بعد صدمة الأربعاء الماضي، باستقالة سريعة لأول سيدة انتخبت لحكم السويد، رئيسة وزراء تحالف الاجتماعي الديمقراطي وحزب "البيئة" (الخضر)، ماغدالينا أندرسون، بسبب الموازنة العامة، التي صوتت الأغلبية البرلمانية لنسختها المقدمة من يمين الوسط، تصر أندرسون على مواصلة معركتها في مواجهة النظام السياسي البرلماني، والتوجه للحكم منفردة بحزبها الديمقراطي، بعيداً عن صداع استقالة الأحزاب الحليفة.
وانتُخبت أندرسون كأول سيدة في منصب رئاسة الحكومة من خلال نظام تصويت برلماني يتطلب فقط عدم تصويت أغلبية النواب، 349 نائباً، ضدّ المرشح. ورغم أنها لم تحصل سوى على 114 صوتاً، مقابل 174 ضد، وامتناع بعض يسار الوسط عن التصويت، اعتبرت أندرسون فائزة بتحالفها مع "البيئة".
ولم تمض ساعات حتى منح البرلمان ذاته الأغلبية لمشروع موازنة يمين الوسط، مقابل موازنة حكومتها، وبمشاركة أصوات حزب قومي متشدد، "ديمقراطيو السويد".
النموذج الدنماركي
هذه السابقة، في تمرير موازنة يمين الوسط المعارض، الذي يتيحها قانون التصويت البرلماني؛ مقابل حكومة يسار الوسط، دفعت حزب الخضر إلى الانسحاب من الائتلاف، وإلى إعلان أندرسون استقالتها، إذ أكدت أنها لن تحكم بخروج حليف ائتلافي من حكومتها.
وعلى الرغم من الاستقالة السريعة، تتمسك أندرسون، التي جاءت لخلافة زعيم "الاجتماعي الديمقراطي" سابقاً ورئيس الحكومة المنسحب، ستيفان لوفين، بمساعيها، خلال ترؤسها حكومة تصريف أعمال، بالذهاب إلى تبني النموذج الدنماركي لزميلتها ميتا فريدركسن. وذلك يعني أن تحصل من رئيس البرلمان، أندرس نولين، على تكليف بتشكيل حكومة منفردة تقتصر على حزبها الاجتماعي الديمقراطي، من خلال ما يتيحه نظام التصويت، والذي يتطلب فقط ألا يصوت 175 نائباً ضد حكومتها المقترحة.
ويمنح هذا النظام السياسي البرلماني الكثير من الحرية ليسار الوسط للدخول في تفاهمات ومفاوضات مع الأحزاب الأخرى، من اليسار والوسط، على القضايا التي تهم الأحزاب وتحقق بالتالي عدم وقوف الأغلبية بوجه حكومتها.
وعانت حكومة ائتلاف يسار ويسار الوسط السابقة، برئاسة لوفين، من تحالفات مع أحزاب أصغر، وبشكل خاص مع "اليسار" (ذي الجذور الشيوعية) حين فرط عقد حكومته بسبب سحب تأييده على خلفية قانون إيجار المساكن، ومجدداً عادت الخلافات إلى الواجهة على خلفية رغبة اليسار برفع سقف الرواتب التقاعدية في البلاد، بينما كانت الوعود، لتمريرها برلمانيا، تذهب إلى زيادة دعم بدلات السكن لفئة المتقاعدين، وهو ما دفع أيضاً زعيمة حزب "الوسط" (يسار وسط)، آنا لوف، إلى اتهام أندرسون بأخذ حزبها نحو اليمين أكثر.
الاتهامات للاجتماعي الديمقراطي بانتهاج سياسات أقرب إلى يمين الوسط تأتي على خلفية سجالات ساخنة في السويد حول سياسة الهجرة والجرائم المتزايدة في الضواحي.
وتقترب أندرسون أكثر فأكثر من معسكر يمين الوسط في خطاب التشدد حيال الهجرة، ومكافحة انتشار عمليات القتل في سياق احتراب العصابات في مختلف مدن السويد.
هذا الاقتراب، وخصوصاً مع "الاعتدال" الذي يتزعم معسكر يمين الوسط وبدرجة أقل مع "الليبرالي"، بشأن سياسات هجرة أكثر صرامة من تلك التي انتهجت بعد وصول نحو 163 ألف لاجئ في 2015، يدفع باليسار إلى الاحتجاج. فمعضلة أندرسون تكمن في أن بعض أحزاب يمين الوسط فتحت نافذة للتعاطي مع أكثر الأحزاب اليمينية معارضة للمهاجرين، حزب "ديمقراطي السويد"، بعد أن أجمعت جل الأحزاب البرلمانية لسنوات على قاعدة تقول إنها لن تمنح ذلك الحزب أي نفوذ في السياسة البرلمانية السويدية.
وتحظى سياسات التشدد في مسائل مكافحة الجرائم والهجرة بتأييد قواعد "الاجتماعي الديمقراطي"، التي انتقدت بالأساس تحالف أندرسون مع "الخضر"، وقبلها لوفين مع اليسار، اللذين ينتهجان سياسة أقل تشددا في القضيتين.
وبالنسبة للقواعد الشعبية للاجتماعي الديمقراطي، مع ما تعرض له الاقتصاد السويدي نتيجة جائحة كورونا وضربها لنظامه الصحي بقسوة أكثر من جيرانه الإسكندنافيين، فإن التعامل مع يمين الوسط ليس محرماً في التسويات البرلمانية.
وعلى تلك الخلفية، يقدر المحللون المحليون أن ماغدالينا أندرسون ستذهب بقوة نحو التحلل من التحالف التلقائي مع اليسار، وخصوصا مع تزايد شعبية حزبها في الاستطلاعات، وتراجع اليسار والخضر، قبيل نحو عشرة أشهر من الانتخابات العامة المقررة في 11 سبتمبر/أيلول المقبل.
فوضى حمراء وخضراء
معسكر يمين الوسط يشعر بالتأكيد بسعادة مشهد استقالة أندرسون بعيد ساعات من التصويت لها، وقبل أن تصل إلى القصر الملكي لتقديم أسماء الوزراء. فأكبر أحزاب المعارضة، الاعتدال، وصف ما شهدته استوكهولم بـ"فوضى حمراء وخضراء"(نسبة للديمقراطي والخضر)، وذلك لتحقيق مكاسب شعبية تثير حماسة لدى المحافظين، رغم مخاطر منح اليمين المتطرف، في ديمقراطيي السويد، نفوذاً بالانفتاح التدريجي عليهم.
وتلك واحدة من تعقيدات ما يمكن أن يواجه أول سيدة تحاول أن تترأس حكومة السويد، هذا إلى جانب تعقيدات أخرى تتداخل فيها الكيفية التي يصوت فيها البرلمان وبروز مواقف أسيرة الأيديولوجيات، كما يروج رئيس وزراء ووزير خارجية البلد الأسبق من يمين الوسط، كارل بيلدت.
الإثنين الحاسم
يوم الاثنين المقبل سيكون حاسماً لناحية ما إذا كانت أندرسون ستقترب بالفعل من تشكيل حكومتها الموعودة، وبانفراد حزبي، من خلال التصويت في الوسط، وبعيداً عن الأجنحة اليسارية واليمينية المتشددة.
وفي حال مرر نواب البرلمان التصويت، مهما كان رقم المصوتين معها، ولم تتشكل أغلبية 175 نائباً ضدها، فسيكون الأربعاء المقبل موعداً لتقديم أسماء وزرائها الجدد.