ماذا بعد منح الثقة لحكومة باشاغا وتشبث الدبيبة بالسلطة في ليبيا؟

02 مارس 2022
يرفض الدبيبة تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة (Getty)
+ الخط -

ترتسم في المشهد الليبي ملامح أزمة جديدة بعدما أصرّ مجلس النواب على الذهاب في اتجاه تغيير الحكومة الحالية ومنح الثقة لحكومة جديدة، وسط عدد من البيانات والتصريحات المعارضة والأخرى المؤيدة للخطوة، وما قد يتبعها من تفاقم للأوضاع، خصوصاً مع إصرار حكومة الوحدة الوطنية على عدم تسليم السلطة إلا لسلطة منتخبة.

وفي أولى ردود الفعل، أكدت حكومة الوحدة الوطنية أنها مستمرة في ممارسة أعمالها، واتهمت مجلس النواب بـ"التزوير والتلفيق"، مبرزة ما اعتبرته أدلة على ذلك بعدم بلوغ النصاب خلال التصويت على منح الثقة للحكومة الجديدة، أمس الثلاثاء، وعدم وضوح صورة مانحي الثقة من النواب، ومخالفة الاتفاق السياسي، واستندت أيضاً في اتهامها للنواب بالتزوير إلى تصريحات البعض الآخر من النواب عبر وسائل إعلام ليبية نفوا فيها وجودهم في مقر المجلس بطبرق رغم ورود أسمائهم ضمن المصوتين. 

ردّت حكومة الوحدة الوطنية في بيان، في وقت متأخر من ليل البارحة، بأن أي محاولة لاقتحام مقرات الحكومة "تعد هجوماً عليها"

ومن جانبه، أكد رئيس الحكومة الجديدة المكلّف من مجلس النواب فتحي باشاغا، في كلمة متلفزة عقب منح الثقة لحكومته، على أنه سيتسلّم مهامه "بشكل سلمي وآمن"، بل وأعلن عن مباشرته "إجراء التدابير القانونية"، واتصاله بجميع الجهات الأمنية والعسكرية وعقد الترتيبات معهم لتسلم السلطة، لترد حكومة الوحدة الوطنية، في بيان، في وقت متأخر من ليل البارحة، بأنّ أي محاولة لاقتحام مقرّات الحكومة "تعد هجوماً عليها"، محذرة من أنها ستتعامل مع مثل هذه التحركات "وفق صحيح القانون". 

ولحق بيان حكومة الوحدة الوطنية بيان للمجلس الأعلى للدولة، اعتبر فيه أنّ منح مجلس النواب الثقة لحكومة باشاغا "مخالفة للاتفاق السياسي"، معلناً أنّ موقفه الرسمي سيتضح بعد جلسته الرسمية يوم غد الخميس. 

ونالت حكومة باشاغا، المكونة من 29 وزيراً وستة وزراء للدولة وثلاثة نواب لرئيس الحكومة، الثقة من مجلس النواب بواقع 92 صوتاً من أصل 101 نائب حضروا جلسة أمس، الثلاثاء، وفقاً لبيان للمتحدث باسم النواب عبد الله بليحق. 

ورداً على الاتهامات بالتلفيق والتزوير في عملية التصويت، أوضح بليحق، في تصريحات صحافية، ليل الثلاثاء، أنّ 13 نائباً صوتوا بطريقة إلكترونية، دون احتساب أصواتهم، وفق قوله، مقرّاً بعدم ذكر أسماء بعض النواب خلال الجلسة، معللاً ذلك بالحفاظ على سلامتهم على أثر تهديدات تلقتها أسرهم، دون الإفصاح عن أسماء النواب أو الجهة المُهدِّدة ومصلحتها من ذلك. 

وفي الأثناء، تداولت وسائل إعلام ليبية عديد البيانات التي حملت أسماء أطراف سياسية وعسكرية في البلاد، توافق مضمونها على تشجيع الدبيبة على التشبث ببقاء حكومته، وطالب بعضها باشاغا ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح بالعدول عن مواقفهما.

وفيما دعت عضو مجلس النواب ربيعة بوراس، في تصريحات صحافية، صالح والنواب المصوتين على منح الثقة لحكومة جديدة للانحياز للشارع والعمل على إصلاح العملية السياسية وإنهاء المراحل الانتقالية، اعتبر عضو مجلس النواب محمد لينو، في تصريحات صحافية أيضاً، ما حدث في مجلس النواب "خارجاً عن العرف والقانون"، مفنداً أرقام النواب، ومؤكداً أنّ باشاغا لم يحصد سوى 87 صوتًا لا تكفي لنيل الثقة. 

تداولت وسائل إعلام ليبية عديد البيانات التي حملت أسماء أطراف سياسية وعسكرية في البلاد، توافق مضمونها على تشجيع الدبيبة على التشبث ببقاء حكومته

أما عضو مجلس النواب المؤيد لخطوة تغيير الحكومة عيسى العريبي، فقد قال إنّ من يشككون في التصويت من النواب "متغيبون عن الجلسة"، مقرّاً بأنّ الحكومة حصلت على الثقة بإجماع 92 صوتًا. وفي الاتجاه ذاته، أكد عضو مجلس النواب الآخر بلخير الشعاب صحة إجراءات الجلسة والتصويت للحكومة، بل ورجّح أن تؤدي الحكومة الجديدة اليمين الدستورية أمام النواب يوم الاثنين المقبل، على أبعد تقدير. 

ووفق قراءته ومتابعته للمستجدات، يؤكد المحلل السياسي الليبي صلاح البكوش عدم قدرة باشاغا على دخول العاصمة كرئيس حكومة، وقال "لم يتمكن باشاغا حتى من الاحتفال بذكرى فبراير من طرابلس وفضّل أن يحتفل بإحدى صالات الأفراح بمدينته مصراتة، وهذا لا يعكس إلا عدم القدرة". 

ورداً على سؤال إلى أين تتجه ليبيا؟ يرى البكوش، في حديث لــ"العربي الجديد"، أنّ الوضع سيبقى على ما هو عليه، أي استمرار الدبيبة حتى الاتفاق على الاتجاه لإجراء الانتخابات، وقال: "لا يمكن التسليم لحكومة أخرى شُكِّلت كتقاسم سلطة بين عقيلة صالح وخليفة حفتر وباشاغا، وما حدث مخالف للاتفاق السياسي والإعلان الدستوري وخريطة الطريق وقرارات مجلس الأمن بالخصوص". 

وبحسب رأي البكوش، فإن "لدى حكومة الوحدة الوطنية مدة تمهيدية لإجراء انتخابات يرفض مجلسا النواب والدولة إجراءها، إذ يحاولان التمديد لهما وتسمية حكومة جديدة لضمان بقائهما في السلطة"، معتبراً أنّ "المجلسين كانا سبباً في فشل إجراء الانتخابات في موعدها السابق يوم 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي". 

ويضيف "أي قارئ لخريطة طريق ملتقى الحوار السياسي سيعلم أنّ الفترة التمهيدية ذات الـ18 شهراً يجب أن تنتهي بالانتخابات، وهو ما يعني سقوط جميع الأجسام بما فيها حكومة الوحدة الوطنية ومجلسا النواب والدولة وصعود جسم نيابي جديد"، وتابع "عدم الوصول لانتخابات في يونيو/حزيران المقبل يعني استمرار الأزمة السياسية، ولهذا لن تسقط الحكومة حتى لا ندخل في فراغ سياسي يزيد من تعميق الأزمة". 

وفي المقابل، يرجح الكاتب والصحافي الليبي عيسى عبد القيوم أن يتعثر التسليم والاستلام بين الدبيبة وباشاغا، لكن الأول، وفق رأيه، سيتجه للتسليم في آخر المطاف، معتبراً رفض الدبيبة تسليم السلطة "مناورة لضمان خروج آمن وسلس من المشهد السياسي". 

ويرى عبد القيوم، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ التشكيلات المسلحة هي الأخرى تقف وراء منع تسليم السلطة وليس الدبيبة فقط، وقال "هي العامل المشترك في كل رفض، لأنها أجسام غير مرنة وغير سياسية"، رافضاً أن تكون للمسلحين أي علاقة بالشأن السياسي. 

ويرى عبد القيوم أنّ لتلك التشكيلات المسلحة مصالحها، واصفاً موقفها المؤيد لعدم تسليم الدبيبة السلطة بـ"المساومات والبحث عن مكاسب من أي قادم، وقد يكون هذا ناتجاً عن تورطها في بعض أمور تريد خروجاً آمناً منها؛ نحن نذكر بأنها رفضت دخول رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج لطرابلس سنة 2016 ثم دخلها وانتهى الأمر"، معتبراً أنّ الإصرار على عدم التسليم "سينقل ليبيا لمنحى هو الأخطر في تاريخ البلاد". 

ولم يصدر أي موقف دولي أو إقليمي حيال تشكيل مجلس النواب الليبي حكومة جديدة، لكن البكوش يرى أنّ أغلب الدول في حالة ترقب، وقال "لا أعتقد أنّ صمتها يعود للانشغال بالأزمة الأوكرانية، فهذه دول ذات مؤسسات متخصصة لا يمكن أن تدخل خارجياتها في سبات لمجرد وجود أزمة في مكان ما حتى لو كانت أزمة دولية كبرى؛ فحتى الحكومة المصرية لم يصدر عنها شيء إلى الآن".

أما عبد القيوم، فيصف تصريح السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند بأنه "مريح وداعم لمنح الثقة لحكومة باشاغا، ودليل على أنّ المجتمع الدولي سيتجه نحو باشاغا". 

ولم تصدر عن السفير الأميركي، أخيراً، سوى تغريدة عبر صفحته في "تويتر" أشار فيها إلى لقاء جمعه، أمس الثلاثاء، بعضو مجلس النواب خليفة الدغاري، ناقشا خلاله التطورات في مجلس النواب واهتمام بلاده بالتعامل مع مجلس النواب وجميع أطراف المشهد السياسي "من أجل المساعدة في تحريك ليبيا نحو انتخابات يستحقها الشعب". 

المساهمون