تخشى المجموعات القبلية المساندة للجيش المصري في محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، من الحديث المتداول عن تخطيط الجيش وأجهزة الاستخبارات سحب الأسلحة منها خلال الأسابيع المقبلة، في ظل هدوء الوضع الأمني في المحافظة منذ عدة أشهر، في أعقاب طرد تنظيم "داعش" من مدن رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد، وانتقال المعركة ضد التنظيم إلى مناطق غرب شبه جزيرة سيناء، التابعة إدارياً لمحافظة الإسماعيلية.
وقالت مصادر قبلية من المجموعات المساندة للجيش لـ"العربي الجديد"، إن قوات الجيش تريد سحباً ناعماً للأسلحة من دون أي إشكاليات مع المسلحين البدو، لعدة أسباب. وأهم هذه الأسباب، أن بعض العناصر سيفضلون إبقاء الأسلحة معهم، خشية من أي انتقام من عائلات قتلى "داعش" الذين تم التشهير بقتلهم، وظهور وجوه المقاتلين البدو في مقاطع مصورة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى أن جزءاً من الأسلحة هو سلاح شخصي للمقاتلين البدو، اشتروه من أموالهم الخاصة ولا علاقة للدولة به، إلا أنه يمكن أن يكون ضمن الأسلحة التي سيتم جمعها من القبائل في سيناء، لانتهاء السبب الذي سمح بموجبه بحمل السلاح.
وأضافت المصادر ذاتها أن الأسلحة تتركز مع عدة مجموعات قبلية، مثل قبيلة الترابين والسواركة والارميلات والبياضية والأخارسة. وتشمل الأسلحة أكثر من 600 قطعة سلاح خفيفة، و100 قطعة سلاح متوسطة المدى، وأكثر من 50 سيارة جيب مصفحة، جرى منحها للقبائل خلال فترة ملاحقة تنظيم "داعش"، بخلاف مئات سيارات الدفع الرباعي التي لم يسمح بدخولها سيناء لولا الحملة ضد التنظيم، وبالتالي فإنه قد يتقرر إلغاء قرار السماح بالتحرك في هذه السيارات خلال الفترة المقبلة.
سحب السلاح ودور المجموعات القبلية
وأشارت المصادر إلى أن قوات الجيش لم تعد ترى فائدة من بقاء المجموعات القبلية، في ظل الهدوء الأمني غير المسبوق في مدن شمال سيناء، وبالتالي بدأت تدريجياً في سحب الامتيازات التي منحتها للمجموعات خلال الفترة الماضية.
وأوضحت أن سحب السلاح يعني تجريد المجموعات القبلية من كل عوامل القوة التي تملكها، وتعود كما كانت سابقاً كحال سائر المواطنين في المحافظة، وبالتالي فقد تتمدد الإجراءات العسكرية وعودة عدد كبير من المقاتلين إلى السجون، في ظل وجود أحكام غيابية عليهم تم غضّ الطرف عنها من قبل قيادات عسكرية وأمنية سابقاً، خلال فترة قتال "داعش" منذ شهر مارس/آذار الماضي.
باحث في شؤون سيناء: تخشى الجهات الأمنية إمكانية استخدام القبائل السلاح في مواجهة الجيش
ويشار إلى أن قوات الجيش والمخابرات الحربية استعانت بالمقاتلين البدو لملاحقة تنظيم "داعش" منذ مطلع عام 2017 بشكل رسمي، بيد أن تدخل البدو، وعلى وجه التحديد قبيلة الترابين، لم يؤتِ ثماره بالشكل المطلوب إلا في مطلع العام الحالي، بعد توسع القاعدة البدوية المستعان بها، لتشمل قبيلتي السواركة والارميلات، التي أحدثت فارقاً مهماً في عملية طرد "داعش" من شمال سيناء بشكل حقيقي وملموس. وخلال المشاركة مع الجيش، فقدت المجموعات القبلية العشرات من أفرادها، وكذلك دفعت من أموالها لشراء أسلحة وجيبات ومواد للمقاتلين على الأرض.
وطمح المقاتلون البدو من خلال مساندة الجيش والمخابرات في معركتهم ضد "داعش" إلى نيل الكثير من الامتيازات، التي تشمل التحرك بأريحية من سيناء وإليها، وإسقاط أي تهم سابقة في محاكم الدولة، والحصول على فرص عمل في المؤسسة العسكرية أو مشاريع الجيش المصري في سيناء.
كما تشمل الامتيازات الاحتفاظ بأسلحتهم في ظل اعتبارهم أصحاب الحق في ذلك بعد قوات الجيش، إلا أن هذه الطموحات قد تتلاشى في ظل توجه الجيش لسحب السلاح في أقرب وقت ممكن، وسط غموض التوقعات حول رد فعل المجموعات القبلية مع بدء تنفيذ قرار السحب.
وفي السياق، أرجع باحث في شؤون سيناء سبب القرارات العسكرية والأمنية بتقليص الدور الذي تؤديه المجموعات، إلى خطورة إبقاء السلاح معها، واستخدامه بغير الغاية التي أرادتها الجهات العسكرية والأمنية.
ويعود السبب إلى حساسية المنطقة التي يتكدس فيها السلاح، وقربها من الحدود المصرية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وما يشمل ذلك من إمكانية استغلاله في إطلاق نار تجاه قوات الاحتلال الإسرائيلي، حتى لو كان ذلك ضمن عمليات تهريب الممنوعات والمهاجرين.
وتخشى الجهات الأمنية أيضاً إمكانية استخدام القبائل السلاح في مواجهة الجيش المصري نفسه، في ظل الحديث عن تهجير أهالي المناطق الحدودية، التي يقطنها المسلحون وعائلاتهم منذ عقود طويلة.
التفكير بسحب السلاح من المجموعات القبلية
وقال الباحث الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لوجوده في سيناء لـ"العربي الجديد"، إن ما جرى في قرية نجع شيبانة، الواقعة على الحدود المصرية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، في الأسابيع الماضية، وتهديد مسؤولي المجموعات القبلية بعدم الخروج من قريتهم امتثالاً لقرارات عسكرية مهما كلف الثمن، دقّ ناقوس الخطر لدى الجهات المعنية، ودفعها إلى التفكير سريعاً في سحب السلاح من أيدي المقاتلين البدو.
وتخشى هذه الجهات من امتشاق عناصر المجموعات القبلية السلاح بوجهها، في حال صدور قرارات لا تتوافق مع رؤيتهم. وأضاف الباحث، أن سحب السلاح من المجموعات القبلية ليس أمراً سهلاً، خصوصاً في ظل اعتبار أنهم دفعوا ثمن السلاح من دمائهم ودماء أقاربهم وأشقائهم خلال معركة تطهير سيناء من "داعش" منذ شهر مارس الماضي.
قوات الجيش لم تعد ترى فائدة من بقاء المجموعات القبلية
وتوقع الباحث أن يعمل الجيش على نقل الأسلحة والسيارات، في حال سحبها من المجموعات القبلية في شمال سيناء، إلى المقاتلين الجدد في المناطق الغربية من شبه جزيرة سيناء، حيث المعركة الجديدة مع تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لـ"داعش"، في مناطق القنطرة شرق وجلبانة القريبة من قناة السويس، حيث بات التنظيم ينشط في تلك المنطقة الحساسة والاستراتيجية على الصعيد الأمني والاقتصادي في مصر. وأشار إلى أن قبائل شمال سيناء رفضت ملاحقة التنظيم خارج أراضيها، وتركت الأمر لقبائل بئر العبد، كالبياضية والأخارسة وغيرهما.
ويسعى شيوخ القبائل وقيادات من الجيش والمخابرات للتوصل إلى حلول، تشمل ضمان بقاء القبائل في قراها، وعدم المساس بوجودها، في ظل الخطوات التي اتخذها الجيش أخيراً، والتي تقضي بتهجير القرى الواقعة جنوبي مدينة رفح على الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك ضمان توفير وظائف للمقاتلين البدو، وعدم ملاحقتهم قانونياً بإسقاط كل التهم عنهم، وضمان توفير الحماية لهم بعد سحب السلاح، خصوصاً في حال ظهور فلول لتنظيم "داعش" للانتقام من عائلات المقاتلين في سيناء.