مثّل إعلان "كتائب الشهيد عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، أنّ أحمد نصر جرار، قائد الخلية التي قتلت أحد حاخامات المستوطنات في محيط نابلس قبل شهر، والذي استشهد فجر الثلاثاء، هو أحد أعضائها، مؤشراً واضحاً على عودة عمليات المقاومة المنظمة، التي تتولّى تنفيذها مجموعات تنتمي إلى فصائل مسلحة. ومما يشكل دليلاً على أن العمل المنظّم بات يكسر الطابع الفردي لعلميات المقاومة التي تفجرّت منذ أكتوبر/تشرين الأوّل 2015، حقيقة أنّ قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة زعمت الليلة قبل الماضية أن لدى كلّ من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وتلك التابعة للسلطة معلومات حول وجود ثلاث خلايا على الأقل لحركة "حماس" تنشط وسط وشمال الضفة الغربية.
وما يبعث على القلق الإسرائيلي بشكل كبير، حقيقة أنّ تركيبة الخلية التي قادها أحمد جرار، دلت أيضاً على عودة العمليات المنظمة "المختلطة"، بحيث يشارك عناصر من أكثر من تنظيم في تنفيذها. فقد تبيّن أن أحد عناصر الخلية، أحمد إسماعيل جرار، ينتمي لحركة "فتح"، ويعمل في أحد الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة. وكان استشهد قبل 3 أسابيع عندما داهمت قوات الاحتلال مدينة جنين بهدف تصفيته وتصفية قريبه أحمد جرار، وهي المداهمة التي أصيب فيها قائد بارز في "وحدة مكافحة الإرهاب" الإسرائيلية "يمام" بجروح بليغة، وضابط آخر بجروح متوسطة.
وفي حال توسّعت ظاهرة "الخلايا المختلطة"، فإن هذا سيمثّل تحدياً كبيراً لأجهزة أمن الاحتلال، لاسيما على الصعيد الاستخباري. فكل من جهازي الاستخبارات الداخلية "الشاباك" وشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، يركّزان بشكل خاص على جمع المعلومات الاستخبارية تحديداً عن نشطاء حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، على اعتبار أنهما التنظيمان المرشحان لتنفيذ العمليات. وفي حال اضطرت استخبارات الاحتلال إلى وضع نشطاء حركة "فتح" تحت الرادار أيضاً، فإن هذا سيمثّل تحدياً إضافياً لها، إذ إن إسرائيل تقدم على إجراءات احترازية ضد نشطاء "حماس" و"الجهاد الإسلامي" من خلال شنّ حملات اعتقال ضدهم لتقليص فرص توجههم لتنفيذ عمليات، حتى بدون وجود معلومات تؤكّد أنهم بصدد تنفيذها. وفي حال اعتمدت السلوك نفسه تجاه عناصر "فتح" والأجهزة الأمنية، فإن هذا سيفضي إلى زيادة الاندفاع لتنفيذ عمليات في أوساط هؤلاء العناصر.
ومما لا شكّ فيه أن الكابوس الذي يقضّ مضاجع إسرائيل، يتمثّل في انضمام منتسبي الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة للعمل المقاوم. فمنتسبو الأجهزة الأمنية ونشطاء حركة "فتح" يملكون الكثير من الأسلحة، بعكس نشطاء "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، مما يعني أن انخراطهم في العمل المقاوم سيفضي إلى تغيير جذري على بيئة المقاومة في الضفة الغربية.
وشهدت الأيام الأخيرة تعاظم وتيرة العمليات الفردية، التي تمثّل أيضاً تحدياً كبيراً للأمن الإسرائيلي، على اعتبار أنه يكاد يكون من المستحيل على الاستخبارات الإسرائيلية جمع معلومات مسبقة حول نوايا منفذي هذه العمليات، الذين يمكن أن يقرروا تنفيذها بشكل مفاجئ.
في الوقت ذاته، فقد دلّت حالة الالتفاف الشعبي الواسع حول الشهيد أحمد جرار، كما عكس ذلك تصدي الجماهير وإفشالها محاولتين قامت بهما قوات الاحتلال لتصفيته في جنين وبلدة "برقين"، على أن المقاومة في الضفة الغربية باتت تتمتع بحاضنة جماهيرية قوية وهي آخذة في التوسّع. ومما لا شكّ فيه أن وصول مشروع التسوية إلى طريق مسدود وإعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وقراره نقل سفارة بلاده إلى المدينة المقدسة، وسّع من نطاق المشروعية الشعبية والسياسية للمقاومة.
في الوقت ذاته، فإنّ ردّة فعل الحكومة الإسرائيلية وجيش الاحتلال والمستوطنين اليهود في الضفة الغربية على عمليات المقاومة، تقنع المزيد من الشباب الفلسطيني بالانضمام لدائرة العمل المقاوم وتوسِّع في الوقت ذاته من الحاضنة الجماهيرية للمقاومة. فقيام جيش الاحتلال بتدمير المنازل والممتلكات وتنفيذ الاعتقالات الواسعة، وإصدار حكومة بنيامين نتنياهو القرارات ببناء المزيد من الأحياء في مستوطنات قائمة، وتحويل النقاط الاستيطانية إلى مستوطنات كاملة رداً على العمليات، يضيف مركّبات جديدة إلى بيئة المقاومة.
إلى جانب ذلك، فإن الانتهاكات التي يقوم بها المستوطنون، لا سيما إقدامهم على قطع الطرق التي تفضي إلى المدن والبلدات والقرى الفلسطينية، وإصرارهم على عدم السماح للفلسطينيين باستخدامها، تسهم في تفجّر الدافعية لتنفيذ عمليات المقاومة.
وعلى الرغم من أن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية تواصل التعاون الأمني مع سلطات الاحتلال بشكل يفضي إلى إعاقة العمل المقاوم بشكل جدي، فإن تواصل هذا التعاون في ظلّ انسداد الأفق السياسي ومع مواصلة إسرائيل مشاريع التهويد والاستيطان، يزيد من الضغوط على قيادة السلطة لتطبيق توصيات المجلس المركزي الأخير، لا سيما تلك المتعلّقة بوقف التعاون الأمني.