ماي تحاول اجتراح معجزة عشية التصويت على اتفاق بريكست

12 يناير 2019
تسعى ماي لطمأنة العمال على حقوقهم (بن ستانسال/فرانس برس)
+ الخط -

مع اقتراب التصويت الحاسم في وستمنستر، مقر البرلمان البريطاني، على اتفاق بريكست الذي أبرمته الحكومة مع الاتحاد الأوروبي، تبذل رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، جهوداً استثنائية لتجنب هزيمة كبرى في البرلمان، بينما تسعى الأطراف الرافضة للاتفاق إلى بلورة خطط بديلة جاهزة للتنفيذ فور فشل التصويت المنتظر الثلاثاء المقبل.

ففي خطوة غير مسبوقة، قامت ماي، أول من أمس، بالتواصل مع قادة الاتحادات العمالية البريطانية الكبرى بهدف كسب دعم حزب العمال لصفقتها للبريكست. وتأتي هذه الخطوة في وقت نشرت فيه هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" تقريراً عن احتمال هزيمة ماي بفارق 228 صوتاً في التصويت البرلماني على اتفاق بريكست. واتصلت ماي، مساء الخميس، بكل من رئيس اتحاد "يونايت" العمالي لين مكلاسكي، المقرب من زعيم حزب العمال جيريمي كوربن، وزعيم اتحاد "جي إم بي" العمالي تيم روش. ويضم الاتحادان النقابيان في عضويتهما قرابة مليوني شخص، ولهما دور كبير في إمكانية بناء تسوية بين الحزبين البريطانيين الرئيسيين حول اتفاق بريكست. وتسعى ماي لطمأنة الاتحادات العمالية بخصوص حقوق العمال بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وربما دعم تشريع برلماني تقدمت به المعارضة العمالية يصب في مسار حماية حقوق العمال، مقابل الحصول على دعم حزب العمال لصفقتها، التي تواجه معارضة أكثر من ثلث نواب حزبها.

وشملت جهود ماي لكسب ود العمال أيضاً التواصل مع العديد من نواب الحزب المعارض، خصوصاً ممن يمثلون دوائر انتخابية صوتت لصالح بريكست في العام 2016، إضافة إلى قيادات حزبية معارضة بهدف سبر مدى الدعم الذي قد تتلقاه من الحزب في حال دعم حقوق العمال في البرلمان. وعلى الرغم من ترحيب الاتحادات العمالية بخطوة ماي، فقد رفض روش دعم خطتها للبريكست، وقال: "إني شديد الوضوح حول موقف جي إم بي. إن الصفقة المطروحة ليست جيدة بما يكفي، والتطمينات غير الملزمة قانونياً حول حقوق العمال لن تكفي. من الجلي أننا نحتاج للمزيد من الوقت، ونحتاج لتأجيل موعد بريكست، ومنح الشارع البريطاني القول الفصل حول بريكست في نهاية الأمر".

كما حاولت ماي كسب ود نواب الحزب الاتحادي الديمقراطي الأيرلندي، من خلال اقتراح تقدمت به حكومتها ينص على أن يمتلك برلمان أيرلندا الشمالية في ستورمونت حق نقض أي من التشريعات التجارية المقبلة من الاتحاد الأوروبي بعد بريكست. وهدفت هذه الخطة إلى تهدئة روع الحزب المعارض لأي افتراق تنظيمي محتمل بين بريطانيا وأيرلندا الشمالية، والرافض كلياً لخطة المساندة التي ينص عليها اتفاق بريكست. ورد الحزب الأيرلندي برفض المقترح الحكومي، واصفاً إياه بالتغييرات "التجميلية". وجدد، على لسان نائب رئيسة الحزب، نايجل دودز، رفضه التام لخطة المساندة. وتعهدت ماي أيضاً بمنح البرلمان البريطاني حق التصويت على تمديد الفترة الانتقالية حين انتهاء صلاحيتها نهاية العام 2020، أو تبني خطة المساندة الخاصة بالحدود الأيرلندية، وذلك خلال الاستجواب البرلماني الأسبوعي الأربعاء الماضي. إلا أن محاولتها تلك باءت بالفشل أيضاً، إذ صوت مجلس العموم بعيد ذلك لصالح تشريع برلماني يجبر الحكومة على التقدم بخطة بديلة لاتفاق بريكست في غضون ثلاثة أيام من فشل التصويت.



إلا أن البعض يرى في تواصل ماي مع الأحزاب الأخرى في البرلمان محاولة للضغط على مؤيدي بريكست مشدد في صفوف حزبها، خصوصاً ما يتعلق بعضوية الاتحاد الجمركي الأوروبي. وتوجد في البرلمان البريطاني أغلبية كبرى تدعم البقاء في شكل من أشكال الاتحاد الجمركي مع أوروبا، وهو أمر يرفضه كلياً متشددو بريكست المحافظون، والبالغ عددهم قرابة 80 نائباً، ويرون فيه تقييداً لحرية بريطانيا التجارية ما بعد بريكست. وتسعى ماي بذلك إلى وضعهم أمام أحد خيارين، صفقتها أو بريكست مخفف يشمل اتحاداً جمركياً دائماً. وما يزيد من الصعوبات التي تواجهها ماي أيضاً تبلور تحالف برلماني بين الأحزاب المعارضة ونحو 20 نائباً عن حزب المحافظين، من مؤيدي بريكست مخفف، بناء على مخاوفهم من توجه بريطانيا إلى خروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. ونجح هذا التحالف في إلحاق هزيمتين بالحكومة هذا الأسبوع، كانت أولاهما الإثنين الماضي عندما صوت البرلمان لصالح قانون يعرقل قدرة الحكومة على تعديل قوانين الضرائب بعد بريكست في حال عدم الاتفاق. أما الهزيمة الثانية فجاءت مساء الأربعاء، عندما صوت البرلمان لصالح قانون يجبر ماي، في حال هزيمتها الثلاثاء المقبل، على التقدم بخطة بديلة في غضون ثلاثة أيام. كما يمنح القانون أيضاً الحكومة حتى نهاية يناير/ كانون الثاني الحالي للتحرك قبل أن يتدخل البرلمان في خطط الحكومة ويتولى توجيه مسار مفاوضات بريكست.

واتُهمت ماي بأنها تنوي تأجيل التقدم بخطة بديلة لاتفاق بريكست حتى اقتراب موعده نهاية مارس/ آذار المقبل، وذلك بهدف وضع البرلمان أمام أحد خيارين، صفقتها أو الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. إلا أن البرلمان حالياً قد يلجأ إلى تصويت غير ملزم على الخيارات الأخرى المتاحة، مثل الاستفتاء الثاني، أو الاتحاد الجمركي الدائم، أو النموذج النرويجي المعدل، بهدف استكشاف الخيار الذي ينال دعم غالبية النواب. ولا تحظى ماي بالدعم حتى بين وزراء حكومتها. فقد لوح وزير الأعمال غريغ كلارك، الخميس الماضي، بالاستقالة من الحكومة في حال حصول سيناريو عدم الاتفاق، داعياً النواب إلى تكثيف جهودهم لمنع هذا الاحتمال. وحظي موقف كلارك بدعم وزير العدل ديفيد غوك ووزيرة العمل والتقاعد أمبر رود. وقال كلارك إن "الوضع الافتراضي قانونياً في حال لم نتوصل إلى اتفاق، هو الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. ما يتوجب على البرلمان عمله إدراك أننا بحاجة لوضع خلافاتنا جانباً، وأن نُجمع على اتفاق. إنه أمر يجب أن يشمل كامل البرلمان". إلا أن وزير الدفاع، غافين وليامسون، ناقض موقف زميله، مؤكداً أن بريطانيا ستكون في وضع أفضل بكثير في حال عدم الاتفاق مع أوروبا. وقال "بريطانيا كانت دائماً أمة تنجح في تحقيق ما تريد. نستطيع أن نكون متفائلين وواثقين. مهما كان مستقبلنا فإن بريطانيا ستنجح وتبلي حسناً".

ومن جانبه، يسعى حزب العمال إلى الاستفادة من مصائب ماي، إذ أكد كوربن أن حزبه سيتقدم بطلب التصويت على الثقة في الحكومة فور خسارتها التصويت الثلاثاء المقبل. وقال كوربن، في كلمة، الخميس: "أقول لتيريزا ماي، إذا كنت واثقة بصفقتك فدعينا نتوجه لانتخابات عامة ونضع القرار في يد الشعب. وإلا، فإن حزب العمال سيتقدم بطلب سحب الثقة من الحكومة في اللحظة التي نرى أنها تمتلك أكبر فرص النجاح".
ويدرك حزب العمال صعوبة سحب الثقة من الحكومة بالاعتماد على أصوات أحزاب المعارضة، لافتقارها للأغلبية البرلمانية، ويسعى للبناء على الانقسامات التي يعيشها حزب المحافظين للإطاحة بماي. ولا يبدو هذا الاحتمال قريباً، إذ يعد التصويت ضد زعامة الحزب نوعاً من الانتحار السياسي، خصوصاً أن ماي آمنة في منصبها لعام كامل على الأقل في زعامة المحافظين، بعد فشل متشددي بريكست في حزبها في الإطاحة بها.

ولربما يأمل كوربن أن يدفع تصلب المعارضة في وجه ماي إلى أن تستقيل من تلقاء نفسها، وإن كان هذا الخيار مستبعداً أيضاً. ولذلك أشار كوربن في كلمته، إلى أنه "في حال فشلنا في الدفع لصالح انتخابات عامة، فإننا سنبقي كافة الخيارات على الطاولة، بما فيها خيار دعم التصويت الشعبي. إلا أن الانتخابات هي أولويتنا. ليس لأنها الخيار الأكثر عملية فقط، ولكنها أيضاً أكثر ديمقراطية". وأقر كوربن بضرورة تأجيل موعد بريكست، في حال التوجه إلى انتخابات عامة، والتي ستكون بدورها مبنية على رؤى مختلفة للبريكست عن الاتفاق المطروح حالياً. ويدعم حزب العمال خروجاً مخففاً من الاتحاد الأوروبي تبقى فيه بريطانيا عضواً في نوع من الاتحاد الجمركي الدائم مع أوروبا، وقريبة من السوق الأوروبية المشتركة. وبينما قد تجد هذه النقاط دعماً لدى غالبية نواب البرلمان البريطاني، يستبعد أن يحتفل النواب المحافظون بوجود "حكومة عمالية راديكالية" في 10 داوننغ ستريت تقوم بإعادة هيكلة الاقتصاد البريطاني على أسس أكثر اشتراكية. أما الاتحاد الأوروبي فكان قد أكد رفضه لأي تعديل على نص اتفاق بريكست، عارضاً تقديم مجرد تطمينات غير ملزمة حول خطة المساندة، بينما يراقب التطورات في لندن على أمل خروج البرلمان البريطاني بإجماع على شكل من أشكال بريكست.