ما التداعيات السياسية والقانونية للحكم الصادر بحق حفتر بمحكمة في فرجينيا؟

30 يوليو 2022
أدين حفتر بارتكاب جرائم حرب في ليبيا (عبد الله دوما/فرانس برس)
+ الخط -

نطقت القاضية المسؤولة عن المحكمة الفيدرالية لشرق ولاية فرجينيا الأميركية ليونا بيرنكما، أمس الجمعة، بالإدانة الغيابية بحق اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، وتحميله المسؤولية التامة عن جرائم قتل وتعذيب ضد أبناء الشعب الليبي، بعد مداولات طويلة ومرافعات وتأجيل دامت لسنوات.

واعتبر رئيس "التحالف الليبي الأميركي" عصام اعميش، في تدوينة عبر "فيسبوك"، هذا الحكم "سابقة تاريخية في المحاكم الأميركية، حُصل من خلاله على حكم نهائي ضد مرتكب هذه الجرائم، ويعطي حق المطالبة بالتعويضات لأسر الضحايا لتقتص من مرتكبها".

وبحسب إدراج على صفحة رئيس "التحالف" الذي قاد عملية الدفع بالقضايا المرفوعة ضد حفتر طيلة السنوات الماضية، فقد "أقرت القاضية بأن الإدانة ليست فقط إدانة بسيطة بسبب التغيب، وإنما هي إدانة عميقة بسبب عرض الأدلة، واستعراض جزئيات وحقائق القضية، وإعطاء المتهم حق الدفاع، ولجوئه إلى مكاتب محاماة، ومحاولة الدفاع بطرق كلها باءت بالفشل". وأضاف: "لذلك جاءت الإدانة لتوضح بشكل لا يحتمل الريب أن خليفة حفتر مسؤول مسؤولية مباشرة عن جرائم قتل وتعذيب في حق الليبيين".

وستبدأ المحكمة بعد الإعلان عن الحكم، بحصر أملاك حفتر في فرجينيا لتقدير حجم التعويضات اللازمة للأسر المتضررة من حروبه.

من جهته، أفاد رئيس مؤسسة الديمقراطية وحقوق الإنسان والمحامي المتابع للقضية، عماد الدين المنتصر، بأن "الحكم الصادر اليوم بحق حفتر سيصبح نهائياً بعد جلسة تقرير التعويضات والانتهاء منها". وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، أوضح المنتصر أن "من حق حفتر ومحاميه الاعتراض على الحكم لدى محكمة الاستئناف في فترة 30 يوماً من صدور الحكم النهائي".

وكان قاضٍ بالمحكمة قد أصدر، في العاشر من يونيو/حزيران الماضي، توصية بإدانة حفتر غيابياً بتهمة ارتكاب جرائم حرب وتعذيب، وعلى أثر ذلك، تحولت التوصية إلى القاضية الرئيسية في القضية لتصادق عليها.

وحول إمكانية رفع قضية جنائية ضد حفتر بالتهم نفسها، أوضح المنتصر أن "التحقيق الجنائي مسار مستقل تقوم به وزارة العدل الأميركية، ولكن صدور حكم في قضية مدنية يضع ضغطاً كبيراً على المدعي العام، وقد يدفعه لرفع قضية جنائية".

وجاء الحكم بعد أن رفضت المحكمة تعليق القضية بحسب طلب محامي حفتر. وكان المحامي قد تقدم، الأحد الماضي، بمذكرة جديدة للمحكمة، طلب فيها تعليق القضايا الثلاث المرفوعة ضد موكله بحجة التوصل إلى تفاهمات حول الانتخابات في ليبيا، محذراً من احتمال استغلال القضية لمنع حفتر من الترشح للرئاسة، مؤكداً أن حفتر يعتزم الترشح للانتخابات المقبلة.

ومنذ عام 2019، تنظر محكمة فرجينيا المدنية في قضايا رفعها عدد من الأسر الليبية ضد حفتر، اتهمته فيها بممارسة التعذيب، وارتكاب جرائم حرب خلال الفترة من 2016 إلى 2017، وقد حمّلته مسؤولية إشرافه على حملات قصف متهورة ومذابح متعمدة للمدنيين وتعذيب سجناء.

وعُقدت المحكمة في فرجينيا بسبب إقامة حفتر فيها قبل عودته إلى ليبيا عام 2012. وخلال إقامته في الولايات المتحدة، التي دامت 24 عاماً، تمكّن حفتر من الحصول على الجنسية الأميركية، وتملّك مجموعة من الأصول المادية في الولاية، يسعى رافعو القضايا إلى الحصول على تعويضات مادية من خلالها.

ويتوقع مراقبون أن يهز الحكم صورة حفتر التي حاول ويحاول حلفاؤه تصديرها للعالم، على أنه محارب للإرهاب، وأن حروبه التي قادها في بنغازي ضد خصومه كانت كذلك، خصوصاً أن القضايا المرفوعة ضده تتعلق بوقائع حدثت في عامي 2016 و2017 في حي قنفودة ببنغازي، قُتل خلالها العشرات جراء حصار مليشياته الحي عدة أشهر، وقصفها بالبراميل المتفجرة والمدفعية.

لكن الباحث في الشأن السياسي والدستوري محمد محفوظ استبعد أن يصل صدى الحكم إلى الانتخابات الليبية، وقال لـ"العربي الجديد": "الانتخابات تعتمد على التشريعات الانتخابية المحلية التي ستحدّد رفض ترشح أصحاب القضايا أو السماح لهم بذلك، ولا أعتقد أن هذا الأمر سيكون له تأثير من الناحية القانونية على ترشح حفتر، وفي الواقع، هناك موانع أخرى في وجه حفتر، منها امتلاكه جنسية دولة أخرى، إضافة لكونه عسكرياً".

وتابع: "هناك أحكام ومذكرات جلب حتى من محكمة الجنايات الدولية، وهي أعلى من المحاكم الفدرالية الأميركية، وكان ذلك بحق سياسيين ورؤساء دول، مثل ما حدث سابقاً مع الرئيس السوداني السابق عمر البشير، الذي واصل عمله رئيساً للدولة إلى أن أزاله الشعب السوداني، ولذلك، هذه الأحكام لن يكون لها تأثير ما دام حفتر في موطنه، لكنها ستقيد من حركاته ومن مواقفه السياسية والدول التي تدعمه بين الحين والآخر".

ويتوقع محفوظ أن يتعامل حفتر مع الحكم كأنه لم يصدر، قائلاً: "لا أعتقد أننا سنسمع منه تعليقات واضحة، لأنه في اعتقادي يدرك أن الأمر لن يشكل مشكلة كبيرة بالنسبة له في قانونية الترشح، وأنا هنا أتحدث عن أن هذا الحكم له تأثيرات سياسية لدى النخبة ولدى صناع القرار في الولايات المتحدة ومدى تعاملهم مع حفتر، ولكن من الناحية القانونية، ليس هناك تأثير".

ويسود منذ العام الماضي خلاف بين الفرقاء الليبيين حول شروط الترشح لرئاسة الدولة، حيث يصرّ المجلس الأعلى للدولة على رفض ترشح كل مطلوب على ذمة قضية، أو من صدر بحقه حكم قضائي، بينما يرفض مجلس النواب هذا الأمر، ويصرّ على إعطاء فرصة الترشح للجميع، معللاً ذلك بأن ليبيا تمرّ بمرحلة انتقالية.

وكان رئيس مجلس النواب عقيلة صالح قد صادق العام الماضي على قوانين انتخابية تسمح للمترشح بخوض السباق الانتخابي، إلا "إذا صدر بحقه حكم نهائي بات"، الأمر الذي سمح في ذلك الوقت لخليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي بالترشح، بحكم عدم صدور أحكام قضائية نهائية بحقهما.

وفي مقابل رأي محفوظ، اعتبر الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي الدوكالي الهاين أن الحكم سيهز صورة حفتر، خصوصاً أنه جاء في وقت تعيش فيه قاعدة حفتر حالة من التفتت، ليس على الصعيد المحلي فحسب، بل على الصعيدين الإقليمي والدولي أيضاً، وقال: "من المسؤول الذي يمكنه التعامل مع حفتر، الأمر سيكون محرجاً بالنسبة لأي مسؤول"، معتبراً أن المقارنة بين وضع حفتر ووضع مطلوبين دوليين لمحاكم دولية يختلف.

موقف
التحديثات الحية

وأوضح الهاين، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه "على الأقل، المطلوبون لمحاكم دولية لم تصدر بحقهم أحكام، والحكم ضد حفتر على الرغم من أنه مدني، إلا أنه يحمل إثباتاً أن حفتر مارس القتل والتعذيب ضد مدنيين، ووضع حروبه ضد الإرهاب التي يدعيها في دائرة الشكوك". وقال "نعم، سيحاول حفتر التعامل مع الحكم كأنه لم يكن، لكن لا ننسى أن الساحة مليئة بمعارضيه وسيشجعهم الحكم على فرض الشروط المتعلقة بمنع المتحصلين على أحكام قضائية من الترشح للانتخابات"، معتبراً أن أقل تداعيات الحكم أن القوانين الانتخابية ستدخل حالة جديدة من الجدل.

وعلى الصعيد السياسي، أكد الهاين أن حفتر سيتمسك بوجوده وحقه في البقاء في المشهد السياسي، "وبالتالي، فالمشهد السياسي مقبل على حالة أشد من الانسداد السياسي، فحفتر سيستخدم كل الوسائل التي تبقيه فاعلاً في المشهد".

وعبّر الهاين عن مخاوفه من أن يلجأ حفتر إلى قرار وصفه بـ"الانتحاري"، ويترتب عليه دخول ليبيا في حالة التصعيد الدولي. وقال: "ربما يلجأ حفتر لإعلان تحالفه مع روسيا بوضوح، إذ إن الحكم الأميركي يمكن أن يشعره بتخلي الغرب عنه، وبالتالي، ستدخل البلاد في موجة من الشد والجذب الدولية، حيث ستجد موسكو فرصة في ليبيا من خلال موقف حفتر لتخفيف الأعباء عليها بفتح ساحة جديدة للصراع مع خصومها، وسيكون التحول عندها نذيراً لا يبشر بخير لمستقبل البلاد".