على الرغم من تعاونها مع المعارض الروسي الأشهر والمعتقل حالياً أليكسي نافالني، مؤسس "صندوق مكافحة الفساد"، لأكثر من عشر سنوات، إلا أن المديرة الجديدة للصندوق ماريا بيفتشيخ (35 عاماً) ظلت حتى عام 2020 بعيدة عن الأضواء، مترئسة بصورة غير علنية قسم التحقيقات بالمنظمة الذي كان يشرف على نشر تحقيقات تكشف وقائع الفساد بمنظومة السلطة الروسية.
لكن بعد تعرّض نافالني لواقعة التسميم بغاز أعصاب، يشتبه في أنه من أنواع "نوفيتشوك" سوفييتي المنشأ، في أغسطس/ آب 2020، تحولت بيفتشيخ، التي أُعلن أمس الأربعاء توليها إدارة "صندوق مكافحة الفساد"، إلى الوجه الفعلي للمنظمة إلى جانب سلفها، ليونيد فولكوف، المستقيل على خلفية فضيحة توقيعه خطاباً موجهاً إلى الاتحاد الأوروبي للمطالبة برفع العقوبات عن الملياردير الروسي، ميخائيل فريدمان، مالك أكبر مصرف روسي خاص "ألفا بنك".
وازدادت شهرة بيفتشيخ في العام الحالي بعد إجراء المدون الروسي الأشهر على "يوتيوب"، يوري دود، مقابلة مطولة معها من العاصمة البريطانية لندن، التي تقيم فيها، حظيت بنحو 17 مليون مشاهدة، تحدثت فيها عن مسيرتها وظروف سجن نافالني وكيفية إجراء الصندوق تحقيقاته الاستقصائية في ملفات الفساد.
ومع ذلك، يعتبر عضو المجلس الإقليمي لحزب "يابلوكو" (تفاحة) الليبرالي المعارض في موسكو، أليكسي كرابوخين، أن عوامل عدة تعوق تحول بيفتشيخ إلى وجه المعارضة "غير النظامية" الروسية، وفي مقدمتها مواقفها الراديكالية وإقامتها خارج روسيا.
ويقول كرابوخين في حديث لـ"العربي الجديد": "تقر بيفتشيخ نفسها بأنها شخصية إدارية ومحققة استقصائية أكثر منها سياسية. كذلك فإنها تتبنى مواقف معارضة تصل إلى درجة الراديكالية، ولكن عدم تقبل لأي حلول وسط ليس بصفة مناسبة لمن يريد مزاولة العمل السياسي".
وحول رؤيته لتأثير إقامتها في الخارج على صورتها كسياسية معارضة، يضيف: "على السياسي أن يبقى داخل البلاد وسط مواطنيها، وخير مثال على ذلك نافالني الذي عاد إلى روسيا رغم إدراكه أنه سيُعتقَل. كذلك لا يملك السياسي المقيم في الأمان والرخاء في الخارج حقاً معنوياً في حثّ مواطني بلاده على التظاهر وتعريض أنفسهم لخطر السجن".
وكان نافالني قد أعلن، أمس الأربعاء، تولي بيفتشيخ رئاسة مجلس إدارة "صندوق مكافحة الفساد"، كاتباً على قناته على تلغرام: "عملها العام على مدى العامين الماضيين، جعلها زعيمة سياسية متألقة".
وبذلك حلت بيفتشيخ محل فولكوف الذي أعلن، في بداية مارس/ آذار الجاري، اعتزاله مؤقتاً العمل السياسي والمجتمعي العام كرئيس "صندوق مكافحة الفساد"، وذلك بعد فضيحة الخطاب الداعم لفريدمان الذي وقعه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والموجه إلى مسؤول السياسة الخارجية الأوروبية، جوزيب بوريل، طالباً رفع العقوبات عن فريدمان وغيره من قادة مجموعة "ألفا".
وبعد انكشاف ذلك، أقرّ فولكوف بأن توقيعه للخطاب كان "خطأً سياسياً كبيراً"، وبأنه "تجاوز صلاحياته، ولم يوقعه باسم شخصه، بل باسم المنظمة"، دون إطلاع زملائه على ذلك.
ووصف نافالني أعمال فولكوف بأنها خطأ، مشيراً إلى أن الخطاب تضمن "معلومات كاذبة"، كاتباً: "أتقدم باعتذاري لأنصار "صندوق مكافحة الفساد" ومانحيه ومجلس مراقبته. تدارك الخطأ، ولكنه ارتكب، ما يعني أنني أتحمل جزءاً من المسؤولية عن ذلك"، ومع ذلك، رأى نافالني أن فولكوف كان يتصرف لدوافع حسنة.
وكانت بريطانيا والاتحاد الأوروبي وكندا قد فرضت عقوبات على فريدمان المقيم في المملكة المتحدة، على خلفية بدء روسيا أعمال القتال في أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، بينما أدت العقوبات الغربية المفروضة على مصرفه "ألفا بنك" إلى قطعه عن منظومة "سويفت" العالمية للتحويلات المالية.