استمع إلى الملخص
- أعلن بايدن عن "خريطة الطريق" لإنهاء الحرب، واجهت تحديات بسبب التنصل الإسرائيلي والتحفظات حول فعاليتها، مما أثار جدلًا حول إمكانية تحقيق وقف دائم لإطلاق النار.
- تهدف زيارة بلينكن لتعزيز خطة بايدن وإيجاد حلول للمعضلات القائمة، حاملاً معه أوراق ضغط على إسرائيل ومواجهًا تحديات تعاملت مع التطورات بشكل مجزأ، مما يضع ضغوطًا على الدبلوماسية الأميركية لإيجاد حلول مستدامة.
بدأ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أمس الاثنين، جولته الثامنة في المنطقة، في ما يشبه دبلوماسية سلفه الراحل هنري كيسنجر المكوكية بعد حرب 1973. الفارق أنّ هذا الأخير اعتمد هذه الصيغة لتفكيك أزمة (وفق المنظور الأميركي - الإسرائيلي ولو أنه لجأ إلى زجر حكومة رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير لحملها على الموافقة)، فيما يعتمدها الرئيس الأميركي جو بايدن لإدارة أزمة وبكثير من التخبط والزبائنية.
تبدّى ذلك في كافة محطات الحرب على غزة، واللائحة طويلة تشمل قضايا حماية المدنيين والتمويه على الإبادة التي تعرضوا لها واستخدام السلاح الأميركي خلافاً للقوانين الدولية والأميركية وعراقيل إسرائيل في إقفال المعابر لتقتير المساعدات بقصد التجويع، فضلاً عن معاناة النزوح القسري الذي تكرر في رفح، جنوبي قطاع غزة، بعد دخول القوات الإسرائيلية إليها والذي تجاهلته واشنطن بزعم أنه "لم يحصل بعملية عسكرية كاسحة"، رغم خسائره البشرية (قصف المدرسة) التي وعدت وزارة الخارجية بمتابعة التحقيقات الإسرائيلية بشأنها!
رغم تحوّل غزة إلى "جحيم على الأرض"، انعكس خسائر سياسية على بايدن، بقيت ردود إدارته تراوح بين تعبيرات عن الضيق والقلق مع الضغط الخجول على الحكومة الإسرائيلية وبين خطوات رمزية، مثل مسرحية الرصيف البحري العائم قبالة غزة الذي كسرته الأمواج بكل حال، ووقف تسليم إسرائيل مؤقتا قنابل الألفي رطل والامتناع مرة واحدة عن حمايتها في مجلس الأمن عبر الامتناع عن التصويت، وغيرها من حركات رفع العتب، والتي رد عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالمزيد من التحدي والمشاكسة لبايدن وبما عزز صورة ضعفه.
ثم جاءت موجة التظاهرات الطلابية ودخلت المحاكم الدولية على خط التحذيرات والتلويح بالملاحقات القانونية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير أمنه يوآف غالانت، ما اضطر الإدارة للتحرك بهدف احتواء الانفلات الإسرائيلي، فجاءت بما سميت "خريطة الطريق" لطي صفحة الحرب، التي قال الرئيس إنه "حان أوان إنهائها"، خصوصاً أنها بدأت تتحول من عبء إلى خطر على حملته الانتخابية. تولّى بايدن قبل عشرة أيام إعلانها بمراحلها الثلاث، مراهناً عليها باعتبارها "مبادرة إسرائيلية" في الأصل وأن حكومة نتنياهو "فوّضته" بالكشف عنها. لكن نتنياهو الذي يتحرك وفق حساباته الداخلية والذي ترك خط الرجعة مفتوحاً بعدم إعلان قبوله بها، سارع إلى التنصل منها، زاعماً أنها "منقوصة" وأن إسرائيل لن تتراجع عن خطتها المعلنة "لإزالة حركة حماس وتحرير الأسرى بالقوة".
انخضت الإدارة الأميركية بهذا التراجع ودخلت في جدل غير مباشر مع نتنياهو، مؤكدة على موافقة إسرائيل إذا قبلت حماس، وهو ما وضع الكرة في ملعب الأخيرة. وهنا بدا أنّ هناك قطبة مخفية متعلقة بوقف النار بعد المرحلة الأولى (6 أسابيع). الإدارة تقول إنه بعدها يجري التفاوض على المرحلة الثانية، في ظل تسليم باستمرار وقف النار الذي يتحول حسب ظن الإدارة إلى واقع مستدام مع المرحلة الثالثة. لكن عدم وجود ضمانة أوحى بأن المسألة ملغومة، أو على الأقل متروكة للتفسير وبالتالي للتحايل عليها، خاصة من جانب نتنياهو وحكومته. على الفور قامت الإدارة باتصالات دبلوماسية واسعة في المنطقة وخارجها، لإنقاذ "الخريطة" ولجم الاعتراضات عليها، لكن يبدو أن التحرك لم يكن كافياً.
مراهنة على زيارة بلينكن
على هذه الخلفية توجه الوزير بلينكن إلى المنطقة لتعويم الخطة التي تراهن عليها الإدارة. يحمل بلينكن معه بعض الأوراق الضاغطة على نتنياهو، مثل التلويح باحتمال "التفاوض غير المباشر مع حماس" لإخلاء سبيل خمسة أسرى من حاملي الجنسية الأميركية، حسب معلومة جرى تسريبها مع وصول بلينكن إلى إسرائيل. والاعتقاد أن استقالة الوزير بيني غانتس من حكومة الحرب الإسرائيلية اعتراضاً على سياسة نتنياهو في غزة قد تعزز أوراق بلينكن في تفاوضه مع نتنياهو، ولو أن وضع هذا الأخير في رئاسة الحكومة غير مهدد بهذه الاستقالة وحدها.
بوجود هذه الأوراق أو بدونها، تبقى مهمة بلينكن صعبة. والصعوبة نابعة من المقاربة المغلوطة المعتمدة منذ بداية الحرب، والتي تقوم على التعاطي بالقطعة مع تطوراتها وتداعياتها. والأهم، بحسب المراقبين، كان تجاهل تحديات "اليوم التالي" لما بعد الحرب. وعندما تناولته "خريطة الطريق" جاء مشروعها متأخر ومنقوصاً، وفي أحسن الحالات رمادي اللون، خاصة في الشق السياسي للأزمة. "لماذا تنتظر من حماس أن توافق طالما ترفض إسرائيل أي دور لها في غزة"، يتساءل الدبلوماسي الأميركي ريتشارد هاس الذي عاد أخيرا من زيارة لإسرائيل بانطباع سلبي، "حيث لا أثر لعامل السلام"، متوقعاً "استمرار الحرب في غياب الحوافز السياسية"، بل إنه لم يستبعد "امتداد التصعيد على الجبهة الشمالية" مع لبنان.
ثمة تقديرات بأن نتنياهو أخذ شحنة استقواء إضافي بعد عملية إخراج أربعة محتجزين إسرائيليين، السبت، من مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة، وهو يتطلع إلى يوم 24 يوليو/ تموز المقبل لتلبية دعوة الكونغرس وإلقاء خطاب استنفار أمام مجلسيه. وقْفُ جرافته العسكرية مفتاحه في البيت الأبيض، لكن الرئيس بايدن في غير وارد استخدام مفتاح السلاح مع إسرائيل ولو لتطويع موقفها، وزيارة الوزير بلينكن ليس من المتوقع أن تختلف عن سابقاتها سوى أنها تحمل الرقم ثمانية في جولاته المكوكية.