استمع إلى الملخص
- محافظ نينوى أطلق مبادرة لسحب الأرتال العسكرية ونقل المقرات خارج الموصل لتعزيز الاستقرار، لكن النفوذ القوي للفصائل المسلحة يشكل تحديًا كبيرًا.
- المبادرات الحكومية تواجه تحديات بسبب عدم التزام الفصائل المسلحة، مما يعوق جهود حصر السلاح بيد الدولة، رغم أن بعض المراقبين يرون أن الخطوات الحكومية قد تمهد لتعزيز سيادة القانون مستقبلًا.
رغم إيراد مسألة إنهاء عسكرة المدن وسحب الحشود المسلحة من المدن والبلدات العراقية، وبينها نينوى ضمن مفردات برنامج حكومة محمد شياع السوداني، قبل أكثر من عامين، وصوّت عليها البرلمان خلال جلسة منح الثقة لحكومته نهاية أكتوبر/تشرين الأول عام 2022، لكن هذا الملف ما زال على حاله بلا تغيير في المدن والبلدات الشمالية والغربية من العراق. في مدينة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية بعد بغداد، لا يخلو حي واحد من مقرات تلك المليشيات أو ما تعرف بـ"نقاط السيطرة"، وكذلك المكاتب الاقتصادية التابعة لها، وسط استمرار مطالبة الأهالي بانسحابهم خارج المدينة وعدم التدخل بالشؤون المدنية للموصل وضواحيها، خصوصاً المناطق ذات الغالبية العربية المسيحية في سهل نينوى.
مبادرة لإنهاء المظاهر المسلحة في نينوى
بسبب زيادة هذه المظاهر التي باتت تتصدر أحاديث أهالي الموصل، كشف محافظ نينوى عبد القادر الدخيل، عن إطلاق مبادرة لإنهاء المظاهر المسلحة في نينوى. وقال الدخيل، لـ"العربي الجديد"، إن "اللجنة الأمنية العليا في نينوى قررت اعتماد مبادرة لإنهاء المظاهر المسلحة في نينوى تشمل الأرتال العسكرية وحمل السلاح وغيرها من المظاهر". وأضاف الدخيل أن "المبادرة سيتم تنفيذها ابتداءً من أرتال المسؤولين الإداريين وأولهم موكب المحافظ ورئيس مجلس المحافظة"، مبيناً أن انتشار المظاهر المسلحة من شأنه عكس صورة سلبية قد تؤثر على تعزيز الاستقرار والتنمية والاستثمار في مدينة الموصل. وأشار إلى أن اتفاقاً جرى مع القيادات العسكرية من أجل إغلاق المقرات العسكرية في نينوى ونقل المقرات الخاصة بالجيش و"الحشد الشعبي" إلى خارج مدينة الموصل من أجل تعزيز واقع السياحة والاستثمار في المنطقة القريبة من نهر دجلة والتي تستغلها تلك المقرات العسكرية. لكن الدخيل أكد أيضاً أن نينوى "تُعد أقل المحافظات العراقية في تسجيل الجرائم الجنائية وتجارة وتعاطي المخدرات".
عبد القادر الدخيل: اتفاق مع القيادات العسكرية من أجل إغلاق المقرات العسكرية في نينوى
من جهته، قال مسؤول أمني عراقي في قيادة جهاز شرطة الموصل، لـ"العربي الجديد"، إن المظاهر المسلحة في المدينة "تأخذ العديد من الأشكال". وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن "هناك مواكب عسكرية غير معروفة، وهناك سيارات تعود للفصائل بلا لوحات تسجيل فيما المسلحون فيها ينتمون لفصائل مختلفة، وكثير منهم يرتدي ملابس مدنية ويصعب معرفة ما إذا كان عنصر أمن رسمياً أو حتى إرهابياً، وهو ما يشكل ثقلاً على الشرطة والجيش العاملين بالموصل. كما أن اعتراضهم يدفع إلى الاعتداء من قبلهم على أفراد الأمن ويحدث هذا بشكل متكرر".
ولفت إلى أن مدينة الموصل ومنذ استعادة السيطرة عليها عام 2017 ولغاية الآن "تخضع بشكل كبير لنفوذ وهيمنة الفصائل المسلحة التي تمتلك مكاتب سياسية لتنظيم المشاركة في الانتخابات وكذلك مكاتب اقتصادية لضمان الهيمنة على المشاريع والعمولات والأموال"، واصفاً تلك الفصائل بأنها "تتعامل وتعيش في الموصل وكأنها فوق القانون وتمارس أنشطتها بحرية من دون خشية من الملاحقة القضائية أو الأمنية". ولفت إلى أن "الفصائل التي زاد نفوذها أخيراً في سهل نينوى وداخل الموصل هي كتائب بابليون التابعة لريان الكلداني، ولواء الشبك التابع لوعد القدو، وحركة العصائب التابعة لقيس الخزعلي، وكتائب سيد الشهداء وبدر وحزب الله".
الفصائل المسلحة لا تلتزم بالقرارات
لاقت دعوة إنهاء المظاهر المسلحة تأييداً في نينوى ولكن هناك من شكك بقدرة السلطات على تطبيق تلك الدعوات، لا سيما فيما يتعلق بالمظاهر المسلحة للفصائل. وقال رئيس مركز رصد للدراسات محمد غصوب، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "مبادرة محافظ نينوى لإنهاء المظاهر المسلحة مبادرة جيدة، ولكن في الواقع القرارات الحكومية في العراق لا تنفذها إلا الجهات التابعة فعلياً لأجهزة الدولة، في حين أن الفصائل المسلحة لن تلتزم بهكذا توجيهات".
محمد غصوب: الفصائل المسلحة لن تلتزم بالقرارات الخاصة بإنهاء المظاهر المسلحة
وأضاف غصوب أن "الفصائل المسلحة، سواء كانت فصائل مقاومة أو فصائل الحشد، لن تلتزم بالقرارات الخاصة بإنهاء المظاهر المسلحة". وتوقع أن تستمر هذه المظاهر في الشارع من دون أن تستطيع أي جهة منع هذه الفصائل حصر سلاحهم لأن أي جهة رسمية وحتى القضاء غير قادرة في الواقع على إخضاعهم للقانون. وتابع أن رئيس الوزراء ووزير الداخلية "أصدرا قراراً في وقت سابق بأن الشرطة المحلية هي الجهة الأمنية الوحيدة المخولة بمسك الأمن في نينوى، ولكن هذا القرار لم يفعّل لغاية اليوم، فما تزال الفصائل هي من تمتلك القرار الأمني في محافظة نينوى حيث ترفض خروجها حتى من المدن بذريعة حماية المكونات والأقليات كما حصل مع المكون الشبكي والمكون المسيحي"، مؤكداً أن ملف إنهاء المظاهر المسلحة سيبقى شعاراً لن يرى حظه في الواقع، مبيناً أن الفصائل تمارس أنشطتها في وضح النهار وأحياناً تقوم بمنع البناء في مناطق داخل الموصل إلا مقابل دفع مبالغ مالية لها دون أن يكون للسلطات المحلية أي دور في وقف تلك الأنشطة.
من جهته، رأى عضو مجلس محافظة نينوى أحمد الكيكي أن أي مبادرة لإنهاء المظاهر المسلحة خطوة إيجابية، ولكنها غير كافية ما دامت بعيدة عن المظاهر المسلحة للفصائل والجهات التي تمتلك السلاح خارج القانون وخلافاً لإرادة الدولة العراقية. وقال الكيكي، لـ"العربي الجديد"، إن "الدعوة لإنهاء المظاهر المسلحة التي أطلقها المحافظ بدأت بمواكب المسؤولين بينما ينبغي أن تبدأ بالسيارات الحكومية التي لا تحمل أرقاماً ولوحات تعريفية". وأضاف أن "الكثير من المركبات التي لا تحمل لوحات تعريفية تنقل عناصر مسلحين ربما يكون الهدف من حركتهم تنفيذ أعمال إرهابية وتخريبية". وبيّن أن الشهر الماضي نفذت مجموعة مسلحة اعتداء على صحافي في المدينة وكانت المركبة المستخدمة في الاعتداء لا تحمل لوحات تعريفية، فيما رجح أن تكون هذه المركبات التي تقوم بهذه التحركات تابعة للفصائل المسلحة المتنفذة في نينوى.
وأكد الكيكي أن الفصائل المسلحة التي تعمل بمفردها وتستغل اسم الحشد الشعبي تمارس أنشطة اقتصادية وسياسية، وهي أول من نشر ظاهرة المظاهر المسلحة في شوارع الموصل، وكان من المفترض أن تبدأ أي حملة لمنع المظاهر المسلحة في المجتمع بهذه الجهات. وحمل محافظ نينوى المسؤولية عن المطالبة بإنهاء المظاهر المسلحة وأنشطة الفصائل من خلال التواصل مع الحكومة المركزية في بغداد كونه رئيس اللجنة الأمنية العليا في المحافظة.
ورأى الناشط السياسي مناف الغريري في دعوة إنهاء المظاهر المسلحة دافعين داخليا وخارجيا. وقال، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الدافع الداخلي يحاكي الواقع الشعبي الرافض لسلاح المليشيات والسلاح المنفلت والجماعات المسلحة وكذلك التنظيمات الإرهابية، بينما يحاكي الدافع الخارجي توجه الحكومة العراقية التي بدأت برفع شعار حصر السلاح بيد الدولة وإنهاء المظاهر المسلحة المخالفة للقانون تماشياً مع التطورات الدولية على الساحة بعد الضغوط على العراق بشأن أنشطة المجموعات المسلحة القريبة من إيران". ولفت الغريري إلى أن الخطوات الحكومية تجاه إنهاء المظاهر المسلحة وإن كانت محدودة في البداية، لكنها إيجابية، لأنها قد تمهد لمراحل مقبلة من شأنها حصر السلاح بيد الدولة بشكل كامل كما يرغب الشارع العراقي.