تكشف مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد"، أن المبادرة الجزائرية للتوسط في قضية سد النهضة تقوم في الأساس على التوفيق بين مصر والسودان وإثيوبيا، لإقناعهم باللجوء إلى المادة العاشرة من اتفاق المبادئ المبرم في مارس/آذار 2015، من أجل إيجاد وساطة ملزمة، تُنهي حالة الجمود في المفاوضات المسيطرة على الملف لفترة عام ونصف العام، تخللها نجاح أديس أبابا في إنجاز مرحلتين من ملء السد. وحول التطورات الأخيرة، تفيد المصادر بأن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، الذي اختتم من القاهرة جولة أفريقية شملت الخرطوم وأديس أبابا أيضاً، تحدث خلال اجتماعه الثنائي مع نظيره المصري سامح شكري، والاجتماع الموسع بين قيادات الخارجية في البلدين، عن إمكانية تأدية الجزائر دوراً كبيراً للتوسط لتفعيل المادة الخاصة بالوساطة الملزمة. وتعمل الجزائر على إقناع الدول الثلاث باتباع هذا المبدأ كحل ممكن ووحيد للقضية، على أن تشارك الجزائر في حال الحاجة إليها في فريق متعدد الدول أو الجهات، لاقتراح الوساطة الملزمة، أو أن تسهّل اتفاق الدول الثلاث على وسيط وحيد.
تستند المبادرة الجزائرية إلى البند 10 من اتفاق المبادئ
ويفتح المبدأ العاشر من الاتفاق باب الوساطة الدولية الملزمة، لكنه يتطلب "اتفاق الدول الثلاث على ذلك"، وهو ما لم يتوفر رسمياً في أي مرحلة سابقة من النزاع، لأسباب عدة. فالسودان الذي يبدو من الناحيتين الفنية والاقتصادية مستفيداً من بناء السد، كان يجدد ثقته في إمكانية التغلب على الخلافات باستمرار المفاوضات، قبل أن يطالب بالوساطة أخيراً. أما إثيوبيا فترفض اللجوء مرة أخرى بعد جولة مفاوضات واشنطن، إلى الرقابة أو الوساطة السياسية، بحجة أن القضية فنية فقط. وبالنسبة إلى مصر فتخشى استمرار إهدار الوقت من دون حصول اتفاق نهائي ملزم، خصوصاً بعدما أصبح تحكم إثيوبيا السيادي في السدّ أمراً واقعاً بإنجاز مرحلتين من الملء. وبناء على هذه التطورات، يحاول لعمامرة إيجاد مساحة توافق تجعل الدول الثلاث تستقر على تفعيل المبدأ العاشر، على أن يتم ذلك في صورة لقاءات ثلاثية مباشرة بحضور الجزائر وممثلي الاتحاد الأفريقي على المستوى الوزاري والرئاسي أيضاً، مع عرض استضافة الجزائر هذه اللقاءات لتسهيل التباحث وتخفيف الحساسيات. وتوضح المصادر أن السودان ومصر وافقا مبدئياً على المبادرة الجزائرية، باعتبارهما يقبلان أي جهد إقليمي أو دولي لحل الأزمة، وتعهّدا بإبداء المرونة تجاه الأفكار المختلفة التي قد تساهم في التوصل إلى اتفاق.
في المقابل، فإن إثيوبيا تحفظت على المبادرة وطلبت، من أجل إبداء حسن نوايا، من الجزائر أن تعمل على تراجع جامعة الدول العربية عن موقفها السابق الداعم بشكل مطلق لمصر والسودان والمدين لإثيوبيا بالإجماع، وهو الموقف الذي يمثل عامل قلق بالنسبة لأديس أبابا. لكن لعمامرة، بحسب المصادر المصرية، لم يتعهد بشيء في هذا السياق، عدا العمل على تقريب وجهات النظر بين إثيوبيا والدول العربية، باعتبارها من دول الجوار والعمق الاستراتيجي لشمال أفريقيا والخليج العربي، وتربطها صلات اقتصادية وسياسية مهمة بمعظم الدول العربية الفعالة. وحول تحركات لعمامرة، تنوّه المصادر إلى أنه لا يتمتع حتى الآن بدعم إقليمي أو دولي مباشر، لكن لا توجد أي مبررات لاعتراض الدول الكبرى والوسطاء الحاليين كالولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، على التحرك الجزائري. وتعتبر أن هذا التحرك يستهدف بالدرجة الأولى إعادة نشاط الجزائر الدبلوماسي والسياسي في محيطها الإقليمي، بعد سنوات من الانكفاء والتحركات المحدودة. وتشير إلى أن المبادرة تخلو حتى الآن من أي تفاصيل فنية أو سياسية متقدمة، على عكس المبادرات السابقة الإماراتية والأميركية، التي تضمنت بنوداً محددة لحلحلة الموقف، كما تشترط مصر موافقة إثيوبيا على المبادرة الجزائرية من دون شروط مسبقة لتوافق عليها هي أيضاً. وترى المصادر أنه يمكن بعد العودة للمفاوضات المباشرة البدء من حيث انتهى الحديث عن اتفاق دائم على عملية الملء، بعد ما انتهى الملء الثاني بالفعل. وهذه المسألة مرهونة حالياً بتجاوب إثيوبيا مع رغبة دولتي المصب (السودان ومصر) في التوقيع على كل ما جرى التوافق عليه حتى الآن، وهو ما يمثل نحو 90 في المائة من جوانب الاتفاق النهائي. وتشمل النقاط التي تمّ التوافق عليها عدد سنوات الملء والتبادل اليومي للبيانات وسلامة الإنشاءات، والضمان الدولي لاستمرارية التفاوض بعد المرحلة الأولى، وأن يتم اعتماد الاتفاق من الجهات الدولية والدول الضامنة، سواء أدت دور الوساطة أو المراقبة. وعن التأثير المتبادل بين المبادرة والعلاقة بين مصر والجزائر، تشرح المصادر أنه على الرغم من الاتصالات الهاتفية المتكررة في الأشهر العشرة الماضية بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والجزائري عبد المجيد تبون، فإن التواصل الدبلوماسي بين الجانبين صعب بسبب الخلاف على الملف الليبي في السنوات السابقة، والذي هدأ في الآونة الأخيرة بعد إعادة تموضع مصر وتراجعها عن الدعم المباشر اللامحدود لمليشيات شرق ليبيا بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وتغير الوضع السياسي في طرابلس وتشكيل الحكومة الجديدة التي تحتفظ حتى الآن بعلاقات جيدة ومتطورة مع القاهرة.
لا يتمتع لعمامرة بدعم إقليمي أو دولي مباشر حتى الآن
كما أن مصر لا ترحب بشكل مبدئي بتعظيم الدور الإقليمي لدولة عربية شمال أفريقية بجانبها، تحسباً لتراجع أهميتها القارية، لكن في قضية سد النهضة يبدو الموقف المصري أكثر مرونة تجاه دخول الجزائر كوسيط جديد. وسبق أن أدلى الرئيس الجزائري، في يونيو/حزيران الماضي، بتصريحات لقناة "الجزيرة"، كشف فيها ضمنياً عن وجود توتر سابق مع مصر حول ليبيا. وقال إن "بلاده كانت تستعد بالفعل للتدخل لوقف تقدم قوات حفتر نحو العاصمة الليبية"، مجدداً تأكيده على أن "طرابلس خط أحمر". وهو تصريح بداً مقابلاً للخط الأحمر الذي حدده السيسي سلفاً، الممتد من سرت إلى الجفرة. وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وبعد أربعة أشهر تقريباً من تلويح السيسي بالدفع بقوات مصرية إلى ليبيا، وتداول أنباء عن مشاركة مصرية محدودة مع الفرنسيين ضد القوات التركية وقوات حكومة الوفاق، تم تعديل الدستور الجزائري ليسمح للمرة الأولى بإرسال وحدات عسكرية إلى خارج البلاد بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة البرلمان.