ماذا بعد حظر بايدن لاستيراد النفط الروسي؟

09 مارس 2022
بايدن تعهّد بأنه لن يسمح بـ"نصر" لبوتين في أوكرانيا (Getty)
+ الخط -

أخذ إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن وقف استيراد الطاقة من روسيا من الأضواء والردود في واشنطن، أكثر من حجمه. مجيئه وسط الجدل حول فرض عقوبات على النفط الروسي، جعله يبدو وكأنه خطوة أولى في هذا الاتجاه. على الفور، ارتفعت أسعار المحروقات وساد الاعتقاد أنّ في الأفق أزمة نفط غير مسبوقة قد يصل معها سعر البرميل إلى 160 وربما 200 دولار، لو تفاقمت الأزمة وأدت انعكاساتها إلى المزيد من نقص العرض، واضطراب الأسواق، ولا سيما أنّ الحرب الأوكرانية ما زال مآلها مجهولاً.

لكن الخطوة محدودة وأغراضها تتعدى العقوبة. إذ إنّ استيراد الولايات المتحدة من روسيا خلال العام الماضي، كان في حدود 672 ألف برميل يومياً من النفط ومشتقاته، من أصل صادرات روسية تبلغ 7 ملايين برميل في اليوم من هذه البضاعة (5 ملايين نفط و2 مليون مشتقات).

وبحسب أرقام مؤسسة "أميركان بتروليوم إنستيتيوت"، بدأت بعض المصافي الأميركية في المدة الأخيرة تقلّص عقودها مع شركات النفط الروسية، إلى حد أنّ "الرقم وصل إلى الصفر في الأسبوع الأخير من فبراير/ شباط الماضي". ربما كان هناك استشعار مسبق بقرب صدور الحظر.

وفي كل حال بات "عدد المشترين للنفط الروسي في تناقص"، إذا ما بقي على وتيرته فقد يرتفع سعر البرميل إلى 160 دولاراً، وفق المؤسسة. لكن هناك اعتقاد أن تبقى أمام روسيا أسواق مفتوحة مثل الصين والهند لشراء فائضها النفطي، خاصة إذا ما عُرض بأسعار مهاودة.

مع ذلك، وضعت الإدارة الأميركية الحظر في إطار الإجراء الرامي إلى زيادة كلفة الحرب على موسكو، التي تبدو متعثرة، حسب إفادة مدير "سي آي إيه" وليام بيرنز، أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب. حيث قال إنّ العمليات العسكرية كشفت عن "تقصير" ميداني، محذراً من تصعيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واتجاه الأوضاع نحو الأسوأ في الأسابيع المقبلة، إذ بات "من الصعب تصور كيف ستنتهي الحرب".

وفي هذا الصدد، تتردد تخمينات وتحليلات كثيرة يصعب التأكد من صدقيتها، بشأن "وجود خلل في الخطة العسكرية"، إضافة إلى "انزعاج" الرئيس بوتين من بطء العملية ومن بعض معاونيه "لعدم تزويده بالمعطيات الصحيحة"، فضلاً عن انكشاف "خطأ حساباته" كلها أو بعضها، فيما قد تكون هذه التصريحات جزءاً من حرب الدعاية بقدر ما قد يكون العكس. كذلك يتردد الكثير عن التداعيات الداخلية للحرب، مثل إقفال البورصة الروسية وهبوط قيمة الروبل، إضافة إلى تزايد النقمة في الشارع الروسي، التي قد يفاقمها الحظر.

بالتأكيد أنّ للخطوة تأثيرها الاقتصادي والمالي بموسكو، لكن الإدارة الأميركية تعرف أنّ هذا التأثير محدود ولا يقدم أو يؤخر في زحزحة بوتين، وبذلك هي تبدو وكأنها مُصممة لأغراض سياسية في أكثر من اتجاه. فمن خلال الحظر يقطع بايدن الطريق على مشروع قرار مطروح في الكونغرس لفرض عقوبات شاملة على النفط والغاز الروسيين، من شأنه لو دخل التنفيذ أن يرتد بصورة مدمرة على وضعه كما على الوضع الأميركي العام.

كذلك يتجنب بايدن من خلال الحظر، التصادم مع الأوروبيين الرافضين لمقاطعة مصادر الطاقة الروسية بحكم الحاجة إليها وعدم توافر البديل لها. ومن حسابات بايدن، بحسب خبراء نفطيين، أنّ أي حظر على نفط روسي من شأنه "زيادة الضغوط على أوبك لرفع كميات الإنتاج التي تقتضيها ضرورة التوازن والاستقرار المطلوب في الأسواق"، وهو ما تسعى له الإدارة بقوة، وعلى صعيد أكثر من منتج.

ويمكن ارتفاع الأسعار بعد الحظر أن يحرك الصين باتجاه لعب دور تتطلع إليه أكثر من جهة أميركية، ويؤدي إلى دفع الكرملين باتجاه فرملة الحرب وبدء البحث عن مخرج. إضافة إلى ذلك، يأتي الحظر كاستجابة علّها ترضي بعض الشيء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي يطالب بخطوات أكبر ليست واشنطن ولا "الناتو" في وارد تلبيتها، مثل تأمين حظر جوي في بلاده.

إلحاح الرئيس الأوكراني على ضرورة وجود دور أميركي – أوروبي مباشر وعتبه على واشنطن "بإمكانية فعل أكثر"، كما قال، أمس الثلاثاء، في مقابلة مع تلفزيون أميركي، ينطويان على اعتقاد مضمر بأنّ الغرب يحارب به (زيلينسكي) روسيا. وثمة في مقابلته هذه ما يشي بنية بدأت تتبلور لديه لطرق باب تسوية تنهي الحرب بعد القناعة بأنه لن يحظى من "الناتو" بالدعم المرغوب فيه.

وألمح إلى استعداده للتخلّي عن فكرة الانضمام إلى "الناتو"، كما إلى احتمال التنازل عن القرم ومنطقتي دونيتسك ولوغانسك شرقي أوكرانيا. وكان من اللافت أن يردد الناطق في الكرملين دميتري بيسكوف ذات الشروط تقريباً للقبول بحلّ، بالإضافة إلى مطلب تعديل الدستور الأوكراني لينص على "حياد" أوكرانيا بعد الآن.

هل في ذلك بداية غزل نحو "الحلحلة"، أم أنه كلام للتمويه؟ وإذا كان بداية انعطاف، فكيف سيتعامل بايدن معه بعد أن تعهّد بأنه لن يسمح بـ"نصر" لبوتين في أوكرانيا؟

المساهمون