قضت محكمة عسكرية روسية في مدينة فلاديمير (200 كيلومتر، شرقي موسكو)، أول من أمس الثلاثاء، بالسجن لمدة سنة واحدة على ديمتري أندريانوف بتهمة مغادرة مكان خدمته العسكرية أثناء التعبئة.
وعلى الرغم من أن الحكم جاء مخففاً مقارنة بالتعديلات التي أقرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على قانون العقوبات بشأن الخدمة العسكرية، أو التعبئة الجزئية في 24 سبتمبر/ أيلول الماضي، فإن القضية تسلط الضوء على أسباب استمرار فرار المجندين الروس من دون الاكتراث لإمكانية سجنهم لمدة تصل إلى 15 عاماً.
كما تطرح تساؤلات حول قدرة السلطات على استدعاء مئات الآلاف لتعبئة مقبلة، زاد الحديث عنها في الأسابيع الأخيرة من أجل شنّ هجوم جديد على أوكرانيا في الربيع المقبل، قبل تدفق مزيد من الأسلحة الغربية النوعية للجيش الأوكراني.
جرب وقمل في الخطوط الأولى
واتُّهم أندريانوف، وهو طباخ استدعي لخدمة الاحتياط في الخريف الماضي، بمغادرة قطعته العسكرية أثناء الحرب والتعبئة، والعودة إلى منزله من دون إذن. وحسب قرار الحكم، فإن المتهم غادر الوحدة العسكرية في منطقة دونيتسك الأوكرانية بعد عشرة أيام من التعبئة.
وعزا المتهم قراره إلى أنه يعتقد أنه لم يحصل على تدريب كافٍ، لذلك ركب حافلة في موقف قرب الحاجز وغادر إلى منزله في قرية قرب مدينة فلاديمير، وبعد أيام قصد المجند مكتب القائد العسكري في المدينة القريبة واعترف بأنه ترك مكان خدمته من دون الحصول على إذن. وقالت المحكمة إنها أخذت في الاعتبار إقرار أندريانوف بذنبه وتوبته لذلك أصدرت حكماً مخففاً.
تزامناً مع حكم المحكمة في مدينة فلاديمير على الجندي بالسجن، وجهت أمهات وزوجات عدد من المجندين من منطقة خاباروفسك، في أقصى شرق روسيا، في شهر سبتمبر الماضي، رسالة لبوتين، كشفن فيها عن الظروف الصعبة لخدمة أزواجهن وأبنائهن.
وحسب مقطع فيديو نشر على قناة "نيوزبوكس 24.تي في" على "تيليغرام"، اشتكت السيدات من تفشي القمل والجرب لدى جنود الاحتياط بسبب انعدام وسائل النظافة العامة.
وقالت سيدة من ضمن نحو عشر نساء، إن المجندين يقاتلون في الخط الأول من الجبهة منذ أربعة أشهر بعدما تم الزّج بهم من دون تدريب، وأشارت إلى انعدام وجود الأدوية، ما تسبب في أمراض مزمنة. ودعت السيدات بوتين بصفته القائد العام إلى منح أزواجهن وأبنائهن إجازة للاستراحة.
رفعت أكثر من 600 قضية أمام المحاكم الروسية بتهم الفرار من الحرب
ومنذ بداية التعبئة، ازدادت الشكاوى بشأن إرسال الجنود الروس إلى جبهات القتال من دون تدريب جيد وفي ظروف سيئة للغاية. وفي 24 يناير/ كانون الثاني الماضي نشرت قناة "أهل بايكال" على تطبيق "تيليغرام" مقطع فيديو قالت إنها حصلت عليه من أقارب جنود تمت تعبئتهم من نوفوسيبيرسك، شرقي روسيا.
وفي الفيديو ظهر أشخاص يرتدون ملابس عسكرية وقد أخفوا وجوههم وذكروا اسم وحدتهم العسكرية، وقالوا إنهم من سكان نوفوسيبيرسك و"موجودون في جمهورية دونيتسك الشعبية الانفصالية عن أوكرانيا من دون معدات ووسائل قتالية"، وإنهم "يؤمنون الطعام والأدوية والمياه بأنفسهم ويعيشون في ظروف غير صحية".
وأشار أحد المجندين إلى أن الفوج تلقى تدريباً كقوة دفاع، ولكن تم الزج بهم في مجموعات مهاجمة، ما تسبب في سقوط قتلى وجرحى. وتتوافق شهادة الجندي مع تحليلات لمعهد دراسة الحرب الأميركي واستخبارات الدفاع البريطانية حول لجوء روسيا إلى الزج بعدد كبير من المجندين لشن هجوم على المواقع الأوكرانية.
وفي 18 يناير الماضي اشتكى جنود احتياط من ياروسلافيل (280 كيلومتراً، شمال شرقي موسكو)، من أن القيادات العسكرية اتهمتهم بالفرار من التعبئة، على الرغم من أنهم تلقوا أوامر بالانسحاب بعد هجوم أوكراني على مواقع في منطقة لوغانسك. ولاحقاً تم اعتقال عدد من الجنود من الوحدة المذكورة بعد ظهورهم في فيديو آخر من دون أقنعة.
وفي 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، اشتكى جنود من مدينة ياكتيرينبورغ، وسط روسيا، تمت تعبئتهم، في فيديو نشرته وسائل إعلام محلية من الظروف الصعبة، وعدم دفع مخصصاتهم المالية.
وفي 20 يناير الماضي، توجّهت أمهات وزوجات كتيبة موسكو إلى بوتين للفت انتباهه إلى الظروف الصعبة للمجندين والمتطوعين في فوج موسكو من انعدام المياه والظروف المعيشية في ظل انقطاع الوقود والملابس الدافئة.
وقالت إحدى السيدات وسط قرابة 20 سيدة في الفيديو الذي نشر على "تيليغرام" في قناة "سوتابرويكت" إنهن اضطررن إلى إرسال أموال لأقاربهن في الجبهة لتأمين احتياجاتهم، على الرغم من أن الكثير من أعضاء الفوج من المتطوعين.
محاكمات وفرار فردي وجماعي
وانطلقت في 18 يناير الماضي محاكمة ثمانية مجندين احتياط من منطقة كالينينغراد، المقاطعة الروسية الواقعة بين ليتوانيا وبولندا، وقررت المحكمة عقد جلسة إضافية في نهاية الشهر الحالي.
ويتهم رقيب وعريف وستة جنود بالفرار من الجبهة في مقاطعة لوغانسك في نهاية العام الماضي. وفر أعضاء المجموعة بأسلحتهم الفردية من لوغانسك ووصلوا إلى مدينة بادولسك في ريف مدينة موسكو باستخدام سيارات أجرة، حيث سلموا أسلحتهم إلى الشرطة في المدينة.
وحسب التحقيقات الأولية التي نقلتها صحيفة "كوميرسانت" عن المحكمة، فإن المتهمين الثمانية تمت تعبئتهم في 24 سبتمبر، وفي 12 نوفمبر الماضيين، ونقلوا إلى معسكر ميداني في مقاطعة لوغانسك، حيث كان مقرراً تدريبهم للمشاركة في القتال.
ولكن الجنود ذكروا أنهم كلفوا بحفر المخابئ والخنادق في المعسكر، ولم يتدربوا على استخدام الأسلحة، واشتكوا من عدم وجود الأغذية والملابس العسكرية والملابس المناسبة في ظل البرد.
وعشية قرار بنقلهم إلى الخطوط الأمامية للجبهة في 24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قرر الجنود الفرار حفاظاً على حياتهم، واشتروا أطعمة وملابس مدنية وحجزوا سيارتي أجرة لينتقلوا إلى مدينة ليبتسك الروسية غير البعيدة عن الحدود مع أوكرانيا، ولاحقاً انتقلوا بسيارات إلى جنوب موسكو.
وقررت المحكمة توجيه تهمة للرقيب يفغيني كرافشينكو بـ"تنظيم عملية الفرار الجماعي"، وذكر محاميه لصحيفة "كوميرسانت" أن موكله والمجندين الآخرين "لم يقصدوا الفرار من الجيش، لكنهم لم يرغبوا في القتال من دون أن يكونوا مستعدين"، وأوضح أن الجنود سلموا أنفسهم طواعية وكانوا يأملون بالعودة إلى مدينتهم كالينينغراد لتلقي تدريبات عسكرية. ويواجه المتهم الرئيس اتهامات قد تؤدي إلى سجنه ما بين 5 أعوام و15 عاماً بتهم تنظيم فرار جماعي بالأسلحة أثناء الأعمال العسكرية.
أصدرت المحاكم 28 حكماً تراوح بين السجن لمدة ستة أشهر وخمس سنوات للجنود الفارين
وحسب تقرير نشرته خدمة "بي بي سي" الروسية في 18 من الشهر الماضي، فقد رفعت أكثر من 600 قضية أمام المحاكم منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا بتهم الفرار من الحرب أو مغادرة مكان الخدمة العسكرية من دون إذن.
وحسب التقرير الاستقصائي للمحطة، تراوحت العقوبات في 300 قضية قبل إعلان التعبئة الجزئية بين الغرامة المالية والسجن مع وقف التنفيذ بتهمة "مغادرة مكان الخدمة من دون تصريح". وذكر التقرير أن العقوبات باتت أكثر قسوة بعد تعديل القانون الجنائي، إذ أصدرت المحاكم 28 حكماً تراوح بين السجن لمدة ستة أشهر وخمس سنوات.
وأوضح معدو التقرير أن الأحكام المخففة جاءت نتيجة تأكيد المتهمين أنهم لا يرفضون القتال في المبدأ، ولكن يرفضون الزج بهم من دون إعداد جيد، أو بسبب الظروف الصعبة في المعسكرات، وهي نصائح يقدمها المحامون لموكليهم من أجل عدم ذهاب القضاة إلى الحكم بمقتضى فقرات بحق مناهضي الحرب.
وسبق لبوتين أن وقّع في 24 سبتمبر الماضي على مرسوم تضمن عدداً من التعديلات على القانون الجنائي الروسي المتعلقة بالخدمة العسكرية. وتضمنت التعديلات تشديد العقوبات على الفرار من الأعمال القتالية أو رفض القتال في فترة التعبئة.
ونصت التعديلات على فرض عقوبة السجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات على العصيان وعدم تنفيذ أمر الضابط الأرفع أثناء الأحكام العرفية أو في زمن الحرب أو في خضم نزاع مسلح أو عمليات قتالية، وأيضاً رفض المشاركة في العمليات العسكرية أو العمليات القتالية، ورفع عقوبة الفرار من الخدمة لمدة تصل إلى 15 عاماً.