ما وراء إلقاء القبض على مدير أحد أقوى أجهزة الاستخبارات الدنماركية

11 يناير 2022
اعتقال مدير جهاز الاستخبارات العسكرية، إف إي، لارس فيندسن(العربي الجديد)
+ الخط -

سمحت محكمة كوبنهاغن، أخيراً، بالكشف عن هوية المعتقل الرئيس في قضية تعرف باسم "التسريبات". فمدير جهاز الاستخبارات العسكرية، إف إي، لارس فيندسن، هو الصيد الثمين للجهاز الشقيق "الاستخبارات الدنماركية" المدنية، المعروفة اختصاراً في البلد باسم "بيت".

وشكل الإعلان، منذ أمس الاثنين، عن إلقاء القبض على رئيس أحد أقوى الأجهزة الأمنية لكوبنهاغن، الذي يتولى مسؤوليات في حماية المصالح الدنماركية بالخارج ومكافحة التجسس، صدمة في الدنمارك.

الصورة
مدير جهاز الاستخبارات العسكرية،إف إي، لارس فيندسن/سياسة/العربي الجديد
صدمات شكلها إعلان اعتقال رئيس أحد أقوى الأجهزة الأمنية لكوبنهاغن(العربي الجديد)

وأثار تسريب طريقة الإيقاع بفيندسن موجة شكوك في ما يجري في كواليس المجمَعين الأمنيين. فجهاز الاستخبارات المدنية، بيت، عمل لأشهر في التجسس على مكالمات مدير الجهاز "العسكري"، فاعتقله في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي. 

بقيت القصة قيد الكتمان، بل فرضت المحكمة كتماناً شديداً على أسماء "3 معتقلين" في قضية "تحت المتابعة"، قبل أن يقوم جهاز الاستخبارات قبل فترة وجيزة بالتحدث مع رؤساء تحرير صحف محلية، محذرين إياهم من نشر معلومات "سرية" تضرّ بمصالح البلد، على وقع تراكم التسريبات. 

سابقة تاريخية

العملية برمتها والكشف عن اسم الرجل، سابقة تاريخية لم تحدث في الدنمارك، لا من ناحية الرتبة الرفيعة ولا من جهة إيقاع جهاز برئيس جهاز آخر "شقيق" في منصبه. فالتهم الموجهة إلى فيندسن ثقيلة وتندرج تحت بند "الخيانة"، وتودي بصاحبها إلى السجن 12 عاماً بحسب قانون العقوبات 109. 

والقصة لا تتعلق بخيانة أو تسريب أسرار الدولة، بل بتسريبات إلى الصحافة عن عدد من القضايا، وفيها ما يمسّ أيضاً الاستخبارات المدنية، والتعاون غير القانوني مع استخبارات دولة حليفة. 

إحدى أهم القضايا التي تلاحق المدير وبعض معاونيه تتعلق بمعلومات عن تجسس دنماركي على مواطنين وسياسيين غربيين لمصلحة وكالة الأمن القومي الأميركية (NSA). وتركز الكشف على تعاون مع الأميركيين أتاح لهم الحصول على بيانات من الكابلات البحرية التي تمرّ عبر الدنمارك وتهمّ دولاً أوروبية وأعضاءً في حلف شمال الأطلسي (ناتو). ويعتبر تعاون الكابلات أحد أعمق أسرار الدولة. 

القضية، على ما يبدو، تدحرجت بعد الكشف عن ضلوع الأجهزة الاستخباراتية الدنماركية بالتجسس على المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل بالتعاون مع الأميركيين، وشكل الكشف في أغسطس/آب 2020 إحراجاً كبيراً لكوبنهاغن. 

وبيّنت لجنة "تقصي حقائق" أن الاستخبارات العسكرية جمعت "قدراً كبيراً من المعلومات عن المواطنين ونقلتها بشكل خاطئ". ووجدت أن الجهاز الأمني حاول التلاعب بها عبر معلومات غير صحيحة، وقد ساعدها في الوصول إلى النتائج بعض الموظفين الداخليين فيه من خلال معلومات سرية، ما أدى وقتها إلى صرف خمسة من الضباط ووقف فيندسن عن عمله لفترة وجيزة. 

خضة كبيرة حول السرية

وتوالت التسريبات الأمنية التي وصلت إلى الصحافة حول عمق تعاون الاستخبارات العسكرية مع الأميركيين، إذ وصلت معلومات لعدد من وسائل الإعلام، بما في ذلك هيئة البث العام "دي آر"، عن "نشاط غير قانوني بتسليم معلومات عن مواطنين دنماركيين خضعوا لمراقبة وتنصت غير قانونيين"، أي دون موافقة القضاء. وشكلت التسريبات إلى الصحف في سبتمبر/أيلول 2020 خضة كبيرة حول السرية التي لم يستطع الجهاز التحكم بها. 

ومنذ أن بدأت التسريبات في التعاون مع الأميركيين، كان جهاز الاستخبارات المدنية، بيت، قد باشر التحقيق بشكل سري في مصادر تسريب المعلومات إلى الصحافة، باعتباره الجهاز المنوط به حماية المعلومات السرية للبلد والشركاء الأوروبيين وحلف شمال الأطلسي، وذلك بمنع نشرها. 

وفي تسريب آخر مثير للجدل، كشفت صحيفة بيرلنغكسا، معلومات دقيقة عن أن الشاب الدنماركي من أصل سوري، أحمد سمسم، الذي اعتُقِل في إسبانيا وحوكم في عام 2018 وحُكم عليه 8 سنوات بالسجن، بتهمة الانتماء إلى مجموعة إرهابية، "داعش"، لم يكن في الحقيقة إلا عميلاً للاستخبارات الدنماركية وأُرسل للتجسس على التنظيم في سورية. 

وكشفت الصحافة أن الشاب سمسم "حُكم ظلماً لتخلي الاستخبارات العسكرية والمدنية عنه". وجاء التسريب ليؤكد أن المخابرات الدنماركية تعاني بالفعل من مشكلة في تسريب معلوماتها السرية إلى الصحافة. وسُلِّط الضوء على قضية سمسم بعد أن نقل الشاب من سجون إسبانيا إلى السجون الدنماركية العام الماضي لقضاء بقية محكوميته، التي خُفضت إلى 6 سنوات بعد مثوله أمام محكمة دنماركية. 

ولم تعترف الاستخبارات الدنماركية بمسؤوليتها عن عميلها السابق، ما أثار انتقادات واسعة على المستويين الحقوقي والإعلامي، ومخاوف خبراء أمنيين من أن هذا التخلي "يضرّ بتعاون آخرين مع الأجهزة الدنماركية".

في كل الأحوال، يبدو أن توقيف رئيس جهاز أمني في منصبه، وبشكل غير مسبوق في أوروبا، يثير الكثير من المخاوف بين الخبراء الأمنيين، حول تضرر مستقبل التعاون والثقة بالاستخبارات الدنماركية. 

كذلك يتوقع أن تكشف القضية عن جوانب من محاولات تلك الأجهزة لتخويف الصحافيين. إذ بادرت "لجنة حماية الصحافيين الدولية" إلى انتقاد زيارة المسؤولين الأمنيين لرؤساء تحرير الصحف وتحذيرهم من نشر تسريبات جديدة.

المساهمون