ماكرون من الجزائر: البحث عن "الحقيقة" أهم من "الندم" بشأن الاستعمار

26 اغسطس 2022
قال ماكرون إنه يريد الحقيقة والاعتراف بشأن الاستعمار (فرانس برس)
+ الخط -

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم الجمعة، إن البحث عن "الحقيقة" أهم من "الندم" بشأن المسائل المرتبطة باستعمار الجزائر التي تسبب خلافات متكررة بين البلدين.

وأضاف خلال مؤتمر صحافي في اليوم الثاني من زيارته إلى الجزائر: "في ما يتعلق بمسألة الذاكرة والمسألة الفرنسية الجزائرية، كثيرا ما أسمع دعوات إلى الاختيار بين الفخر والندم. أنا أريد الحقيقة والاعتراف لأنه بخلاف ذلك لن نمضي قدما أبدا".

وبشأن الاتفاق النووي، اعتبر أن "الكرة في ملعب الإيرانيين" بشأن إحياء الاتفاق الذي أكد أنه سيكون في حال إبرامه "مفيدا" وإن "لم يعالج كل المسائل".

وردا على سؤال حول احتمال إحياء الاتفاق المبرم عام 2015 بين طهران والقوى الدولية الكبرى، لم يعلق ماكرون على إمكانية النجاح. لكنه قال إنه بعد "نقاشات مهمة" أجريت خصوصا مع الولايات المتحدة "باتت الكرة في ملعب الإيرانيين".

وبشأن تصريحات ليز تراس، أكد ماكرون الجمعة أن "المملكة المتحدة دولة صديقة وقوية وحليفة بغض النظر عمن يقودها"، وذلك بعد رفض تراس المرشحة الأوفر حظا لرئاسة الوزراء أن تقول ما إذا كان ماكرون "عدوا أو صديقا" لبلدها.

وأضاف الرئيس الفرنسي أن "الشعب البريطاني، الدولة التي هي المملكة المتحدة دولة صديقة وقوية وحليفة بغض النظر عمن يقودها، وأحيانا على الرغم من الأخطاء الصغيرة التي قد يرتكبونها في تصريحاتهم العامة".

وحول إمدادات الغاز، أشاد بمساهمة الجزائر في "تنويع" مصادر إمدادات الغاز لأوروبا من خلال زيادة صادراتها إلى إيطاليا.

قال "لسنا في منافسة مع إيطاليا" على الغاز الجزائري، مشددا على "ضعف أهمية الغاز في مزيج الطاقة" بفرنسا. لكنّه أضاف "أشكر الجزائر" على زيادة الكميات في أنبوب الغاز الذي يغذي إيطاليا، هذا جيد لإيطاليا وهو جيد لأوروبا ويعزز تنويع (المصادر) في أوروبا" التي كانت تعتمد بشدة على الغاز الروسي.

هذا ويواصل الرئيس الفرنسي زيارته للجزائر التي تستمر ثلاثة أيام بهدف "بناء المستقبل" دون التعتيم على أي شيء من الماضي الاستعماري، مع التركيز على رواد الأعمال الشباب والشركات الناشئة.

هل ينجح ماكرون في ترميم العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر؟

وزار الرئيس الفرنسي صباح الجمعة مقبرة سانت أوجين الأوروبية التي كانت المقبرة الرئيسية في العاصمة أثناء الاستعمار الفرنسي للجزائر.

وكان قد توجه في أول أيام زيارته الخميس إلى نصب شهداء الجزائر في حرب الاستقلال (1954-1962) ضد فرنسا.

وفي محطة مهمة أخرى الجمعة من زيارته التي تجري تحت شعار إعادة إطلاق الشراكة الثنائية، يلتقي مع رواد أعمال شباب على أمل إنشاء حاضنة فرنسية جزائرية لشركات ناشئة رقمية.

كما سيزور إيمانويل ماكرون الجامع الكبير في الجزائر قبل أن يتوجه إلى وهران (غرب) ثاني مدينة في البلاد معروفة بانفتاحها وإبداعها.

وكرس الرئيس الفرنسي ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون الخميس مصالحتهما بعد أشهر من الخلاف الدبلوماسي. وبعد اجتماع استمر أكثر من ساعتين بدا رئيسا الدولتين متفائلين.

وتحدث تبون الذي استقبل نظيره الفرنسي في المطار، عن "نتائج مشجعة" تجعل من الممكن "رسم آفاق واعدة في الشراكة الخاصة التي تربطنا".

وأعلن أن فرنسا والجزائر ستعيدان إطلاق العديد من اللجان الحكومية لا سيما في المجالين الاقتصادي والاستراتيجي. وتتزامن الزيارة مع الذكرى الستين لانتهاء الاستعمار وإعلان استقلال الجزائر في 1962.

وشدد الرئيس الفرنسي على رغبة البلدين في التطلع إلى المستقبل و"العمل معا على هذا الماضي المشترك المعقد والمؤلم".

وستشكل الجزائر وباريس "لجنة مؤرخين مشتركة" من أجل "النظر إلى مجمل هذه الفترة التاريخية من بداية الاستعمار إلى حرب التحرير، بدون محظورات وبإرادة الوصول الكامل إلى أرشيفاتنا".

غاز وتأشيرات

وتطرق تبون وماكرون إلى الوضع في مالي التي انسحب منها الجيش الفرنسي مؤخرا، وفي دول الساحل الأخرى وليبيا والصحراء الذي "يتطلب جهودا مشتركة لترسيخ الاستقرار في المنطقة"، على حد قول الرئيس الجزائري.

وتؤدي قضية الصحراء التي يطالب بها الانفصاليون في جبهة (بوليساريو) إلى تصاعد التنافس في المنطقة بين الجزائر والمغرب الذي يؤكد أن هذه المنطقة مغربية.

ومسألة شحنات الغاز الجزائري إلى أوروبا حاضرة أيضا حتى لو أكد الإليزيه أنها "ليست موضوع الزيارة".

ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا يتطلع الأوروبيون إلى الجزائر، أكبر منتج للغاز في أفريقيا وواحدة من الدول العشر الأولى في العالم في هذا المجال، في إطار مساعيهم لخفض اعتمادهم على الغاز الروسي بسرعة.

وهذه هي المرة الثانية التي يزور فيها إيمانويل ماكرون الجزائر منذ توليه الرئاسة، بعد زيارته الأولى في ديسمبر/ كانون الأول 2017.

وكانت العلاقات بين البلدين في ذلك الوقت في حالة جيدة مع الرئيس الفرنسي الشاب المولود بعد عام 1962 والذي وصف الاستعمار الفرنسي بأنه "جريمة ضد الإنسانية" قبل انتخابه.

لكن العلاقات تراجعت بسرعة بسبب ذكريات يصعب التوفيق بينها بعد 132 عاما من الاستعمار وحرب طاحنة ورحيل مليون فرنسي من الجزائر في 1962.

ولم تصدر اعتذارات تنتظرها الجزائر عن الاستعمار. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2021 سببت تصريحات إيمانويل ماكرون بشأن "النظام السياسي العسكري" الجزائري والأمة الجزائرية شرخا خطيرا.

ومنذ ذلك الحين، بذل ماكرون جهوداً كبيرة واستأنف الرئيسان تدريجيًا الشراكة الثنائية.

لكن المسألة الحساسة المتعلقة بالتأشيرات التي تمنحها فرنسا وتم خفض عددها إلى النصف، ما زالت تؤثر على العلاقات المتبادلة.

وأشار ماكرون إلى ذلك الخميس عندما تحدث عن قرارات اتخذت من أجل "تنقل مختار" لصالح الرياضيين أو رواد الأعمال أو الجامعيين من أجل "بناء المزيد من المشاريع المشتركة".

 

(فرانس برس)

المساهمون