ماكرون يستأنف حملة الإصلاح بينما يستعد خصومه للمعركة

25 سبتمبر 2022
كلّف ماكرون حكومته برفع سنّ التقاعد من 62 إلى 64 أو 65 عاماً (Getty)
+ الخط -

سيذوق الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، هذا الأسبوع طعم الرفض الشعبي لجدول أعماله الإصلاحي لولايته الثانية خلال أول إضراب في كافة أنحاء البلاد منذ إعادة انتخابه في أبريل/نيسان.

وتعهّد ماكرون (44 عاماً) رفع سنّ التقاعد بعدما كان تراجع عن الخطّة التي أثارت انتقادات واسعة خلال السنوات الخمس الأولى له على رأس فرنسا.

لكن بعدما خسر الأغلبية البرلمانية في يونيو/حزيران، بات الرئيس الوسطي يواجه صعوبات كثيرة في إصدار التشريعات، في وقت يلقي فيه التضخّم المتزايد بثقله على الجوّ العام.

رغم التحذيرات التي تلقّاها من حلفائه، كلّف ماكرون حكومته برفع سنّ التقاعد من 62 إلى 64 أو 65 عاماً، على أن يدخل التغيير حيز التنفيذ اعتباراً من العام المقبل.

وقال ماكرون، الخميس، في مقابلة تلفزيونية مع قناة "بي إف إم" الإخبارية، إنني "لا أستبق ما ستفعله الحكومة والبرلمان، لكنني مقتنع بأنه ضرورة".

ومع ازدياد العجز وبلوغ الدين العام مستويات تاريخية، يعتبر ماكرون أن رفع سن التقاعد وتأمين وظائف لمزيد من الأشخاص هما الطريقتان الوحيدتان التي يمكن للدولة عبرهما أن تزيد إيراداتها بدون زيادة الضرائب.

ونظّم الاتحاد العام للعمل، الخميس، مدعوماً من أحزاب يسارية، تظاهرات في مختلف أنحاء فرنسا، في حراك يتوقع أن يستمرّ أشهراً عدة.

هدفت التظاهرات أساساً إلى المطالبة برفع الأجور، غير أنها باتت تعبّر عن معارضة واسعة لخطط الحكومة.

وقال رئيس الاتحاد العام للعمل فيليب مارتينيز الأسبوع الماضي لقناة "إل سي اي" التلفزيونية، "نحن نعارض رفع سنّ التقاعد"، مضيفاً "أن الحجج التي تقدّمها الحكومة غير منطقية".

"جريء لكن خطير"

من المرجح أن يكون موقف الرأي العام من إصلاح نظام التقاعد والإضرابات حاسماً في تحديد ما إذا كان ماكرون سينجح بالإصلاح الذي ألغاه في العام 2020 بعد احتجاجات مختلفة وبدء انتشار كوفيد-19.

وأشار استطلاع رأي، نشره الأسبوع الماضي معهد "أودوكسا" Odoxa المستقلّ للدراسات، إلى أن 55% من المستطلعين لم يكونوا يريدون رفع سنّ التقاعد و67% قالوا إنهم مستعدّون لدعم التظاهرات المناهضة له.

غير أن استطلاعاً آخر نشرته مجموعة "أيلاب" Elabe أظهر مشهديّة مفصّلة أكثر؛ إذ وجد أن 21% فقط من المستطلعين يؤيّدون رفع سنّ التقاعد، لكن 56% من المستطلعين يرون أن النظام القائم حالياً لم يعد نافعاً و60% يعتبرون أنه غير مستدام من الناحية المالية.

وقال وزير مُقرّب من ماكرون، فضّل عدم الكشف عن هويته، لوكالة فرانس برس الأسبوع الماضي، "لا أعرف أحداً يريد العمل لفترة أطول، لكن لا أعرف أحداً يعتقد أنه لن يعمل لفترة أطول".

وأضاف "ربّما أكون مخطئًا، لكنني لست متأكدًا من أن الإقبال (على التظاهرات) سيكون كبيراً كما تأمل النقابات وحزب فرنسا المتمردة" اليساري الذي يدعم التظاهرات.

وسيكون العامل الحاسم الثاني هو كيفية طرح الحكومة الإصلاح على البرلمان حيث يقل عدد مقاعد أنصار ماكرون بنحو 40 مقعداً عن الأغلبية.

وهنالك عدة توجهات سادت مؤخراً حول هذا القرار، إذ يفضّل البعض إدخاله في مشروع قانون موازنة الضمان الاجتماعي الذي سيتم التصويت عليه في أكتوبر/تشرين الأول، في خطوة ملتبسة سيعتبرها معارضون بأنها مخادعة. فيما يعتبر آخرون أنه ينبغي تخصيص مزيد من الوقت للتشاور مع النقابات العمالية وأحزاب المعارضة، رغم رفضها جميعها أن تعمل مع الحكومة.

غير أن ماكرون يفضّل الخيار الأسرع، بحسب ما قال لوكالة فرانس برس مسؤول كبير فضّل عدم الكشف عن هويته.

في الحالتيْن، يتوقّع مراقبون أن تلجأ الحكومة إلى آلية دستورية مثيرة للجدل هي "المادة 49.3" التي تسمح للسلطة التنفيذية بإصدار التشريعات عبر الجمعية الوطنية بدون حصول تصويت.

وإذا اتّحدت أحزاب المعارضة في مواجهة الإجراء أو طالبت بحجب الثقة عن الحكومة، فيمكنها إجراء انتخابات جديدة.

ويعتبر هذا الإجراء الجديد "جريئا لكنه خطير"، بحسب ما قال حليف لماكرون لوسيلة إعلام فرنسية الأسبوع الماضي.

"التنصّل من نفسه"

يرى خبراء أن النجاح في إصلاح نظام التقاعد والتغييرات المنفصلة في نظام إعانات البطالة سيساعد الرئيس في إعادة الترويج لنفسه كمُصلح.

منذ فوزه التاريخي بولاية ثانية في أبريل/نيسان، واجه تطوّر الأزمة الأوكرانية وسط تقارير مفادها أن التراجع الذي مني به في الانتخابات التشريعية في يونيو/حزيران جعله مرتبكاً وحتى محبطاً.

وقال الباحث في جامعة "سيانس بو" الفرنسية برونو كوتر، لوكالة فرانس برس مؤخراً "لقد فقدنا قليلًا السردية الماكرونية".

واعتبر أن تحدي الماكرونية كان يكمن في "توجيه" الولاية الثانية وإظهار "كيفية البناء على نتائج الولاية الأولى".

وقال الأستاذ المحاضر في القانون العام في جامعة "باريس 2" بينجامن موريل، إن "جوهر الماكرونية، التي لا عمق تاريخياً لها، يكمن في قائدها وبرنامجه".

ومنذ انتخابه كأصغر رئيس في تاريخ فرنسا في العام 2017، جعل ماكرون من إصلاح الضمان الاجتماعي وتنظيم العمل جزءاً من بصمته السياسية.

وتابع موريل قائلاً، إنه "يصعب إذًا على ماكرون أن يتخلّى عن الإصلاح، لأن دفن الإصلاح يشبه التنصّل من نفسه".

(فرانس برس)

المساهمون