تبنت قوى سياسية مبادرة للتهدئة أخيراً بين الحكومة العراقية وفصائل في "الحشد الشعبي"، داعية إلى طاولة حوار لحل الأزمة التي يسود تخوف من تفاقمها وظهرت بعد اعتقال القيادي في "الحشد" قاسم مصلح.
في غضون ذلك تتحدث مصادر في بغداد عن تعطيل حكومة مصطفى الكاظمي تنفيذ مذكرة قبض بحق مطلوبين بتهم فساد، لارتباط بعضهم بـ"الحشد الشعبي"، تحاشيا لأي تصعيد محتمل.
وتم اعتقال مصلح بناء على مذكرة قبض وفقا لقانون مكافحة الإرهاب، بتهم تتعلق بجرائم قتل ناشطين واستهداف منشآت عسكرية حساسة تضم قوات أجنبية، وما تبع ذلك من حراك للفصائل المسلحة وتطويقها المنطقة الخضراء، ومطالبتها بإطلاق سراحه.
ومازالت الأجواء في العاصمة العراقية متوترة سياسيا وأمنيا للأسبوع الثاني على التوالي، على الرغم من وجود وساطات ومحاولات للتقريب بين الطرفين.
وليل أمس أطلق زعيم "تحالف النصر"، ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، مبادرة للحوار بين رئيس الحكومة و"الحشد الشعبي" للتوصل الى تفاهمات، وإنهاء حالة التوتر.
وقال العبادي في بيان إنه "مع تزايد الاحتكاك، ومع اقتراب موعد الانتخابات، نطلق مبادرة (الحشد الوطني)، والتي ندعو الحكومة والقوى السياسية لمناقشتها وتبنيها لحل الإشكالات القائمة، والاتفاق على قواعد التعامل مع هذا الملف، وللحيلولة دون ذهاب الأوضاع إلى تطورات لا تخدم استقرار الدولة وأمنها ومصالح شعبها".
الحكومة عطلت مذكرات قبض بحق متورطين بقضايا فساد، بعضهم مرتبط بـ"الحشد"
وأوضح أن "المبادرة تحافظ على بقاء الحشد باعتبارها قوة قتالية وطنية، مع رفض زجه بمعارك داخلية، أو تسخيره لصالح أجندات إقليمية، ولا يجوز تعريض وجوده للخطر بزجه بصراع الاستراتيجيات الإقليمية الدولية، وتحميله فاتورة صراع المصالح داخلياً وإقليمياً ودولياً"، في إشارة واضحة إلى إيران.
وأشار إلى "أهمية مأسسة الحشد وتقنين عمله، على أن يكون قوة قتالية ملتزمة بأنظمة الدولة وسياقاتها، وضمان عدم توظيفه لمصالح سياسية وحزبية ضيقة، وأن يبقى الحشد قوة قتالية ملتزمة بسياقات الدولة، بما يحفظ للحشد وجوده ودوره"، داعيا إلى "عقد طاولة حوار لمناقشة هذه المبادرة، والاتفاق على أُسسها، ثم قوننة مخرجاتها، لتكون مُلزمة لجميع الأطراف، وبما يُنهي إشكاليات هذا الملف وفق المصالح الوطنية العراقية".
وحتى ما بعد منتصف يوم الجمعة لم يصدر عن الحكومة ولا عن قيادات "الحشد الشعبي" أي تعليق بشأن المبادرة.
في الأثناء علم "العربي الجديد"، أن الحكومة عطلت مذكرات قبض بحق متورطين بقضايا فساد، بعضهم مرتبط بـ"الحشد".
ووفقا لمسؤول رفيع، اشترط عدم ذكر اسمه، فإن "الحكومة تريثت بتنفيذ مذكرات قبض بحق شخصيات مرتبطة بالحشد أو محسوبة عليه، بينهم نواب ومسؤولون سابقون تحاشيا لأي تصعيد آخر مع المعسكر المناوئ داخل الحشد الشعبي"، موضحا أن "مذكرة القبض تشمل عددا من المسؤولين والنواب وبعضهم من تحالف الفتح (الجناح السياسي للحشد الشعبي)، كما أن من بينهم قيادات في فصائل الحشد، متورطة بقضايا فساد كبيرة".
وأوضح أن "المذكرة استوفت الإجراءات القانونية بشكل كامل، وتنتظر التنفيذ، إلا أن تعطيلها جاء بسبب الوضع المتشنج، والمخاوف من ردة فعل ثانية للحشد الشعبي، والتي قد تدفع باتجاه التصعيد أو المصادمات مع الحكومة، سيما وأن الحشد قد يعتبرها استفزازا واستهدافا متعمدا".
من جهته، أكد عضو "تيار الحكمة"، رحيم العبودي، أن "لجنة مكافحة الفساد التي شكلها الكاظمي في وقت سابق، ستصدر قريبا أوامر قبض بحق شخصيات متورطة بفساد، منهم وزراء ونواب وقادة أمنيون ومدراء عامون"، مؤكدا في تصريح صحافي، أن "قرارات اللجنة مهنية لأنها تمتلك ملفات تدين متورطين بقضايا سرقة المال العام". وأضاف أن "الأيام المقبلة ستشهد مطاردة للمتهمين وملاحقتهم قانونيا من خلال إصدار مجموعة قوائم تضم أسماء كبيرة".
يجري ذلك في وقت تحاول فيه قوى سياسية التهدئة بين الحكومة و"الحشد" ومنع الانجرار نحو التصعيد.
وكانت الرئاسات العراقية الثلاث (البرلمان والحكومة والجمهورية) ردت على تحرك الفصائل المسلحة، برفض التعدي على سلطة الدولة، والتجاوز على هيبتها في فرض القانون وحماية أمن المواطنين، داعية القوى السياسية المختلفة الى التعاون لأجل التصدي لهذا التصعيد، ودعم الدولة في حصر السلاح بيدها، ورص الصفوف ووأد الفتنة واتخاذ مواقف موحدة وجادة وحاسمة لتدارك الأزمة.