترة من محاولة بايدن السيطرة على أسعار هذا القطاع واستعادة الثقة الشعبية فيه.

المساهمون