ماكرون يصف النظام الجزائري بـ"المتحجر".. تصريحات مثيرة وأزمة سياسية مرتقبة

02 أكتوبر 2021
ماكرون يتهم النظام الجزائري بتعميق "كراهية فرنسا" (العربي الجديد)
+ الخط -

أصدر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أحكاماً مثيرة للجدل بشأن السلطة السياسية في الجزائر، واعتبر أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رهين لنظام وصفه "بالمتحجر".

ويُتوقع أن تثير تصريحات ماكرون ردود فعل سياسية ورسمية حادة من قبل الحكومة الجزائرية، خاصة في ظل تفاقم الفتور في العلاقات بين البلدين وتزايد الأزمات والتوترات السياسية، والتي أدت إلى قرار الجزائر إلغاء زيارة كان سيقوم بها رئيس الحكومة الفرنسية في إبريل/نيسان الماضي.  

وقال ماكرون، خلال لقائه 18 طالباً وشاباً فرنسياً من أصول جزائرية، ومن مزدوجي الجنسية، وجزائريين يقيمون في فرنسا - نقلا عن صحيفة "لوموند" الفرنسية التي حضرت اللقاء- أن لديه اتصالات جيدة مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لكن الأخير يعيش ضمن نظام صعب.

وقال: "نحن نرى النظام الجزائري متعبا والحراك أنهكه، لدي حوار جيد مع الرئيس تبون، لكني أرى أنه عالق في نظام صلب (متحجر) للغاية"، وتحتمل الكلمة التي استخدمها الرئيس ماكرون حيال النظام الجزائري عدة معان، منها أن النظام صلب وغير لين وعنيد وغير قابل للتطور، ويلمح ماكرون إلى أن الرئيس تبون محاصر ويقع رهينة لهيمنة العسكر.

وحاول الرئيس الفرنسي تحييد الرئيس الجزائري ووضعه خارج سياق الوصف الذي أورده للنظام الجزائري، لكنه يُفهم من تصريحات ماكرون إقرار رسمي من باريس بفشل كل توقعاتها بالتوجهات السياسية للجزائر ما بعد الحراك الشعبي وبإمكانية حدوث تغيير سياسي في الجزائر بعد حراك 2019، وكذا فشل الاتصالات والمساعي الدبلوماسية لحل المشكلات السياسية القائمة مع الجزائر.

ويتوقع مراقبون ألا يتأخر الرد الرسمي الجزائري على تصريحات ماكرون، إذ ستطلب الحكومة الجزائرية عبر القنوات الدبلوماسية توضيحات من باريس حول تصريحات ماكرون، وقد تتخذ، في الأثناء، قرارات سياسية، خاصة وأن هذا التصريح المثير، هو الأكثر جرأة من الناحية السياسية إزاء السلطة السياسية القائمة في الجزائر، كما يعد اقرارا ثانيا بوجود أزمة سياسية عميقة بين البلدين.

وكان ماكرون قد أقر في وقت سابق بأن "العلاقات الجزائرية الفرنسية ليست على ما يرام"، خاصة بعد قرار الجزائر إلغاء زيارة كان مقرراً أن يقوم بها رئيس الحكومة الفرنسية جون كاستكس إلى الجزائر في 11 إبريل/نيسان الماضي، وسحب تراخيص عمل قنوات فرنسية في الجزائر، وإنهاء عقود شركات فرنسية كانت تدير قطاعات حيوية في الجزائر، خاصة بسبب احتضان باريس لحركة "الماك" الانفصالية ورفضها تسليم الجزائر عددا من الناشطين المعارضين المطلوبين لدى القضاء الجزائري.

واتهم الرئيس الفرنسي النظام الجزائري الذي وصفه "بالعسكري"، بتعميق ما يصفه بـ"كراهية فرنسا" لدى الجزائريين، واعتبر أن "المشكلة لم تنشأ مع المجتمع الجزائري في أعماقه، ولكن مع النظام السياسي العسكري الذي بُني على هذا الريع من الذاكرة".

وقال إيمانويل ماكرون: "لقد صُدمت، خلال هذه السنوات الماضية، إلى أي مدى يلعب تاريخ وذكريات الحرب في الجزائر جزءا كبيرا من صدماتنا، هناك معاناة تم إسكاتها، وبُنِيَت على أساس أنه لا يمكن التوفيق بينها، ومع ذلك، أعتقد أن العكس هو الصحيح"، مشيراً إلى الحاجة إلى"مناقشة هذا النزاع بحرية ولتهدئة جرح الذاكرة".

استهداف المجتمع الحاكم

وشرح الرئيس ماكرون ملابسات القرار الفرنسي القاضي بخفض نسبة منح التأشيرات للجزائريين، مؤكداً أنه سيضمن حصول الطلاب ومجتمع الأعمال على التأشيرات، لكنه كان صريحا بأن القرار سيستهدف بالدرجة الأولى ما وصفه بأفراد "المجتمع الحاكم الذين اعتادوا التقدم للحصول على تأشيرات بسهولة". 

ويُفهم من تصريح ماكرون رغبة السلطات الفرنسية في إزعاج المسؤولين الجزائريين ومنعهم هم وأبنائهم من الحصول على التأشيرات، خاصة أن عددا كبيرا من أبناء المسؤولين تعودوا على الحصول بسهولة على التأشيرات والسفر إلى فرنسا بشكل مكثف، كما أن عددا منهم يدير أعمالا هناك، ويشير هذا الخيار إلى رغبة باريس في استغلال وتوظيف هذه الورقة ضد المسؤولين الجزائريين، لدفعهم نحو التعاون والقبول بترحيل الجزائريين المقيمين بطريقة غير قانونية في فرنسا وكذا الأشخاص الذين صدرت في حقهم قرارات الإبعاد من فرنسا.

وفي سياق الأزمة السياسية الراهنة بين التأشيرات، اشترطت باريس قبول الجزائر باستقبال رعاياها المقيمين بطريفة غير شرعية في فرنسا، والذين قررت باريس ترحيلهم، قبل إلغاء قرار خفض التأشيرات الممنوحة للجزائريين إلى النصف.

وقال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، في كلمة له أمام البرلمان الفرنسي، إن التراجع عن قرار تشديد منح التأشيرات للجزائريين مرتبط بحل أزمة المهاجرين غير الشرعيين المتواجدين في فرنسا، وربط تراجع بلاده عن قرار تشديد منح التأشيرات لمواطني الجزائر، وكذا المغرب وتونس، بشرط إصدار هذه الدول التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مواطنيها الموجودين بطريقة غير قانونية على الأراضي الفرنسية.

وكان المتحدث باسم الحكومة الفرنسية غابريال أتال قد أعلن الثلاثاء الماضي، عن قرار حكومته بتقليص حصة التأشيرات الممنوحة للرعايا الجزائريين بنسبة 50 بالمائة خلال الأسابيع القادمة، ومثلها للرعايا المغاربة وبنسبة الثلث للرعايا التونسيين، بسبب ما اعتبره رفض الجزائر والدول الأخرى التعاون مع السلطات الفرنسية والتماطل في إصدار التراخيص القنصلية التي تسمح بترحيل المهاجرين غير الشرعيين وإعادتهم إلى بلدانهم.

وعبرت الحكومة الجزائرية عن رفضها للقرار الفرنسي، ووصفه مساعد وزير الخارجية المكلف بقضية الصحراء الغربية والمغرب العربي عمار بلاني، في تصريح صحافي، بأنه" أحادي الجانب وغير متناسب ومحاولة لفرض الأمر الواقع، ناتج عن اعتبارات أحادية الجانب خاصة بالجانب الفرنسي، ويخل بالبعد الإنساني في العلاقات الجزائرية الفرنسية".

واستدعت الخارجية الجزائرية اليوم السفير الفرنسي في الجزائر فرانسوا غويات لإبلاغه اعتراضات رسمية على القرار وعدم استشارة الطرف الفرنسي للجزائر قبل اتخاذه"، خاصة أنه جاء عشية إيفاد الجزائر لوفد رسمي إلى باريس، لإجراء محادثات مع السلطات الفرنسية بشأن ملف المهاجرين المقيمين غير الشرعيين وإجراء جرد لقائمة بأسماء المعنيين بقرارات الطرد والترحيل من فرنسا، بهدف التثبت من هوياتهم قبل اتخاذ قرار استقبالهم والموافقة على نقلهم إلى الجزائر.

المساهمون