أثار اختيار رئيس جهاز المخابرات الوطني السابق هاكان فيدان حقيبةَ وزارة الخارجية التركية عديداً من التساؤلات في الأوساط التركية، رغم تسريب الاسم قبل إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تشكيل الحكومة مساء أمس السبت، ليخلف فيدان الوزير السابق مولود جاووش أوغلو الذي أصبح عضواً في البرلمان.
وكانت التوقعات، قبل إعلان الحكومة، قد أشارت إلى فيدان وزيراً للداخلية خلفاً لسليمان صويلو، نظراً لقرب المنصب من جهاز الاستخبارات، مرجحين اختيار المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن وزيراً للخارجية، لتستمر، وفق رأيهم، سياسة الرئيس أردوغان الخارجية، قبل أن يُسرّب تعيين قالن، اليوم الأحد، في موقع رئيس جهاز الاستخبارات خلفاً لفيدان.
هناك من رأى أن تعيين هاكان فيدان وزيراً للخارجية يعكس، مع "مئوية تركيا" الثانية، "وجه تركيا القوي والقريب من الشرق والغرب"، كما يقول أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة مرمرة برهان كور أوغلو لـ"العربي الجديد"، فوزير الخارجية الجديد قاد علميات مصالحة وعودة علاقات تركيا مع دول عدة، منذ عام 2010 حتى العام الجاري، خلال وجوده ضمن اللجنة الرباعية في موسكو "إلى جانب إيران وسورية".
ويلفت كور أوغلو إلى أن لفيدان علاقات "دولية متميزة"، سواء كانت بدول غربية إذ درس وقاد ملفات عدة، أو بدول في أفريقيا والمشرق، معتبراً أن ذلك "يتناسب تماماً مع المرحلة المقبلة لتركيا"، فبلاده الحريصة على توطيد العلاقات مع الدول العربية والإسلامية يناسبها فيدان المؤسس للمصالحة مع الإمارات ومصر والسعودية، قبل أن يقود الاجتماعات مع نظام الأسد أخيراً، كما أن فيدان يتناسب مع حرص تركيا على ديمومة العلاقات مع روسيا، بالتوازي مع إعادة توطيد العلاقات مع الغرب، "لذا كان محط أنظار واختيار الرئيس أردوغان".
وفي حين يلفت أستاذ الفلسفة السياسة إلى قرب فيدان من الرئيس أردوغان، ويصفه بـ"رجل الظل" و"الصندوق الأسود، وبموفد الرئيس الخاص إلى العديد من الدول والموكل بالعديد من الملفات، يؤكد حرص بلاده على تسويق القوة والدبلوماسية خلال الفترة المقبلة، مبيناً أن "جميع المشاكل السابقة بدأ حلها في المخابرات قبل أن تنتقل الملفات إلى الخارجية أو رئاسة الدولة".
وتوقع كور أوغلو تعاوناً أكبر بين الخارجية والمخابرات، بعد ما أشيع عن تسلم إبراهيم قالن الجهاز.
ولد هاكان فيدان في العاصمة أنقرة عام 1968، وفيها تخرج من المدرسة الحربية بمدرسة اللغات في القوات البرية، وأكمل تعليمه الأكاديمي أثناء خدمته في الجيش التركي، قبل أن يحصل على البكالوريوس في العلوم السياسية والإدارية من جامعة ماريلاند، خلال مهمته في حلف شمال الأطلسي (ناتو) خارج تركيا، ومن ثم حاز درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة بيلكنت في أنقرة- قسم العلاقات الدولية.
شغل فيدان مناصب عدة في مجالات السياسة الخارجية والأمن على مختلف المستويات الحكومية، منها نائب وكيل الوزارة المسؤول عن السياسة الخارجية وقضايا الأمن في رئاسة الوزراء، وعضو في مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وممثل خاص لرئيس الوزراء، ونائب لرئيس جهاز الاستخبارات، وممثل خاصاً لرئيس الجمهورية، ورئيس جهاز المخابرات طوال 13 عاماً.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية التركي، سمير صالحة، إن لدى فيدان طموحاً قديماً لـ"الخروج من الظل إلى الضوء"، وطلب ذلك من الرئيس أردوغان منذ عام 2015، "فاستمهله"، طالباً منه البقاء على رأس جهاز المخابرات. انتظر ثماني سنوات قبل أن يجد اسمه ضمن تشكيلة الحكومة، أمس، قائداً للدبلوماسية التركية.
ويضيف صالحة في حديثه لـ"العربي الجيدد" أن الوزير فيدان كان ضمن الدائرة الرباعية القريبة من الرئيس أردوغان، فهو في مركز القرار والتخطيط والتنفيذ، وليس في المجال الأمني الاستخباري فقط، و"أوكلت إليه العديد من ملفات تقريب العلاقات وقادها بنجاح".
وحول ماذا يعني تعيين فيدان وزيراً للخارجية، بالتزامن مع إعلان أردوغان انفتاح أبواب "قرن تركيا" بفوزه بولاية رئاسية ثالثة، يقول صالحة: تدخل تركيا اليوم حقبة جديدة ومختلفة كلياً عن سابقاتها، وتسويق السياسة التركية عبر رجل قوي رسالة متعددة الجوانب، سواء إلى داعمي المعارضة و"الإرهاب"، أو إلى الحلفاء المتوقع دخولهم في علاقات جيدة مع تركيا، معتبراً الارتباط والتعاون بين الخارجية والمخابرات وثيق وضروري، مكرراً أن وزير الخارجية الجديد يمتلك معلومات وعلاقات عميقة مع دول الجوار وأوروبا، وربما هو الأنسب لتسويق وجه تركيا الجديد خلال المرحلة المقبلة.
هناك من يربط تعيين فيدان وزيراً للخارجية بتعيين محمد شيمشك في وزارة المال والخزانة، فالرئيس التركي شارف على السبعين من عمره، وهذه آخر فترة رئاسية له، ما جعله يختار فريقاً قوياً، معبراً عن تطلعات تركيا الخارجية، وتسويقها قوية، بينما اختار الدبلوماسي اللين، علي يرلي كايا، لوزارة الداخلية مكان سلفه المعروف بـ"القسوة" سليمان صويلو، والمعروف أن يرلي كايا خبير بشؤون اللاجئين، والملف الكردي، وخبير بملف أسطنبول المهم للدولة.
ويلفت بعض المراقبين إلى أن أردوغان يتطلع بعين إلى التجربة الصينية الاقتصادية: إنتاج وفير، زيادة تصدير، عملة رخيصة، ولكنه يتطلع بعين أخرى إلى تجربة بريطانيا الأمنية التي تركز على الاستخبارات بالتوازي مع الدبلوماسية لتشكيل السياسة الخارجية، مشيرة إلى التعاون الكبير المتوقع لاحقاً بين فيدان وقالن.
قد يكون اختيار الرئيس التركي للخارجية محل شبه إجماع ورضا في الأوساط التركية، مذكّرين، أمس واليوم، عبر الإعلام، بالمناصب التي شغلها فيدان: مستشار لأحمد داود أوغلو، ومستشار في سفارة تركية بأستراليا، ورئيس لوكالة التنمية والتنسيق التركية، وعضو في المجلس الإداري للوكالة الدولية للطاقة الذرية، قبل أن يصبح نائباً لرئيس الاستخبارات، ومن ثم رئيساً لها في 27 مايو/أيارعام 2010.
خلال الانقلاب الفاشل عام 2016، ظلّ فيدان في مقر رئاسة الأركان حتى الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم 15 تموز/يوليو2016، ونجا من أيدي الانقلابيين بخروجه قبل هجومهم بعشرين دقيقة، كما نجا فيدان من مخطط اغتيال من قبل تنظيم "غولن"، خُطط له في 7 فبراير/شباط 2012، كما ذكرت صحيفة "حرييت".