تنطلق بعد ظهر اليوم الجمعة أعمال مؤتمر ميونخ للأمن، الذي يناقش السياسة الأمنية الدولية سنوياً منذ عام 1963. ويتوقع أن تحظى مشاركة الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً جو بايدن والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأهمية خاصة للدفع قدماً بمحاولة تذويب الجليد على ضفتي الأطلسي، بعد أربع سنوات حملت الكثير من التباينات مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فضلاً عن مشاركة كلّ من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ والمفوض الأميركي للمناخ جون كيري، فضلاً عن ممثلين عن باقي الدول والمنظمات والهيئات الدولية.
وفي تصريحات صحافية، قال رئيس مؤتمر ميونخ الدبلوماسي فولفغانغ ايشيتغر، إن المؤتمر، بنسخته الرقمية هذا العام، سيشكّل منصة للطرفين الأوروبي والأميركي لتوحيد العمل والتشارك في القضايا العالمية، بينها الإرهاب والمناخ وجائحة كورونا. وأبرز أنه سيكون لميركل وبايدن وماكرون 15 دقيقة لتقديم وجهات نظر حول جدول الأعمال عبر الأطلسي، على أن يستتبع ذلك بفعاليات يشارك فيها قادة الاتحاد الأوروبي وحلف "الناتو" وباقي المنظمات، بينها منظمة الصحة العالمية، وأنه بدلاً من التفاعل المباشر، سيكون هناك وقت للأسئلة والردّ عليها بإجابات موجزة.
من جهته، توقع المنسق عبر الأطلسي للحكومة الألمانية بيتر باير، وفق صحيفة "راينشه بوست"، أن يقدّم بايدن إجابات محدّدة بشأن التعاون مع الاتحاد الأوروبي وكذلك مع ألمانيا، مشيراً إلى أن الأمر يتعلق بمسألة الأهداف المشتركة، آملاً في أن يعطي الرئيس الأميركي دعماً قوياً للصداقة عبر الأطلسي، وللموضوعات المستقبلية المشتركة من التجارة إلى الأمن والصحة والمناخ والرقمنة، ليضيف قائلاً: "سيكون مثالياً أن يذهب التحالف الغربي الوثيق إلى ما هو أبعد مما كان سائداً في عهد (باراك) أوباما".
ويحمل المؤتمر السنوي الذي سيعقد افتراضياً على مدى ثلاثة أيام، هذا العام، العديد من الملفات الأساسية، وأهمها مهمة حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، بعدما أرجأ وزراء دفاع دول الناتو اتخاذ قرار بهذا الشأن خلال اجتماعهم الذي عقد هذا الأسبوع، علماً أن الرئيس السابق ترامب حدّد نهاية إبريل/ نيسان المقبل تاريخاً لانسحاب كلّ القوات الأجنبية من أفغانستان، والذي اعتُبر في حينها أمراً غير مسؤول.
الموضوع الثاني يتعلق بخط أنابيب الغاز من روسيا عبر بحر البلطيق "نورد ستريم 2"، والذي يلقى اعتراضاً من قبل الأميركيين، وحيث وصل الأمر لفرض الإدارة الأميركية عقوبات على الشركات المشاركة في تنفيذ المشروع، ومن المعلوم أن بايدن يعتبر أن خط الغاز "عمل سيئ لأوروبا"، وبالتالي فإن المشاورات بشأن كيفية استمرار العمل بالكيلومترات الأخيرة لإنهائه. ويدور الحديث عن إمكانية العمل على تقديم تعهّد دولي ملزم قانوناً، يقضي بعدم استخدام خط الأنابيب كسلاح جيوسياسي ضد الشركاء في وسط وشرق أوروبا.
إلى ذلك، يطغى موضوع الإنفاق الدفاعي لحلف شمال الأطلسي على أعمال المؤتمر، وتأكيد نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي، والتي تم تأكيدها في قمة ويلز 2014 بعد أن تم الالتزام بها في قمة براغ 2002. ويدور نوع من الكباش بين دول الناتو حول الدعم المالي للحلف، بعدما لم تلتزم سوى 9 دول حتى الآن بهذا التعهد، وهناك ضغوط على ألمانيا، قاطرة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية، للوصول إلى هذه النسبة، إنما لا يمكن أن تتخطى 1,6 % بسبب الانكماش الاقتصادي.
علاوة على ذلك، تبرز العلاقة المستقبلية مع الصين، التي تُعتبر أبرز التحديات التي تواجه التعاون عبر الأطلسي، بعد أن أقدم الاتحاد الأوروبي، وقبل أيام من انتهاء ألمانيا من الرئاسة الدورية للمجلس الأوروبي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وقبل فترة وجيزة من تولي بايدن منصبه، على إعلان انفراجة في اتفاقية الاستثمار الأوروبية الصينية، وحيث على ما يبدو أن واشنطن ستركز على سياسة أكثر حدة مع بكين، في وقت كانت ألمانيا مهتمة باستراتيجية مشتركة مع الصين، وفق ما قال المنسق الحكومي بيتر ماير. ويبقى السؤال ما إذا كان بايدن سيصنّف النهج الأوروبي بأنه صفعة أم أنه سيشجع مرة أخرى، وبدبلوماسية، على محاسبة الصين بشكل جماعي.