تتجه تشكيلات "الجيش الوطني"، التابع للمعارضة السورية، للاستجابة لمبادرة محلية لتأسيس "مجلس قيادة عسكري موحد" في مناطق سيطرة هذه الفصائل في الشمال السوري، لضبط الخلافات الفصائلية على النفوذ، وعلى الموارد المالية المحدودة في هذه المناطق.
وقالت مصادر محلية مقربة من شخصيات ذات تأثير مجتمعي في الشمال السوري، قدّمت هذه المبادرة لـ"الجيش الوطني"، إن "الأمر لا يزال في طور المداولات"، مضيفة، في حديث مع "العربي الجديد": "ليس هناك شيء رسمي حتى اللحظة، ولكن نرجو أن نشهد تشكيل هذا المجلس".
من جهته، شرح الباحث في مركز "جسور" للدراسات، والمواكب للمشهد الفصائلي في الشمال السوري، وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المبادرة، التي ستشمل الفيالق الثلاثة في الجيش الوطني (الأول والثاني والثالث)، تتضمن تشكيل مجلس قيادة عسكري موحد، وإدارة حواجز واحدة، وإدارة أمنية واحدة، وقوة مركزية موحدة، ومكتب قانوني، وهيئة رقابة، وهيئة عامة للشهداء، وإدارة اقتصادية واحدة". وأوضح أن المجلس المحتمل "سيضم 28 عضواً، مع 7 أعضاء مستقلين".
وائل علوان: المجلس الجديد يستهدف ترتيب القضايا المالية المتعلقة بالمعابر، وتوزيعها بشكل مرضٍ للفصائل
ورأى أن "المبادرة تحتاج إلى الدعم التركي لتنجح"، معرباً عن اعتقاده بأن "ظروف النجاح غير متوافرة ذاتياً، حتى لو توافقت الفيالق الثلاثة في الجيش الوطني". وتابع: "هناك تجارب سابقة طويلة ومريرة لم تنجح، وليس بالبعيد غرفة عمليات عزم التي شُكلت من قبل الجيش الوطني ولم تعمّر طويلاً، وباتت حبراً على ورق".
ترتيب القضايا المالية المتعلقة بالمعابر
واعتبر علوان المجلس الجديد في حال تشكله "ليس تخطياً أو بديلاً لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة"، مضيفاً: أعتقد أنه ستكون هناك رمزية التبعية لوزارة الدفاع.
ولفت إلى أن المجلس الجديد "يستهدف ترتيب القضايا المالية المتعلقة بالمعابر، وتوزيعها بشكل مرضٍ للفصائل درءاً للمشاكل"، مضيفاً أن معظم الخلافات بين الفصائل سببها الصراع على النفوذ وعلى المعابر والموارد المالية.
وأعرب عن اعتقاده بأن الصدامات الدامية التي تجري بين فترة وأخرى بين الفصائل في الشمال حول الموارد "ثغرة يمكن أن تستغلها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) للتمدد في مناطق سيطرة الجيش الوطني".
وأضاف: أعتقد أن هذا الأمر هو السبب الحقيقي وراء مبادرة تشكيل مجلس قيادة واحد في الشمال السوري. وتابع قائلاً إن تنظيم واردات المعابر لتشمل كل الفصائل ليس هدفاً صغيراً، بل هو قيمة كبيرة للمبادرة في طريق تنظيم ملف كان سبباً في النزاعات الفصائلية وعدم الاستقرار.
وعن تزامن هذه المبادرة مع فتح مسار تقارب بين الجانب التركي والنظام السوري، لفت علوان إلى أن "الجانب التركي يشجع التماسك في المعارضة السورية"، معرباً عن اعتقاده بأن أنقرة "لا تعوّل على الائتلاف الوطني لأن تأثيره محدود في الشمال السوري".
وأضاف: "يريد الجانب التركي الاعتماد على فاعل محلي متماسك ومؤهل، وربما نشهد قريباً تمثيلاً سياسياً للداخل السوري الذي يقع ضمن النفوذ التركي".
وفي السياق، اعتبر القيادي في "الجيش الوطني" الفاروق أبو بكر، أن تشكيل مجلس قيادة موحّد "خطوة إيجابية". وأشار، في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن هذا الأمر "يزيد من رواتب المقاتلين في الجيش".
مجلس القيادة قد يضبط موضوع التهريب
وأشار إلى أن هذا المجلس في حال تشكيله "يضبط موضوع التهريب، بحيث تُغلق كل نقاط التهريب ويُحصر الأمر بمعابر نظامية محددة"، مضيفاً أن تشكيل مكتب أمني واحد يحد من المشاكل ومن عمليات التفجير التي تستهدف المدنيين، ويضبط الحواجز المنتشرة في الشمال المحرر.
ويقع الشمال السوري الذي تسيطر عليه فصائل المعارضة السورية، ضمن نفوذ أنقرة، التي شرعت أخيراً بتواصل أمني معلن مع النظام السوري بعد أكثر من عقد من العداء.
وكان "الجيش الوطني" قد تشكّل من ائتلاف فصائل المعارضة في الشمال السوري بدفع من الجانب التركي مطلع عام 2018. وفي أواخر عام 2019، انضمت "الجبهة الوطنية للتحرير"، التي تضم فصائل الشمال الغربي من سورية، إلى "الجيش الوطني"، الذي بات عدد مقاتليه بعد الاندماج أكثر من 60 ألف مقاتل، وفق مصادر في المعارضة.
ويسيطر "الجيش الوطني" على منطقة "درع الفرات" في ريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي، التي تضم العديد من المدن والبلدات، أبرزها الباب وجرابلس ومارع. وينتشر في مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي، التي تحتضن العديد من مؤسسات المعارضة، ومنطقة "غصن الزيتون" التي تضم منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية من السكان، فضلاً عن كونها تحتضن عشرات الآلاف من النازحين والمهجرين. وفي شرق نهر الفرات، يسيطر "الجيش الوطني" على شريط حدودي بطول 100 كيلومتر، وبعمق 33 كيلومتراً، وهو ما بات يُعرف بـ"منطقة نبع السلام".
الفاروق أبو بكر: تشكيل مكتب أمني واحد يحد من المشاكل ومن عمليات التفجير
ولهذا "الجيش" كليات عسكرية وجهاز شرطة عسكرية وقضاء، إلا أن المشهد الفصائلي في الشمال السوري لم يتغير، إذ لا تزال العشرات من الفصائل تنشط خارج إطار هذا "الجيش" التابع لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، التي لا تملك سلطة القرار على الفصائل.
ومنذ تأسيسه، شارك "الجيش الوطني" في عمليتين مع الجيش التركي، الأولى مطلع 2018 ضد "الوحدات" الكردية في منطقة عفرين، انتهت بانسحاب الأخيرة من هذه المنطقة التي باتت من أهم مراكز النفوذ لـ"الجيش الوطني"، والثانية أواخر 2019، حيث ساندت هذه الفصائل الجيش التركي في عملية "نبع السلام" ضد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي اضطرت إلى الانسحاب من مدينتي تل أبيض ورأس العين وريفهما.
ونشأت شبكة مصالح تقوم على التهريب المتبادل بين مناطق المعارضة والنظام و"هيئة تحرير الشام" و"قسد"، وهو ما يحول دون إنهاء حالة الفوضى الفصائلية في الشمال السوري.
ووقعت منذ عام 2018 العديد من النزاعات الدامية بين فصائل "الجيش الوطني" في كل المناطق التي يسيطر عليها، غالباً ما تؤدي إلى مقتل عدد من المدنيين والعسكريين.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد فرضت منتصف العام الماضي عقوبات على فصيل ينتمي إلى "الجيش الوطني" وعلى قياديَّين فيه، وهو "أحرار الشرقية" المتهم بارتكاب جرائم عديدة ضد المدنيين، ولا سيما ضد الأكراد السوريين، في شمال شرق سورية، تشمل "عمليات قتل خارج نطاق القانون وخطف وتعذيب ومصادرة ممتلكات خاصة".