أفردت وزارة الخارجية الأميركية، الجمعة، مساحة خاصة من الوقت للحديث عن الجولة الأولى من محادثاتها غير المباشرة التي أجرتها في فيينا هذا الأسبوع مع الجانب الإيراني حول الملف النووي.
فبعد اللقاء الصحافي اليومي، أجرى مسؤول كبير في الخارجية طلب عدم ذكر اسمه، لقاءً مع الصحافة بالهاتف، تخلّله عرض لأهم محاور الجلسات وتقييم لحصيلتها. وبدا من ملاحظاته وردوده على الأسئلة، أن الإدارة تشعر بالارتياح للنتائج التي تميل، وبوضوح، إلى وضعها في خانة البداية الواعدة. فالأجواء "كانت بنّاءة"، والمفاوضات جرت "بصورة جدّية" كما وصفها المسؤول في بيانه الافتتاحي. ليس هذا فحسب، بل إنه لمّح إلى الجولات المقبلة التي تستأنف الأسبوع المقبل، بشيء من التفاؤل الضمني. فهو طوال اللقاء لم يذكر عبارة "مأزق" محتمل، سوى مرة واحدة.
أهم ما كشف عنه المسؤول الأميركي، أن الإدارة فتحت بازار المقايضة على العقوبات: رفع جزء معيّن منها مقابل عودة إيران إلى تطبيق اتفاق 2015. هذا الجزء كما حدّده المسؤول هو الذي يشمل العقوبات "غير المتسقة مع الاتفاق أو مع المنافع التي كانت إيران تتوقعها منه". ثم سارع مستدركاً ليقول إن " قسماً من هذه العقوبات له مشروعيته"، وبالتالي لن تشمله المقايضة. لكنه اعترف بأن الإدارة "لم تقدّم لائحة بها" إلى الطرف الإيراني.
اكتفى الوفد الأميركي بإبلاغ إيران بـ"الخطوط العريضة حول العقوبات التي يمكن إسقاطها". وكأن الإدارة، بهذا التصنيف الغامض، تلمح إلى وجود قابلية للتفاوض حول التفاصيل. والمقصود هنا هو قسم من عقوبات إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، التي قال المسؤول إنها تتحمل مسؤولية التعقيد الذي جعل فكّها "عملية صعبة"، واصفاً "حملة الضغوط القصوى" التي اعتمدتها الإدارة السابقة ضد إيران بأنها كانت "فاشلة"، وفي ذلك إشارة واضحة إلى عزم إدارة بايدن على تجاوز هذه العوائق والعودة إلى "البناء على اتفاق 2015"، على حد قوله.
النقطة الثانية التي كشف عنها، هي أن مسألة التزامن في الخطوات المتقابلة لم يجرِ التطرق لها في هذه الجولة، وتركت لوقت لاحق. يعني أنها صارت مسألة ثانوية، بعد أن كانت طهران قد اشترطت رفع العقوبات أولاً قبل الجلوس على الطاولة.
النقطة الثالثة التي حسم بشأنها هي أن "العقوبات كلها ليست على الطاولة"، وأن الإصرار على مثل هذا المطلب من شأنه أن يقود إلى "مأزق". لكن من سياق كلامه، بدا أن هذا الاحتمال مستبعد، ذلك أن الفريق الإيراني "لم يتقدّم بقائمة العقوبات التي يريد رفعها"، كما قال، وهذا دليل آخر على تليين الشروط، كما على "الجدّية" التي يقول هذا المسؤول إنها علامة "تشير إلى أن حديث طهران عن العودة إلى الاتفاق قد يكون صادقاً".
التقرير الأميركي الرسمي الأول عن المحادثات جاء عند التوقعات التي سبقته، وربما أكثر المؤشرات والمقدمات التي أوحت في الآونة الأخيرة بأن باب المفاوضات انفتح ولو مواربة. بداية رحبت بها الإدارة. في أقلّه، غاب التشاؤم عن تقييمها ولو مع الحذر والتحفظ. فالهوة واسعة والثقة شبه معدومة بين الجانبين. مع ذلك، جرى تصنيف الجولة في باب التجربة" المثمرة"، وإلى حدّ الإشادة المضمرة بمناخاتها. وفي ضوء ذلك، يمكن القول من غير مجازفة كبيرة، إن طريق التفاوض قد تكون أقل وعورة من المتوقع، خصوصاً إذا جرى فصل النووي بصورة ملتوية عن ملفي الصواريخ ودور إيران في المنطقة، بحيث يصار إلى معالجتهما بدرجة ثانية من الاهتمام والإصرار. ويشار إلى أن المسؤول عرّج على سيرة هذين الملفين مرة واحدة في مؤتمره الصحافي اليوم.