منذ رفضه الاعتراف بهزيمته في الانتخابات الرئاسية الأميركية، يركّز الرئيس الخاسر دونالد ترامب، على نقض كل النتائج التي تصبّ في صالح الرئيس المنتخب جو بايدن. ويعمل ترامب، يومياً، سواء بتصاريح مباشرة أو بتغريداته على موقع "تويتر"، لإحداث فوضى تثير الشكوك بعملية الاقتراع التي جرت في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي. لكن الجديد في معركته، هو انخراط وزير الخارجية مايك بومبيو، بقوة منذ مساء أول من أمس الثلاثاء، في المسار التشكيكي على قاعدة أنه سيكون هناك نقل سلس للسلطة "بعد الولاية الثانية لترامب"، بالتزامن مع إعلانه عن جولة خارجية تشمل 7 دول هنأت بايدن بفوزه. وتثير الجولة في هذا التوقيت تساؤلات عدة، عن أهدافها، خصوصاً بعدما وجّه الوزير الأميركي رسالة انتقاد ضمنية للدول التي هنأت المرشح الديمقراطي بقوله "ليس هناك في آن واحد سوى رئيس واحد ووزير خارجية واحد وفريق واحد للأمن القومي".
عبّد بومبيو الطريق لقمم ترامب وكيم في السنتين الماضيتين
فبعد أسبوع على أكثر الانتخابات جدلاً في التاريخ الأميركي المعاصر، رفض بومبيو الاعتراف بفوز بايدن في الانتخابات الرئاسية، واعداً في المقابل بعملية "انتقالية سلسة" بعد "الولاية الثانية" لترامب. وردّاً على سؤال عن الإجراءات التي اتخذتها وزارة الخارجية لتسهيل العملية الانتقالية مع فريق الرئيس المنتخب، قال: "سيكون هناك انتقال سلس نحو إدارة ثانية لترامب". وأضاف في مؤتمر صحافي "سنحتسب كل الأصوات"، مؤكداً أن قادة العالم يدركون أنها "عملية قانونية تستغرق وقتاً". وتابع بومبيو: "على العالم أن يثق تماماً بواقع أن العملية الانتقالية الضرورية لتعمل وزارة الخارجية في شكل فاعل اليوم، وفي شكل فاعل مع الرئيس الذي سيتولى منصبه بعد ظهر 20 يناير/كانون الثاني المقبل، ستكون عملية انتقالية ناجحة". وفي مقابلة أجرتها معه شبكة "فوكس نيوز" دعا الوزير الأميركي إلى انتظار صدور النتيجة النهائية للانتخابات، مشيراً إلى أنه "سنرى ما قرّره الشعب في نهاية المطاف عندما يتم فرز جميع الأصوات". وشدّد على أنه "نذكّر الجميع بأنّه لم يتمّ فرز كلّ الأصوات بعد". وتعليقاً على اتصالات التهنئة التي تنهال على بايدن من قادة العالم والتي يتخلّلها بحث ملفات عديدة، اعتبر بومبيو "إذا كان هذا لمجرّد السلام فأعتقد أن لا مشكلة كبيرة في ذلك. لكن، لا تخطئنّ الظنّ، ليس هناك في آن واحد سوى رئيس واحد ووزير خارجية واحد وفريق واحد للأمن القومي".
في السياق، كشف أنه سيبدأ، غداً الجمعة، جولة تقوده إلى سبع دول حليفة للولايات المتحدة سبق أن هنّأت بايدن بفوزه. وقال بومبيو إنه سيزور فرنسا وتركيا وجورجيا وإسرائيل والسعودية والإمارات وقطر. وسيبحث بومبيو خلال الجولة "الجهود التاريخية" التي يبذلها ترامب والرامية إلى "إرساء السلام والتعاون في الشرق الأوسط". مع العلم أن الجولة الجديدة تأتي بعد إقالة وزير الدفاع مارك إسبر، واستقالة عدد من أركان الوزارة.
شارك بومبيو في حرب ترامب ضد الصين في العام الحالي
ولم يكن متوقعاً من بومبيو الخروج عن الولاء لترامب. الرجل يُعتبر من أساس فريق الرئيس الخاسر في انتخابات نوفمبر، بدءاً من تعيينه مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية بين عامي 2017 و2018، وصولاً إلى تسلمه الدبلوماسية الأميركية. بومبيو كان الرجل الذي ساهم في كسر الجليد بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، تحديداً في سياق الإفراج عن 3 أسرى أميركيين من أصول كورية شمالية، عام 2018. ومهّد بومبيو بتقاربه مع الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، لتعبيد الطريق أمام ثلاث قمم جمعت الأخير بترامب. ومع أنه كان أكثر فاعلية من خلفه ريكس تيلرسون، بالنسبة لترامب، إلا أن دوره في "صفقة القرن" (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية) كان في الموقع الخلفي، وراء صهر ترامب، جاريد كوشنر. لكن هذا لم يمنعه من التصريح مراراً بأن الأولوية الأميركية في الشرق الأوسط، تبقى إسرائيل. وهو ما تجلّى، في نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، في مايو/أيار 2018، وفي تأييده إعلان السيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، في مارس/آذار 2019. ويعتبر بومبيو من صقور التيار المناوئ لموسكو، وقد حذر في السابق من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زعيم خطر. ويصف نفسه بـ"المعارض الشرس" للاتفاق النووي مع إيران الذي أبرمته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وانسحب منه ترامب في عام 2018. كما أنه من معارضي إغلاق معتقل غوانتنامو، في جزيرة كوبا. فبعد زيارته للمعتقل عام 2013 قال "إن بعض المساجين الذين أعلنوا إضرابا عن الطعام قد زادت أوزانهم".
كما دافع بومبيو عن الاستخبارات الأميركية بعد صدور تقرير لمجلس الشيوخ حول التعذيب، وقال: "إن القائمين على المعتقل من رجال ونساء ليسوا جلادين بل وطنيون، ويتصرفون في إطار القانون والدستور".
وشارك بومبيو في حرب ترامب ضد الصين، تحديداً في العام الأخير، الذي شهد توقيع بكين وواشنطن على الاتفاق التجاري الجزئي في 15 يناير الماضي، ثم الاتهامات المتتالية لترامب للصين بـ"تسببها بفيروس كورونا". لكن ذلك لم يمنع لقاء بومبيو مع المسؤول الصيني الكبير يانغ جياشي، خلال اجتماع أزمة، في هاواي في يوليو/تموز الماضي، استمر لمدة سبع ساعات، بعيداً عن الإعلام. وشكك مراقبون في حينه بقدرة بومبيو على تحريك العلاقات بسبب هجماته المتكررة على بكين.
(العربي الجديد، فرانس برس)